علمانية الدولة وتقرير المصير .. عقبات في طريق التفاوض
الخرطوم – الشاهد
في خطوة ربما تعيق عملية التفاوض الجارية حاليا بمدينة “جوبا” عاصمة دولة جنوب السودان أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال – بقيادة عبدالعزيز الحلو في الايام الماضية، عدم تحقيق أي تقدم أو نتائح إيجابية في الجولة الثانية للمفاوضات مع الحكومة فيما يتعلق بنقاط الخلاف حول إعلان المبادئ خاصة علمانية الدولة وحق تقرير المصير، وقال بيان صادر عنها وقتها “نؤكد أن الجولة الحالية من المحادثات والتي إنطلقت منذ العاشر من ديسمبر لم تسفر حتى اللحظة عن أي تقدم أو نتائج إيجابية تدفع بالمفاوضات الي الأمام، فما نزال على عتبة التفاوض، ولم نحقق أي اختراق يذكر فيما يتعلق بنقاط الخلاف حول إعلان المبادئ، خاصة علمانية الدولة وحق تقرير المصير”.
وشدَّد بيان الحركة على أن الحركة ثابتة في مواقفها التفاوضية، ولم تقدم أي تنازل في المواقف المبدئية، بل تصر على التفاوض في كل القضايا التي تشكل الجذور التاريخية للمشكلة السودانية ومعالجتها دون تأجيل لأي منها، أو ترحيلها إلى ما يُسمى بالمؤتمر الدستوري، ونوَّه إلى أن تحقيق السلام العادل، الشامل والمستدام قضية استراتيجية لها استحقاقات معلومة وواجبة السداد، ويجب أن تحتل سلم الأولويات.
وقال البيان أن الحكومة الانتقالية، سبق وأن رفضت إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية كواحدة من أهم مطلوبات بناء الثقة، فيما لا يزال معظم أعضاء وفد الحكومة الانتقالية يؤكدون داخل قاعة التفاوض شفاهة على رفضهم للدولة الدينية، وإيمانهم بالعلمانية، ولكنهم في ذات الوقت يرفضون إيداع هذا الموقف كتابة، كما يرفضون أي ذكر لمفردة العلمانية صراحة، وأضاف البيان “كيف لمن يرتعب من إسم الضبع فقط، أن يزعم أنه سوف يخرج لاصطياد الضبع نفسه”.
وبالنسبة للحركة الشعبية فأن المطالبة بحق تقرير المصير تأتي استناداً على مبررات تتمثل في أنه حق مكفول للشعوب بموجب القوانين والمواثيق الدولية، وظلت تبرر للمطلب بما تسميه “المظالم التاريخية الواقعة على شعب الإقليم من حكومات المركز المتعاقبة، بجانب العنصرية المزدوجة القائمة على أساس العرق والدين، وإصرار النظام على تطبيق الشريعة الإسلامية، فضلاً عن نقض الاتفاقيات والعهود والمواثيق من حكومات المركز”.
ودخل مطلب “حق تقرير المصير” أدبيات السياسة السودانية إبان مؤتمر “أسمرا” للقضايا المصيرية في عام 1995م والذي بدوره أقر هذا المطلب والحق لشعب جنوب السودان، والذي تبنته الحركة الشعبية لتحرير السودان، ووافق عليه حلفاؤها في التجمع الوطني الديمقراطي، وفيما بعد أقرت اتفاقية السلام الشامل الموقعة في عام 2005م هذا الحق، والذي بدوره قاد في خاتمة المطاف إلى انفصال جنوب السودان.
وفي الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري قال القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير صديق يوسف إن طرح رئيس الحركة الشعبية – شمال، عبد العزيز الحلو؛ لعلمانية الدولة لا خلاف حوله، وأنه يتوافق مع الوثيقة الدستورية، وقال يوسف في تصريح صحفي وقتها إن برنامج قوى الحرية والتغيير قائم على المواطنة، وإن ما طرحه الحلو متوافق تمامًا مع الوثيقة الدستورية، وأشار إلى عدم وجود خلاف حول الأمر، وأضاف يوسف إن رؤيتهم تتمثل في معالجة الأسباب التي من أجلها اندلعت الحرب، بجانب الآثار التي خلفتها، وأكد أنه في حال جدية الطرفين المتفاوضين سيتم التوصل إلى سلام شامل في أقرب وقت، وقطع بوجود تعنت من بعض الأطراف، رفض الكشف عنها.
وفي المقابل أقر وزير العدل نصر الدين عبد الباري، الذي إستعانت به الحكومة الانتقالية لإقالة عثرة الخلاف حول علمانية الدولة؛ بفشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق حول علاقة الدين بالدولة، وقال عبد الباري في تصريح صحفي “لم نتوصل إلى نقطة مشتركة حول الدين والدولة والتشريعات، لأن لكل طرف رؤيته المختلفة” وظلت الحركة الشعبية تتمسك بإدراج علمانية الدولة في اتفاق السلام أو تقبل خيار الحُكم الذاتي للنيل الأزرق وجنوب كردفان، ورفض مقترح مناقشة الأمر في المؤتمر الدستوري المزمع عقده نهاية الفترة الانتقالية.
وفيما يتصل بحق تقرير المصير فيعتبره الراحل جون قرنق زعيم الحركة الشعبية حقاً ديمقراطياً وسياسياً ويهدف لوحدة البلاد، مبيناً أن السودان الجديد نفسه يجب أن يتحقق عبر تقرير المصير، ومن يقرر ذلك هو الشعب السوداني بنفسه، ويشدد قرنق في رؤيته للسودان الجديد على ضرورة وحدة السودان بشكل جديد، وفصل الدين عن الدولة كأمر مهم في مجتمع متعدد الأديان، وذلك لأنه لا يمكن أن نختار ديناً للدولة من بين الأديان، وضرورة تطوير رابطة سودانية لا تميز بين مواطنيها ويصبح المبدأ الموجه بأن يكون كل سوداني مواطناً سودانياً دون تمييز على أساس العرق أو الدين، وبعد قبول السودانيين ببعضهم بعضا يمكن أن يطمحوا لوحدة أرحب ومجتمع أوسع.
وفي سياق متصل بالمفاوضات عقد وفد الحكومة برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق الركن شمس الدين كباشي ظهرالاسبوع الماضي جلسة تفاوض مع الحركة الشعبية – شمال- بقيادة عبدالعزيز أدم الحلو، بحضور الوساطة من دولة الجنوب، وأعلن “توت قلواك” رئيس وفد الوساطة في تصريح صحفي عقب الجلسة عن تعليق الوساطة للتفاوض في مسار الحركة الشعبية جناح الحلو لمدة أسبوعين، استجابة لطلب الحركة من أجل التشاور مع قيادتها وقواعدها حول بعض القضايا محل التفاوض لإكمال الرؤية حولها.
وأكد قلواك أن المفاوضات في هذا المسار والمسارات الأخري تسير بصورة طيبة تمهيداً للوصول إلى اتفاق سلام شامل، وبحسب قلواك فأن الحركة تقدمت بطلب لإمهالها إسبوعين لمشاورة قواعدها لأخذ رأيهم حول بعض ملفات التفاوض، وقال إن التفاوض بين الجانبين قطع مشوارا طويلا، لكن هناك بعض القضايا رأت الحركة إطلاع قواعدها عليها ومشاورتهم قبل توقيع الاتفاق.
وفي الثالث من يناير الجاري اتهم رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، عبدالعزيز الحلو، الحكومة الانتقالية في الخرطوم بعدم بذل أي مجهود بشأن قوانين الهوية، وشدد على تمسكهم بالعلمانية أو “حق تقرير المصير” وأوضح الحلو في تصريح نقله موقع “العين الإخبارية” أن الحركة الشعبية تعتبر “العلمانية” إطاراً مناسباً لضمان حقوقها، مؤكدا على ضرورة الإجابة على الأسئلة الدستورية من أجل الوصول إلى وحدة عادلة.
وفيما جدد رئيس الحركة الشعبية شمال تمسّكهم بحق تقرير المصير ونظام علماني، رفض في الوقت ذاته الحديث عن فرضية الانضمام إلى جمهورية جنوب السودان، مشيراً إلى أن الأمر متروك للمستقبل، وقال: “قبلنا جمهورية جنوب السودان وسيطاً وجوبا منبراً تفاوضياً، وبدأنا التفاوض منذ سبتمبر الماضي، ونحن الآن في الجولة الثالثة، وأحرزنا فيها “نوعاً من التقدم” وتابع “الجولة الأولى كانت استكشافية خاصة بالنسبة لوفد الحكومة الانتقالية، والثانية اتفقنا فيها على ترتيب أجندة التفاوض، ففي تجربتنا التفاوضية مع النظام السابق أشرنا لجوهر وجذور المشكلة باعتبارها مشكلة سياسية”.
وأكد الحلو أنه لعدم إضاعة الوقت “بدأنا التفاوض من الملف السياسي والإنساني، لننتقل بعدهما للترتيبات الأمنية، فاتفقنا على إعلان مبادئ يحكم العملية التفاوضية، لتذهب إلى نهاياتها المنطقية، ووافق الجانب الحكومي، وطلب منا تقديم مسودة لإعلان المبادئ، وقدمناها لهم” وأشار إلى أن الحركة الشعبية والحكومة الانتقالية في الجولتين الثانية والثالثة، اللتين تم تعليقهما، ناقشا إعلان المبادئ، مؤكدا أن الطرفين يملكان إرادة قوية لتحقيق السلام.
وشدد الحلو على أن أهم القضايا الخلافية هي “حق تقرير المصير والعلمانية”، قائلا: إن مسألة العلمانية مهمة بالنسبة لنا، وحال كنّا حريصين على وحدة السودان وحدة عادلة، تُحقق الاستقرار والتنمية، والانتقال من دولة الفقر إلى دولة الكفاية إلى دولة الرفاهية، فلا بد من فصل الدين عن الدولة أو العلمانية، وهذا موقف مبدئي للحركة”.
وأشار الى أنه حال رفضت الحكومة الانتقالية والمركز قبول مبدأ العلمانية، فنحن نُفضّل اللجوء إلى “حق تقرير المصير”، ورأى أنه في ظل الوضع الحالي لن تكون هناك عدالة أو وحدة حقيقية، كما ذكر أن الحكومة الانتقالية لم تبذل أي جهد، وحتى الوثيقة الدستورية، التي وقعها المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في أغسطس الماضي، تناولت القضايا بـ “شيء من الضبابية”، وسكتت عن العلمانية.
حسنا، بعد مرور ثمانية سنوات على إنفصال الجنوب عاد مطلب حق تقرير المصير إلى الواجهة، وربما يقود هذا الأمر إلى مصير الجنوب، ولكن بحسب بعض المتابعين، فإن مطلب حق تقرير المصير هزم الفكرة الرئيسة للحركة الشعبية المتمثلة في مشروع السودان الجديد.. ولكن من خلال الواقع، وبعد انفصال جنوب السودان، ومطالبة الحركة الشعبية بقيادة الحلو بإعتماد حق تقرير المصير لشعب جبال النوبة، يكون مشروع السودان الجديد الذي طرحه قرنق هزم نفسه من خلال هروب أصحاب المشروع من الفكرة المركزية، والركون لحق تقرير المصير.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …