‫الرئيسية‬ ولد في مثل هذا اليوم ولد مثل هذا اليوم.. أسامة أنور عكاشة
ولد في مثل هذا اليوم - يوليو 27, 2020

ولد مثل هذا اليوم.. أسامة أنور عكاشة

ولد مثل هذا اليوم – الشاهد

كتب : الحسن عبد العزيز
لم نكن نتساءل عندما كنا نتحلق حول التلفاز بانتظار حلقة جديدة من المسلسل التلفزيوني الذي نسج خيوطه الكاتب أسامة أنور عكاشة من مشاهد عادية نشاهدها جميعا وبشكل يومي دون أن ننتبه إلى القيمة الفنية الكامنة فيها إلا عندما أعاد إنتاجها الكاتب العظيم.
لم يكن أي من أفراد الأسرة يتخلف لأي سبب كان؛ ولم تكن ثمة شجارات عائلية – على الأقل لساعة في اليوم. حدث ذلك أثناء عرض (الشهد والدموع) وتكرر مع (ليالي الحلمية) ولاحقاتها من روائع الكاتب؛ حدث ذلك في كل حواضر وبوادي الوطن العربي الكبير على امتداده من الخليج إلى المحيط . ولكن: ما الذي منح هذا الكاتب كل هذا الحب؛ إن كان للحب من مسوغ موضوعي؟
سأحاول هنا النفاذ إلى عالم الكاتب عبر قراءة سيرته الذاتية وعبر ما قدم لأعماله من نقد.
ولد أسامة أنور عكاشة في العام 1941 في (طنطا). تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بـ(كفر الشيخ) حيث كان يعمل والده. توفيت والدته وهو لم يتجاوز السادسة من عمره. ربما كان لهذه التجربة تأثيرها عليه من خلال الحب الذي جسده في كل أعماله كتعويض عن ما حرم منه في طفولته، يقول: “أنا قلبي زي الموبايل، والحب هو بطارية الشحن، بدونها يتوقف عن العمل، فأنا لا أستطيع الحياة دون حب، فهو شعور يعني لي البقاء”.

التحق بقسم الدراسات الاجتماعية والنفسية بجامعة (عين شمس)، تخرج فيها عام 1962. ساعده مجال دراسته على تفهم الظواهر الاجتماعية والنفسانية، وشكلت هذه الفترة إرهاصا أوليا بمحاولاته الباكرة في الكتابة الأدبية والتأليف.
بدأ أسامة أنور عكاشة كاتبا للقصة القصيرة إذ صدرت مجموعته الأولى: (خارج الدنيا) عام 1967، تلتها (أحلام في برج بابل) عام 1973. لم يمنعه انشغاله بالدراما عن شغفه القديم بالكتابة الأدبية فأصدر مجموعته القصصية (مقاطع من أغنية قديمة) عام 1985، تلتها رواية (منخفض الهند الموسمي) عام 2000، ورواية (وهج الصيف) عام 2001، بالإضافة إلى عدد من الكتب كان آخرها روايته (سوناتا لتشرين) عام 2008، وروايته الأخيرة (شق النهار).
عمل عكاشة مدرسا عامي1963 و1964، ثم عضوا فنيا بالعلاقات العامة بديوان محافظة (كفر الشيخ) إلى العام 1966، قبل أن يلتحق بجامعة الأزهر اختصاصيا اجتماعيا للشباب إلى تاريخ تقدمه باستقالته للتفرغ تماما للكتابة والتأليف بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل (الشهد والدموع) مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ، الذي شكل معه الثنائي الأبرز في الدراما العربية.
كان للروائي سليمان فياض، الفضل في اكتشاف موهبة عكاشة ككاتب للدراما عندما اختار من إحدى مجموعاته القصصية نصا أعاد كتابته بمنظور درامي وقدمه كسهرة تلفزيونية. تكرر الأمر مع كرم النجار، الذي اختار قصة أخرى من قصص عكاشة بعنوان (الإنسان والحبل)؛ كتب لها سيناريو وقدمها كسهرة تلفزيونية. وبإيحاء من هذه التجربة، وبإيعاز منهما ومن آخرين خاض عكاشة مغامرة الكتابة الدرامية إلى أن صار أبرز كتابها في الوطن العربي على الإطلاق.
ربما يكون أسامة أنور عكاشة من أوائل المثقفين العرب الذين فطنوا لسيطرة الصورة على نماذج تشكيل الوعي حين صب تأملاته المتبصرة في قالب الكتابة الدرامية، حتى إن الناقد الراحل د. عبد القادر القط، “صك” في معرض كتابته عن أعمال عكاشة؛ مصطلح (الأدب التلفزيوني)، للتفريق بين الدراما التي ولدت بين يدي عكاشة، والتي سبقت احترافه للكتابة الدرامية. لكن الناقد سيد محمود، يرى أنه قد يكون هذا اختزالا في توصيف دور الكاتب. ويمضي إلى القول إن معظم المرثيات – في فيس بوك وبقية مواقع التواصل الاجتماعي – لأناس تتراوح أعمارهم بين 25 عاما و60 عاما، يقول: “أنا ممن عاش (زمن أسامة أنور عكاشة) الذي بدأ بنهاية السبعينات إلى رحيله في العام 2010.
ويمضي سيد محمود، في توصيفه لملامح (زمن أسامة أنور عكاشة)؛ إلى القول بأن التلفزيون كان قد أصبح له دور أساسي في السبعينات بعد أن كان مجرد قطعة تكميلية في الستينات، تزامن هذا مع بدايات احتراف عكاشة عمله ككاتب للدراما؛ وكأنه قد كان مقدرا لهما أن يصعدا سويا لاحتلال ذاكرة ووجدان الإنسان العربي.
يذهب الباحث محمد العجاتي، إلى أن أعمال السيناريست أسامة أنور عكاشة، كانت أحد أسس الأدب التلفزيوني، ربما لأنه كسر معها العديد من التابوهات بمقياس زمنه. كما تطرق الباحث إلى الأنماط والقضايا التي وظفها عكاشة كمرتكزات لفلسفته في الكتابة الدرامية. وأضاف أن تأثر عكاشة بكلاسيكيات الأدب العالمي تتجلى في النمط البلزاكي (نسبة إلى الأديب الفرنسي أونوريه بلزاك) الذي شكل محورا لموضوعاته التي تتناول التغيرات التي تصاحب الانتقال من الريف إلى المدينة. وأشار العجاتي إلى أن العمل المبكر لعكاشة (أدرك شهريار الصباح) مقتبس من قصة عالمية كلاسيكية هي (ترويض النمرة) لوليام شكسبير ما يثبت بطلان الاتهامات الموجهة للكاتب بالرجعية. وتطرق كذلك للنمط (الدونكيشوتي) نسبة إلى الرواية الكلاسيكية (دون كيشوت) للكاتب الإسباني (سرفانتس) التي تتمحور حول بطل ساذج وطيب يحارب طواحين الهواء. كانت أول تمظهرات هذا النمط وأبرزها عند عكاشة تبدت في شخصية (أبو العلا البشري) ثم (أبلة حكمت) و(سمية) في مسلسل (أهالينا). المختلف عند عكاشة اهتمامه بدوافع الفعل الدرامي لشخوصه. ويمضى العجاتي إلى نفي تهمة التنميط عن عكاشة إذ إن المرأة العنيفة ليست مجرد كائن معقد ومعتل نفسيا، بل إنها ضحية بنية مجتمعية: سمية الألفي في (الراية البيضا)، ونسرين في (رحلة أبو العلا البشري).
من الاتهامات التي لاحقت عكاشة إصرار البعض على وصمه بالنزعة الأبوية وهو اتهام تخف حدته مع تأمل بعض أعماله مثل (على أبواب المدينة) ودور الفنانة نسرين فيه.
كاتب من جيل آخر هو محمد رمضان، يرى أنه لا توجد محاولة لبناء مشروع فني سياسي في الدراما المصرية غير محاولات أسامة أنور عكاشة. يقول: “إن الرجل فعلا يمتلك مشروعا فنيا بامتياز، قائم على تطوير نظريات عن الوطنية والهوية والحكم والديمقراطية؛ لذلك شكل فاعلا كبيرا في المجال العام لأمد بعيد من خلال مسلسلاته”.
ويمضى محمد رمضان إلى القول إنه فطن إلى أن بعض المقولات الشائعة مثل: “مبارك كان جيدا في أول عشر سنوات”، مرده إلى قراءة شعبية لمسلسلات عكاشة. ويخلص رمضان – الشاب العشريني – إلى أن الثنائية التفاعلية بين مفهوم الوطن وربطه بالأرض، هو ما أودى بهم إلى الجحيم إذ أصبحت كل الفظاعات ترتكب باسم الوطنية، والأمن القومي. تقتل السلطة فيهلل المؤيدون بحجة الدفاع عن الوطن؛ ليس هنالك وطن يقتل أبناءه.
حظيت أعمال عكاشة بكل أشكال النقد وما يحسب لتجربته الفريده أنه لم يتعرض لأقسى أشكاله وهو التجاهل.

‫شاهد أيضًا‬

ولد مثل هذا اليوم… مديحة كامل

ولد مثل هذا اليوم – الشاهد ولدت في مدينة الإسكندرية في 3 أغسطس 1948 وانتقلت عام 1962…