المتعلم السوداني عمره ما حيقدر يشوف ان البداية دي غلط.
محمود المعتصم :
نحن نظرتنا للعالم قاعد تصنعها لينا طبقة المتعلمين. و هي نظرة بصورة اساسية غلط تماما.
بتذكر مرة في واحدة من اجازات الجامعة كنت مسافر للخليج لاهلي، و كان في مطرة غرقت المطار، فعشان تركب لبص المطار داك فعليا بتحتاج انو تمشي فوق بعض ماء كدا. هنا في شاب شكلو خلاص مهاجر بعد ركبنا البص كان مستاء جدا انو “اسي دي بلد دي! و الحمد لله الربنا خارجنا منها” الخ. انا السؤال الدار في بالي وقتها انو الراجل دا بلوم في منو؟ نحن الراكبين معاهو و للا الحكومة و للا الناس البيسكنو في البلد الظالم اهلها دي؟ و للا المطرة؟
اذا فتحنا عقل المتعلم السوداني فهو عندو قاعدتين مؤمن بيهم، الاولى اننا امة “متخلفة” و التانية انو في اخر متقدم نحن بنقيس بيهو التخلف دا. اما اذا مشيت خطوة تانية نحو السؤال ليه نحن متخلفين؟ فالاجابة حتكون غالبا لاننا فاشلين سياسيا او شعب كسول او بسبب الدين او غيره.
كان عندنا استاذ في الجامعة تدرب في الغرب. و دا كان بجي الساعة ٨ صباحا ببدا المحاضرة و بقفل الباب وراهو. انا طبعا كنت ما بهتم بحكاية المحاضرات دي (في الحقيقة التعليم الجامعي مفروض يكون مبني على شيء اخر غير فكرة المحاضرة دي) لكن كانت نسبة حضوري قليلة بحيث ممكن امنع من الجلوس للامتحان فكنت فعلا داير احضر لاسباب اجرائية. الرجل المتغرب دا قفل الباب و عذبنا عذاب شديد.
طبعا هو سايق عربية. بينما نحن بنجي بالمواصلات. لكن رغم كدا هو دايرنا نلتزم بالمواعيد زي الخواجات عشان “نتقدم”. الوقت داك مشيت قريت عن مسالة الالتزام بالزمن الفلقونا بيها دي، و اكتشفت انها بدت في القرن ال١٨ في المانيا لمن المصانع قامت علقت ساعات كبيرة في المدن بتدق على راس الساعة، عشان تربي و تنظم العمال. فالانتاج داير ادارة جيدة. من القرن ال ١٨ و الى وقتنا فالدول الصناعية اتبعت مناهج علم النفس السلوكي في تربية العمال على الالتزام بالزمن، حتى تحول الامر لثقافة. و كل المجتمع (المواصلات، الطرق الخ) تم بناءه عشان يساعد على تنظيم الانتاج. لكن الاستاذ دا دايرنا نقفز فوق دا كلو (و ربما نقفز فوق الزحمة و المواصلات) و نجي في الزمن.
الفكرة هنا هي انو بينما الاستاذ دا متعلم و متدرب في الغرب. فتدريبه دا تحديدا و تعليمه خلا نظرته لينا و للعالم فيها غبش شديد. الشخص العادي الكادح ساي حيفهم احسن من الاستاذ دا انو كل امة ثقافتها بتجي من واقعها و تاريخها، و ربما نحن ما بنحترم الزمن عشان ما قامت عندنا ثورة صناعية، لكننا عندنا ثقافات اخرى ممكن نستثمرها في التعليم الحديث بدل نعذب نفسنا باشياء مستحيلة. زي مثلا بدل ما ننظم التعليم على نظام المنافسة ممكن نخليهو مساحة للتكافل و التعلم الجماعي، الطلاب في الخلوة ما بيتنافسو لكنهم بينجحو جماعيا في مسالة صعبة جدا هي حفظ كتاب كبير و معقد، و احيانا باكتر من قراءة.
النظرة بتاعت نحن متخلفين و ما زي الغرب دي هي السردية غير المعلنة للنخبة السودانية. و هي سردية جاية من انبهار المسافر بالحداثة المادية، ما حاجة مصدرها معرفة علمية يعني. لكنها بقت بتصبغ السياسة حقتنا.
في تاريخ الاستعمار في حادثة غريبة، و هي خروج اليابان من دائرة الاستعمار الغربي. من ناحية تطور حضاري فاليابان ما كانت ابعد كتير ممن ممالك افريقيا لحظة الاستعمار. لكن محافظة اليابان على نسيج مجتمعها و نظام ادارتها الامبراطوري خلاها تعمل ردة فعل معقولة على الحداثة و تحقق تطور سريع ، بينما تفكيك انظمة الحكم التاريخية في افريقيا (زي الدولة المهدية) ادخل الناس في دوار ما زلنا فيهو. نفس الامر بالنسبة لشعوب امريكا الوسطى و امريكا اللاتينية.
فاذا حنناقش وضعنا فالبداية الوحيدة الممكنة هي نظرة للعالم انو هو متخلف. العالم المبني على مخلفات الاستعمار الهو شر كبير و ما داير يراجعها دا و قاعد يستثمر فيها ، دا عالم رجعي و غير ديمقراطي و ظالم. الحقيقة دي لكن صعب تتشاف و المتعلمين شغالين من الاستقلال و الى الان يمجدوا في العالم دا. و يخلقو تصورات خطأ عن الحلول الممكنة.
فمثلا مسالة الديون دي بداية حلها هي التساؤل حول مشروعيتها. اذا انا سرقت منك بيتك ثم سلفتك بعض من قيمته. السؤال هنا مش انت حتدفع لي كيف. السؤال هو انت حتدفع لي ليه؟ و السؤال دا في اطار حراك الكادحين الافريقي سأله توماس سنكارا فتم اغتياله. اجابة الغرب هي: انت حتدفع لي لاني بقدر اقتلك. و دي اجابة فاشية. مفروض تتقاوم مش تقبل.
في الاطار دا كلو لا يمكن يكون حلنا او جزو منو هو المنظمات الدولية. دي بداية غلط. المتعلم السوداني عمره ما حيقدر يشوف انها غلط.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …