‫الرئيسية‬ آخر الأخبار العقيدة والمواطنة، منظور بسيط:
آخر الأخبار - رأي - أكتوبر 22, 2019

العقيدة والمواطنة، منظور بسيط:

علي التلوبي

إسحق نيوتن واحد من العلامات الفارقة في درب التقدم العلمي الإنساني. ورغم غرابة معتقداته التي دفعت بالتقليديين إلى رميه بالهرطقة، فإن عظمة ما قدمه للإنسانية لم يكن نتيجة لمعتقداته، وإنما لكفاءته العلمية. وبالمثل، فإن بيل غيتس يعد أحد أساطين القرن لما قدمه من تطوير للنظم الحاسوبية. إن إلحاد غيتس لم يكن سبباً لإقصائه عن المساهمة بالتقدم والازدهار. فدولة المواطنة تعني أن الكفاءة هي المحك، وليس المعتقد.

ومن الاستحالة بمكان أن تتطابق معتقدات إنسان مع آخر، وذلك أن تجربة الإنسان تشكل فهمه لمعتقده، وهي بالضرورة مختلفة عن تجربة الآخر. ففي مناهج المعرفة لا يمكن عزل فهم الظاهرة قيد النقاش عن المناقِش. فتحيزات كل مناقِش، أي منظار تجاربه الذاتية، تتداخل مع فهمه للظاهرة. فلا يمكن لأحدنا أن يتحدث عن عقيدة ما كمفهوم معزول، بل يمكنك فقط التحدث عن الفهم الشخصي لها، وهذا الفهم ليس خاطئاً أو صحيحاً بالضرورة، وكذلك الآخرون. ومن ذلك، فإن فكرة أن أحدهم هو المتحدث باسم العقيدة هي فوقية معرفية واختلال نهج معرفي.

بل إن توهم الصحة هو أيضاً مربوط بظروف تاريخية وتطورية. فعلى سبيل المثال حينما انتصر الفكر الحنبلي على الفكر المعتزلي، فإن ذلك لم يكن انتصاراً نوعياً، بل كان مجرد صدفة أن الخليفة الذي حل محل الخليفة المعتزلي قد كان حنبلياً، ومن ثم أنه انتصر للفكر الحنبلي. ولو صار العكس لكان المعتزلة مكان سلفيي اليوم. فصحة اعتقاد أحدنا ليست صحة مطلقة، بل هي صحة نسبية محكومة بالظروف الشخصية وبالسياقات التاريخية.

وبما أن كل معتقد هو الصحيح في عين صاحبه، فإن أوجب واجبات التعايش السلمي هو التحرر من إسار سطوة اليقين والتواضع إلى مجرد تمني الكينونة على حق. فليس أحدنا وصياً على الآخر وليس أحدنا الناطق الرسمي بخبر السماء. فقط يمكننا عرض ما يفهمه كل منا من مرامي النصوص بتواضع ودونما عنجهية بأمل تبادل أفهامنا المتنوعة للوصول إلى آفاق أرحب، وبغرض الاحتفاء بوطن غني بالتنوع بما في ذلك تنوع الفهم العقدي. فمن المستحيل تطابق الفهم العقدي، ولكن ما يجمعنا هو وطن واحد، وكوكب وحيد.

 

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …