نحن مسؤولون عن هذه اللَّحظة من الثَّورة

الشاعر بابكر الوسيلة :

ما قمنا واستقمنا به لهو ثورة، ثورة حقيقيَّة من اللَّحم والدَّم والعرق والحلم والأمل. كلُّ من عاش ثلاثينيَّة الإنقاذ أو ذاق بعضاً من سمِّها الزُّعاف وأحيا نفسه بالتَّجربة، أو عاش ليلة في كوابيسها، يعرف هذا وأكثر. والآن، الآن بالذَّات، دون تأخير أيِّ نهش ممكن، يحاولون بكلِّ آلايَّاتهم المحليَّة والمستوردة، أن يسرقوا مجهوداتنا العاطفيَّة الوطنيَّة الجبَّارة المخلصة، أن يستنزفوا الأحلام وأن يوقفوا اندفاقة الأمل. أن يؤجِّلوا المولد لحين وأد المولود وأن يسترجعوا التَّاريخ ليوم الجمعة. أن يكمِّموا الحياة من رئتيها وأن يجفِّفوا منابع المواكب.

ما قمنا واستقمنا به ثورة، نحن أبناء النَّار والرٍّماد، أبناء الحزن والفرح المخلص المختلس، أبناء الموت والحياة، أبناء السَّهر على الجمر وضوء شمسنا المتخيَّلة. أبناء الأكذوبة والحقيقة النِّهارية السَّاطعة. أبناء السَّراب وعرق الوجوه النَّبيلة. أبناء “كارو”ّ إسعاف المرأة الحبلى وصرخات النِّساء الجليلة. أبناء طلَّاب الجامعات المواجَهين بالمسدَّس في عز “البركس” والموجِّهين رؤوسهم للمستقبل. أبناء السجون وحيشان البيوت، أبناء الطَّبقة المسحوقة ودقيق الأسرار عند ضفاف النِّيل. أبناء “فرناغات” الحياة وطمي الحب والبذرة. نحن أبناء الطَّلقات حين كنَّا على صوت دارفور من الشَّرافة والرِّواق. أبناء الملل والذِّكريات الممتلئة اللَّغم. أبناء الجنوب يعرج والأرض الواسعة الأطراف. أبناء المنظَّمات وفاعلي الخير بالفوضى. أبناء آخر الليل وأبناء النِّساء الجميلات الممتلئات بالقيمة والاجتماع. نحن أبناء شلل الرِّجال واستقامة النِّساء بالقوام العزيز. نحن أبناء القحط وكتابة الخبز على فم الكون. أبناء المخاوف وأبناء الشَّجاعة كلِّها في قلب المعركة بالمحبَّة. أبناء القصائد الخِرَق البالية و”منتدى مشافهة النَّص الشِّعري”. أبناء مراكز الفرنجة وفضاءات عرق البلح العظيم. أبناء الحضيض والموكب الشَّاهق. أبناء المنازل المسكينة والقلوب المطمئنَّة والشَّوارع التي قالت بلادها بالشُّهداء. أبناء العدم والكنز الحضاري في كلِّ شبر.

نحن أبناء الآن وأبناء مستقبله، ما بعده والبلد.
ولهذا كله، نحن مسؤولون أخلاقيَّاً ووطنيَّاً وعاطفياً وروحيَّاً عن هذه اللَّحظة من الثَّورة، ثورتنا نحن. نحن أبناء الدَّم والحلم والأمل.