الإنفصال و إعادة ترتيب الذات
دكتور بكري الجاك :
في البدء انا أتحدث من واقع تجربتي الخاصة و ليس من واقع دراسة علمية، بل أعلن هنا أنني امر بتجربة انفصال قانوني (طلاق) بدأت تفاصيلها منذ اكثر من عام .
فقد درجت في العادة أن لا أكتب عن ماهو خاص الا في اطار التقديم او قامة الحجة الي ماهو عام، و هذه المرة لا أظن أنني علي يقين ان كنت أكتب في اطار أي من كليهما، و لكن ما دفعني الي مشاركة هذه الخاطرة هو الكتابات المتعددة التي ترد في شأن الانفصال في الوسائط من قبل النساء و كأنما هو شأن يخص النساء وحدهن. بالطبع اتفهم بالكامل (بقدر ما أملك من مقدرة ذهنية) أن تجربة الانفصال في واقعنا الاجتماعي السوداني تلقي باعباء قانونية شاقة و ترتيبات اجتماعية معقدة و وصمة ثقافية سالبة علي النساء علي خلاف ما يحدث للرجال.
اولا النساء في واقعنا الاجتماعي غالبا ما يتحملن عبء التربية و المسؤولية تجاه الابناء بعد الانفصال و هذا صحيح الي حد ما في كل الثقافات الا أن المجتمعات الغربية تعطي الطرفين الحق في اختيار صيغة تحديد المسؤولية و لا تحمل عبء الرعاية للنساء افتراضيا فقط لأنهن أمهات دون تحقق و مساءلة وتوافق قانوني.
ثانيا، المرأة في واقعنا الاجتماعي ليس لها حقوق سوي نفقة في اغلب الظن لا تسمن و لا تغني من جوع، هنا بخلاف المسؤولية تجاه الاطفال هنالك حقوق للنساء ليس فقط في النفقة التي ترتبط بطول أمد الزواج بل أن للزوجة نصف المكلية في كل الأصول، و حتي جل الاتفاقيات السابقة للزواج فيما يعرف بال Prenuptial Agreements التي تعقد في اوساط الاغنياء عادة لحماية الملكيات السابقة للزواج لا تٌحصّن بالكامل كل الأموال و الأصول التي تغتني ابان فترة الزواج.
ثالثا، مسألة الوصمة الاجتماعية السالبة للطلاق لا وجود لها في الغرب و ربما في جلّ المجتمعات البشرية، في بلادنا هنالك وصمة للمطلقة ذات دلالات سلبية في جل الأحايين، هذه الوصمة تصل في بعض الاحيان حد التصورات الاجتماعية فكرة السيولة الاخلاقية للمطلقات، خصوصا أن مفهوم الاخلاق في مخيالنا الاجتماعي المشوه عادة ما يدور حول مفهوم الشرف و العفة اللّذان يتمحوران حول التابوه المسمي “الجنس” و كل ذلك لابد أن يمر عبر اجساد النساء، فهو مخيال اجتماعي يتناسي المعني الواسع لفكرة الاخلاق التي تشمل الفساد السياسي و االاقتصادي و الاجتماعي وهذا الفساد لا يجد الادانة الاخلاقية الكافية مثل القضايا التي ترتبط بأجساد النساء.
فكرة الانفصال موضوعيا تعني اعادة تعريف الذات و هذا لا يعني بالضرورة أن اي تجربة انفصال تنتج من او هي نتاج مشاعر سلبية و غضب و محاولة تدمير الآخر حسب ما يٌصور في المخيال الاجتماعي السائد لفكرة الطلاق. ترتيب اوضاع الاطفال (ان وجدوا) في حالات الأنفصال هو الأمر الذي يستحق الاهتمام و التدبر بتأني و هو جزء من اعادة ترتيب الذات و هذا الشأن ليس له وصفة سحرية و كل تجربة لها خصوصيتها مهما حاول البعض التعميم من واقع استخلاص معارف عامة عن هذا الأمر.
منذ اسبوع بدأت رحلة اعادة الاكتشاف و التعرف علي نفسي من جديد كشرط ضرورة لمرحلة جديدة للتصالح مع الذات و بعصارة تجارب الحياة بحلوها و مرها. أتمني لرفيقتي لاكثر من عقد من الزمان رحلة غنية في اعادة تعريف الذات، خصوصا ان رحلة انفصالنا قد بدأت منذ اكثر من عام و انتهت بشكل ودي و قررنا أن نبقي خلالها أصدقاء نشجع بضعنا بعضا و نتمني الخير لكلينا و أن نوفر كامل الحب و الدعم لابننا. انا بخير و اتطلع الي اعادة ترتيب رفوف الروح في هذه المحطة من رحلة الحياة و مواصلة العمل علي أن اكون الأب الأمثل (ما استطعت) في سياق جديد.
و ربما هذه دعوة للرجال ايضا للكتابة عن تجارب الانفصال و الطلاق و ليس بدافع الشكوي او التشفي بل لنتذكر اننا كرجال في الواقع السوداني نتمتع بامتيازات بيولوجية فقط لاننا ولدنا ذكورا، و هذا عادة ما يجعل جلّ الرجال يستخدمون العصمة و الحق في الطلاق كوسيلة لمعاقبة الزوجات خصوصا اذا كان طلب الانفصال قد أتي من الزوجة. استخدام امتياز الذكورة الذي انتجه الواقع الاجتماعي هو أمر مؤسف وهو أكثر ظاهرة متكررة في سياقنا الاجتماعي مع الكثير من المآسي. الكتابة عن هذ الأمور قد تسهم فى اثراء الفضاء العام بتعدد زوايا الشوف في قضايا اجتماعية مهمة قد نري منها الكثير في قادم الايام مع تعقد الحياة و تغير طبيعتها و معناها، و الأهم أن علي هذه الأرض الكثير الذي يستحق الحياة و ماهو أكبر من الذات.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …