د. الحسن النذير يسأل : ما هو حجم الكتلة النقدية يا بنك السودان ؟
سألني احد الاصدقاء عن سر الارتفاع غير المسبوق لسعر للدولار وبعض السلع الاستراتيجية مثل السكر والسلع الاستهلاكية عموماً؟
صمت برهة، وفاجأني:
(خليكم انتو يالاقتصاديين، النقول ليك نحنا)! وكان يتحدث معي تلفونياً وانا خارج السودان.
قال لي بالحرف الواحد ان هنالك مجموعة من ازلام النظام البائد تمتلك ترليونات الجنيهات، وإضافة الي ذلك قامت ببيع (ولا تزال تبيع) العقارات والأراضي (في مواقع استثمارية) وتقوم في نفس الوقت بشراء اي كمية من النقد الأجنبي والسلع الاستراتيجية كالسكر والدقيق.
يتم ذلك لتفادي المسائلة من قبل الجهات العدلية ولجنة تفكيك التمكين (التي تأخرت في إنجاز مهامها).
معلوم ان احدي عصابات تزوير العملة ، قد تم ضبطها خلال شهر مارس الماضي، وهي ليست الضبطية الأولي بطبيعة الحال. ومن الموءكد ان هنالك العديد من عمليات التزوير التي لم يتم اكتشافها. بذلك تم اغراق السوق بكميات (يعلمها الله تعالي وحده) من هذا الجنيه المنكوب، وبذلك أصبح حجم الكتلة النقدية المتضخمة أصلا خارج علم او تحكم البنك المركزي وكما يقول المثل (عايرة وادوها سوط)!!
نرجع للسؤال موضوع الحديث: ما هو حجم الكتلة النقدية الفعلي يا بنك السودان؟
من البديهي اننا لا نتوقع اجابة ذات مدلول او مصداقية في هذة الظروف، وهو شيء مؤسف وخطير للغاية.
وبالمعطيات المذكورة آنفا، هل يستطيع اي كائن من كان ان يتنبأ (ولو بتقديرات ذات مدي واسع للخطا) بالنسب المستقبلية للتضخم في ظل الحجم غير معلوم والمتزايد للكتلة النقدية؟
بالتأكيد اننا نجد العذر للإدارة العليا الجديدة للبنك المركزي، لانها لم تشارك او علي الأقل لم تكن تملك قرار في سياسة التسليف الغير محدود من النظام المصرفي والذي اتبعه النظام البائد.
في نفس الوقت اذا أراد (تحتاج إرادة سياسية) المسؤولون، معرفة الحجم الفعلي للكتلة النقدية، عليهم بتغير العملة. وان يسبق ذلك إجراءات احترازية، (كايقاف إصدار شهادات البحث بغرض البيع للعقارات والمنقولات …الخ).
بتجميع المبالغ “المزمع” تغييرها اضافة للموجودات داخل النظام المصرفي يتم الكشف عن الحجم الحقيقي للكتلة النقدية بافتراض ان للبنك المركزي علم بحجم شبه النقود. واذا اتضح من البيانات المعلن عنها ان حجم النقود في يد الأفراد وفي حساباتهم والحسابات الاخري، يفوق ما قام بإصداره البنك المركزي ينكشف حجم النقود المزورة او التي أصدرتها جهات اخري غير البنك المركزي. وعند ذلك يتم التحري مع المتقدمين بالمبالغ المليارية للتغيير.
لا بد من معرفة حجم هذا “الورم” ومسبباته قبل الحديث عن العلاج!! جدير بالذكر ان الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية GDP at current market prices في منتصف السبعينات من القرن الماضي كان اقل من مليار جنيه ويفوق ذلك قليلا في بداية عهد ” الإنقاذ”؟؟ والآن لا ندري ما هو حجم الكتلة النقدية “بالترليونات”. والتي لا علاقة لها بحجم انتاج السلع والخدمات!!
اذا كان الجراح الذي يريد تطبيب اقتصادنا من مرضه العضال هذا، غير ملم بهذة البيانات فبلا شك، لن يحالفه النجاح ولو بنسبة متواضعة.
أقول قولي هذا وأملي ضئيل جداً مع الأسف، في ان يقتنع القائمون علي شان اقتصادنا، بقبول اقتراح تغيير العملة. أقول للأسف، لان هنالك الكثيرين اللذين سبق ان قدموا نفس الاقتراح، ولم يحرك ذلك “رمش” المسؤولين.
ناسف مرة ثانية لان القائمين علي امر اقتصادنا لا يفكرون في شيء اخر بخلاف “رفع الدعم” وتحرير سعر الصرف!! ظللنا نسمع ذلك حد الملل!
واذا تم قبول المقترح بتغيير العملة، قد يكون من المناسب طباعة الفئات الأقل قيمةً حتي تعجز عصابات التزوير من طباعة العملة مستقبلا بسبب ارتفاع التكلفة. نذكر هنا بتجارب دول اخري (نيجريا مثلا). كذلك يجب توسيع نطاق الشمول المالي للتقليل من استخدام الكاش في التبادل والسداد. وان يتم التحكم في تحديد الكتلة النقدية بصورة علمية وفق تطور انتاج السلع والخدمات.
وعند اجراء عملية الطباعة يجب مراعاة إصدار الفئات النقدية الصغيرة بناءاً علي النماذج اللازمة لضمان فعالية الفئات اثناء التعاملات. هناك نموذج D Metric Model جرب في السودان في نهاية الثمانينات من القرن الماضي لتحديد كميات الفئات المختلفة عند الإصدار.
اخيراً وليس آخراً نطمئن القائمين علي سياساتنا الاقتصادية، بأننا ندرك بان التشوهات التي تعتري الاقتصاد الكلي تتطلب تفادي الاستدانة من النظام المصرفي، ولكن هناك مصادر اخري لطباعة العملة غير البنك المركزي!! اذا لم يتم وضع حد لها لن يفيد الامتناع عن الاستدانة من النظام المصرفي.
وحتي الدول التي تتحكم في كتلتها النقدية، تقوم بدعم جزئي لبعض السلع لاعتبارات اجتماعية ضاغطة، وتضع أهمية كبيرة للقطاع التعاوني وهذة قضية اخري.
اللهم الهم القائمين علي امر اقتصادنا الصبر علي سماع آراء الاخرين وأصوات المواطنين المكتوين بنار التضخم المشتعل والذي ما عاد يُطاق!!
غيروا العملة يرحمكم الله!
د. الحسن النذير
نحن في الزمن المهم من تاريخنا… كلمة نقيب الدراميين
الخرطوم – الشاهد: فيما يلي تنشر الشاهد كلمة الأستاذ الرشيد أحمد عيسى نقيب الدراميين …