تلاميذ يفترشون الأرض في مدرسة عمرها (٦٥) عام
أورشي : زمزم خاطر :
محزن أن يكون ذلك في مسقط رأس هؤلاء الأفذاذ
هنا في منطقة أورشي التي تتبع لمحلية أمبرو بولاية شمال دارفور، تقف مباني مدرسة (أركوري) مسورة بالشوك وهي صامدة وعنيدة تقاوم كل الظروف.
فى إطار جولاتى على عدد من محليات الولاية وفى محلية أمبرو قصدنا تلك المدرسة لنقف على أحوال التعليم فيها، إستقبلنا معلموها بحفاوة في داخل مكتبهم الذي يكتظ بالأشياء فهو مكتب ومخزن معاً لم توجد فيه مقومات البيئة المهيئة للتدريس، وجدناهم هاشون باشون ، مسرورون وهم يؤدون رسالتهم في رضا تام ، لا يشكون من ضيق ولا نقص ، يعملون بكد في أصعب الظروف يعلمون النشء جيلا بعد جيل.
ويخرجون أفذاذا في شتى المجالات يرفدون هذا السودان والعالم معاً، كيف لا والمعلم كاد أن يكون رسولا !!
قصدتُ فصلاً من الفصول، ومن بعيد أذهلتني أكوام الأحذية التي خارج الفصول فجالت بخاطري كمية من الأسئلة إلا الذي رأيته بعد دخولي.
طرقت الباب فقطع الأستاذ حديثه وأذن لي بالدخول، وحينها رأيتُ منظراً أحزنني أيما حزن، رأيت تلاميذ وتلميذات يفترشون الأرض وهم يتقاسمون الفصل. يا الله!!! ستكمل لكم الصور باقي المشاهد.
تأسست هذه المدرسة في العام ١٩٥٦م أي مع إستقلال السودان وبجهد شعبي بحت، وقد بلغت من العمر خمسة وستين عاما في هذا العام ٢٠٢١م .
ومن أوائل الذين درّسوا فيها الأستاذ حسين أدم، والد الصحفي محمد حسين مدير الهيئة الولائية للإذاعة والتلفزيون بولاية شمال دارفور.
ظلت هذه المدرسة تنافس رصيفاتها بمحلية أمبرو وفي هذا العام إحتلت المرتبة الرابعة برغم نقص الكادر فيها .
هذه المدرسة بها تسعة (٩) معلم/ة فقط يتناوبون في تدريس المواد قوة المدرسة أكثر من (٨٠٠) ثمانومائة تلميذ /ة، في الصف الثامن وما يقارب ال(١٨٥) تلميذ /ة سيجلسون لإمتحانات هذا العام.
منطقة أورشي بها رجال أفذاذ رسموا تاريخ السودان في شتى المجالات (السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية ، العلمية، الفنية…ألخ) وعلى سبيل المثال لا الحصر : رجل المال والأعمال المرحوم الحاج أدم يعقوب عليه رحمة الله ، والسفير عمر بشير مانيس، المهندس أسحق بشير جماع، محمود بشير جماع ، اللواء عبد الحميد مانيس، العقيد هري خميس أرباب نائب دائرة أورشي في البرلمان والذي قاتل لبناء السد بمواد ثابتة ، المرحوم الحاج عثمان سام الذي ساهم في بناء هذه المدرسة،ودرّس القرآن في الخلوة التي بداخل المدرسة، وكذلك بروفيسور محمد أبكر جلبة أول مدير لجامعة زالنجي، والمناضل الجسور المحامي مولانا عبد العزيز سام وأخرون كثر لا يسع المجال لذكرهم.
ما أحزنني هو حال هذه المدرسة التي خرجت هؤلاء الأفذاذ .
أهلي وعشيرتي البلاد بعمروها أولادها ، ولكني لم أرى لكم بصمة في مسقط رأسكم وإرثكم.
ما زال الوقت مبكراً لتمدوا أيديكم لأمكم الرؤوم، أدركوا هذا الجيل، دعونا نعمل لتوفير إجلاس وبناء مدرسة أخرى لتخفيف الضغط وفصل التلاميذ والتلميذات.
أورشي منطقة إستراتيجية يمكنها أن تساهم في بناء إقتصادنا المتهالك، بها ثروة حيوانية وأراضي زراعية خصبة، فهي مشهورة بإنتاج الطماطم كبير الحجم وحلو الطعم والبطيخ، ولعل من لطف الله على عباده قد هباهم بأرض طينية نيلية ، لا يحتاج المزارعين لري محصولهم فقط يكتفون بغرس الشتول بعد الخريف ويتركونها تنتج على مدى العام
الجدير بالذكر أن الإنتاج يكفي السوق المحلي ويجفف الفائض ليصبح (صلصة) ، وهذا يفتح الطريق لإنشاء مصنع لتعليب الطماطم وتصديره وفتح فرص عمل لسكان المنطقة والمساهمة في رفد الإقتصاد السوداني.
فمنطقة بهذه المواصفات والخيرات الوفيرة والأرض البكر كان ينبغى أن تجد الإهتمام من الحكومة حتى يكون لها الإسهام فى زيادة الإنتاج والإنتاجية.
أورشي بلدة جميلة بها خزان (خزان أورشي )المشهور والذي يعتمد عليه أهل المنطقة في الشرب،وكذلك بها مركز للشرطة ومدرسة ثانوية وسوق، وهي تقع في الطريق القاري الذي يربط السودان ودول الجوار الغربية ، إلاأنها تفتقر لأبسط مقومات الحياة من صحة وتعليم ووسائل إتصال وكهرباء ومياه نقية، إنسان تلك المنطقة يعتمد على الخزان في مياه الشرب، ويعاني سكان أورشي كغيرهم من سكان المحليات الغربية من قسوة الطبيعة وشظف العيش إلا أنهم لا يغادرونها لإرتباطهم الوثيق بهذه الأرض.
النساء يعملن بجد في الزراعة والرعي ويردن للماء من مسافات بعيدة، وكذلك يشاركن في بناء المجتمع بمساهمتهن في مهنة التعليم والصحة، فهن أساس المجتمع .
في تلك الرواكيب الجميلة تناولنا وجبة الإفطار بينهم، فالأكل طيب ورائحة الشواء زكية، والعدس والفول طعمه مختلف أكلنا كأن لم نذقهم من قبل، وشربنا الشاي والقهوة وكان بمعيتنا شاب أصيل إستقبلنا من أول لحظة وطاف معنا، أشكره عبر هذه الزاوية وأشكر صاحب مزرعة الطماطم الذي ما توانى في تلبية رغبتنا فإصطحبنا إلى المزارع وعرفنا بطبيعة زراعتهم وملأ لنا الكراتين بطماطم أورشي اللذيذ .
شكرا معلمي وتلاميذ مدرسة اركوري لحفاوة الإستقبال.
أورشي مسقط رأسي وأرض أجدادي ، لم أزرها من قبل، سعدتُ بزيارتها لأول مرة، وطأت أقدامي منبت جدي خاطر مورو وأبي وأعمامي .
أورشي ستكون هي معركتي، سأجتهد لتوفير ولو مقعد واحد لأولئك التلاميذ الذين أصغوا إلي بكل إهتمام وأنا أخاطبهم ، رأيت أعينهم تحمل بريقاً وأملاً وتطلعاً نحو المستقبل .
أتمنى أن تجد مدرسة أورشي حظها من الإجلاس والكتاب المدرسي والمعلم .
وأناشد أبناءها وحكومة الولاية أن يولوا هذا الأمر إهتماما.
سألتقيكم في مساحة قادمة لأحكي لكم معاناة أخرى عن تلك البلاد.
إلى ذلك الحين أترككم في رعاية الله وحفظه.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …