بين سيداو و”طريقنا للتحرر”
عبد الله علي إبراهيم :
(مداخلتي في الندوة العلمية التي انعقدت بالخرطوم في ١٨ يناير الماضي في ذكرى الأستاذ الشهيد محمود محمد طه)
أردت من عنواني المقاربة بين خطة السلف من الناشطين في العمل بين النساء والخلف. ف”طريقنا للتحرر” هو عنوان كتاب لفاطمة أحمد إبراهيم وسيداو معلومة. فكتاب فاطمة كان بمثابة ميثاق لتحرر المرأة من فوق خبرة لحركة اجتماعية جذورية نفذت حتى لستات البيوت لأخذهن في ذلك الطريق. وبالطبع لا بأس بسيداو لولا أنها أضحت عندنا مثل تميمة مطلبية نقابية لا أجد لها صدى في حركة اجتماعية متغلغلة في أوساط النساء كحركة الاتحاد النسائي. ولما لم نستنهض النساء في حركة لتحريرهن أصالة جنحنا للتحرير وكالة باستنفار العالم وعهوده لتعزيز مسألتنا.
لم أرد من تخصيص فاطمة بالذكر أن أقصر مطلب تحرير النساء أصالة على الشيوعيين القديمة. وبالحق تميز الحزب الشيوعي بخصيصة أنه حزب سياسي وحركة اجتماعية في نفس الوقت. فإلى جانب الشغل السياسي المعلوم عزز الحزب سياسته بشغل صحوي بين النساء والشباب وغيرهما. فكان حزباً وحركة اجتماعية معاً. وهو اجتماع لا يتفق لمنظري الحركات الاجتماعية لأنهم يفرقون تفريقاً قاسياً بين الحزب والحركة اجتماعية.
كان التحرر بالأصالة شائع في فهمنا. ووجدته عند كل من الأستاذ محمود محمد طه والدكتور حسن الترابي اختلفت معهما أو اتفقت. فكلاهما، على ما بينهما من خلاف، التمس تحرر النساء من فوق منصة الإسلام. فكتب محمود مرة يعيب على حركة النساء في عهد نميري اهتمامها بالمساواة مع الرجل في العمل أكثر من اهتمامها بمساواتها في البيت. ومناط البيت الشريعة التي لا يساوى فقهها بين الرجال والنساء. فأراد لحركة النساء أن تأخذ بناصية الشريعة ولا تتركها لقضاتها الذين قال إنهم يجدون احترام تلك الحركة ما يزال. ومن أثور ما قام به محمود في هذه الجبهة هو تقديمه عريضة للمحكمة العليا في سبتمبر ١٩٧٥ يطلب حل القضاء الشرعي. وحجته في مطلبه هي المفارقة بين دستور ١٩٧٣ الحاكم وقتها ومناشير المحكمة الشرعية. فبينما يرفع الدستور المرأة إلى مقام الرجل كتفاً بكتف تنتقص المناشير حظ المرأة كما هو معلوم. ورفضت المحكمة العليا العريضة لأنه ليس للجمهوريين وجه فيها كمدعين.
وكان مطلب الترابي أن تتحرر المرأة بالإسلام. وكان أقض مضجعه إقبال النساء على الشيوعيين للتحرر في الستينات. ورأى أن الحركة الإسلامية أحق بهن. وكتب “المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع” لبيان سعة الدين لتحرر المرأة. وبدأ الكتاب بقوله إن المرأة مكلفة مثل الرجل وموجه إليها الخطاب الديني مباشرة لا يتوسط إليها ولى من الرجال”. فما كلف الله الذَكر بأمر، في قول الترابي، إلا ألقي بالتكليف نفسه على عاتق المرأة. فقال تعالى في الأحزاب: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ . . . أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). ورد الترابي قلة شأنهن كمسلمات إلى التدين التاريخي الذي غلبت فيه أوهام الذكورية لا الدين.
ومعلوم أنه وقع بالانقلاب في ١٩٨٩ طلاق مدو بين تشريعات الإنقاذ ومشروع الترابي لتحرير المرأة بالإسلام. وأوضح مظاهره قانون الأحوال الشخصية لعام ١٩٩١ الذي هو ردة حتى عن منشورات القضاء الشرعي التي ميزتها كارولين-فلوهر لوبن في كتابها “الشريعة في السودان”. فيكفي أن قانون ١٩٩١ حرّم على الزوجة العمل إلا بإذن زوجها مثلاً وهو إذن لم يشترطه الترابي.
ما الذي أعنيه بحركة اجتماعية جذرية تتغلغل النساء وتستصحبهن في طريق التحرر تكون بها وثيقة كسيداو أفقاً لا نصاً دولياً ملزماً يتنزل زماناً ومكاناً كما هو شاء من شاء ورفض من رفض؟ سأضرب مثلاً أكثرت من إيراده من فرط إعجابي به. وهو حكاية باشتيل وابنته وفاطمة أحمد إبراهيم. كان باشتيل عاملاً بالسكة الحديد بهيا على طريق بورتسودان. ورغب أن يعلم ابنته في حين رفضت زوجته وأسرته. فركب القاطرة إلى الخرطوم وأخذ بنته معه ليلقى فاطمة وأسرة مجلة “صوت المرأة”. وقصد أن تلتقي بنته بمتعلمات في العاصمة ليقوي من عزيمتها على التعليم في وجه مقاومة الأسرة. وسيكون مفيداً أن نعرف كيف طرأت له الفكرة؟ وكيف كانت صوت المرأة (كان الاتحاد النسائي محلولاً تحت حكم لفريق عبود) قبلته؟ هكذا تكون الحركة الاجتماعية منارة يأوي إليها مثل باشتيل المهجس بتعليم بنته في بيئة طاردة. حدث هذا قبل سيداو بنصف قرن.
في طريق النساء للتحرر لن تغنى سيداو عن اشتباكهن ظفراً وناباً مع حقائقنا غير الرحيمة مثل قانون ١٩٩١ وهزيمته بتشريع تقدمي تحشد له الأفئدة والعزائم: حركة اجتماعية كالمنارة. هذا إذا أردنا لحركة النساء أن تتوطد في إرثها الثقافي الذي سبق محمود بالدعوة له. وسنعطى سيداو نفسها صيتاً سيئاً إذا كانت هي كل حجتنا للتحرر. فعالمية سيداو في مساعدتنا إحكام نقدنا للقانون الوطني المعيب بحق النساء. وكل السياسة محلية كما يقولون.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …