عبد الرحيم حمدي: علي عبد الله يعقوب يجيك في الفجر ويقول ليك قوم جيب الشاي
عبد الله علي إبراهيم :
أزعجني دائماً قلة عنايتنا بالنعي الأوفى بأهل السابقة حسنة وغير حسنة. عاودني هذا الابتئاس وأنا أقرأ نعي الإسلاميين لأخيهم المرحوم عبد الرحيم حمدي. وجدت الدعاء له خلا من التعريف به بأكثر من العبارات العمومية مثل أنه كان وزير المالية إلخ. وكتبت مرة من فرط ضعف آلة النعي في صحيفتنا، التي غالب رزقها من إعلان النعي الحكومي ما يزال، أقول إنني لأقرأ جريدة النيويورك تايمز من صفحة النعي. فعلمت منها عن تاريخ أمريكا المعاصر أضعافاً مما اتاحت لي الكتب القليلة التي عاقرتها في الموضوع. وذكرت في المقام شيخ العرب الذي طلب من بناته أن يسمع مناحته منهن وهو حي.
وجدت أنني احتفظ بمقطع من حديث لحمدي مع المرحوم كمال حسن بخيت فيه أضواء على ممارسته الصحفية المنسية. فقد حرر حمدي بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ جريدة “الميثاق الإسلامي”، لسان حال جبهة الميثاق الإسلامي. ووجدت ملكة المرحوم الصحفية حين رجعت للجريدة قبل سنوات غاية في الالحاح والحذاقة وقوة عارضة الدعوة لخط حزبه.
وأنشر هذه المقاطع هنا منبهاً أنني “لا أقص إلا نادراً ولدى الضرورة” متمثلاً بقول عبد الله رجب في جريدته الصراحة كلما نقل من صحيفة أخرى.
كمال: حدثنا عن فترة سكرتارية جديرة (الميثاق) والمكتب الاعلامي؟
حمدي: أنا حقيقة اتصالي بالصحافة الاخوانية بدأ مبكراً. وعندما صدرت صحيفة “الإخوان” سنة ١٩٥٥كُلفت أنا بصفحة الطلبة فيها. فانا داخل في الصحافة الاسلامية من زمان. وأعرف مداخلها ومخارجها. وخروجي للعمل في الجريدة كان تكليفاً رغم أن صحتي كانت سيئة تقليدياً. لكنني قبلت التحدي بعد ضغط شديد من الاخ الترابي. فخرجت وتفرغت. وانا كنت متفرغاً سياسياً أو محترفاً سياسياً لكن أقوم بالناحية الاعلامية (الجريدة يعني). وكان المحترفون سياسياً محدودين جداً: الترابي وأنا وعبد الله حسن أحمد وياسين عمر الإمام في فترة قبلها. والمحررون كانوا باعتبارهم موظفين: التجاني سعيد وعبد الرحيم محمد ابراهيم والركابي. وكنت محترفاً سياسياً لفترة خمس سنوات الى أن جاء النميري واغلقها.
كمال: في تلك الفترة تمت حملة شعواء ضد الشيوعيين وتم حل الحزب الشيوعي؟
حمدي: نعم. وفي ذلك بعض الاسرار الطريفة. طبعاً كانت الحادثة التي فجرت الموضوع هي حادثة معهد المعلمين (١٩٦٥). فعندما جاءني الاخ علي عبد الله يعقوب كعادته فجراً فيأتي الساعة السادسة صباحاً ويقول لك: “جيب الشاي”. ثم يبدأ معك العمل. فقال ليّ حدث أمس كذا في معهد المعلمين (الزعم بالإساءة إلى بيت الرسول صلوات الله عليه من الطالب شوقي محمد على بندوة بمعهد المعلمين العالي كلية التربية بجامعة الخرطوم حالياً) في فتقوموا بعمل حملة. فقلت له: “هذه حادثة معينة تعالج بطريقة معينة وليس بالجريدة فلا أعتقد أنها حادثة سياسية”. ومضى الكلام. وكنا نصدر مرتين في الأسبوع، الاحد والأربعاء. وأظنه كان عدد الاربعاء فلم انشر عن ذلك أي شيء.
وعلي عبد الله يعقوب رجل له ذكاء سياسي غريب وله ملامح سياسية غريبة. فقاد مظاهرة يوم الجمعة ذهب بها الى بيت إسماعيل الازهري. وخرج الأزهري من فوق حائط منزله وأعلن أنه مع حل الحزب الشيوعي. فحوَّر الموضوع الى موضوع سياسي بالدرجة الأولى. وأزهري كان رئيس الحزب الأكبر في السودان في ذلك الزمان. وأنا اعتقد أن أكثر شخص أسهم في هذا الموضوع هو علي عبد الله يعقوب الذي حولها الى معركة سياسية كبيرة جداً. وتبنتها الاحزاب لأنها كانت ترى المنافسة التي حدثت لها من الحزب الشيوعي في دائرة أم درمان الشمالية (الجنوبية). وطبعاً أزهري دخلت عليهو الحكاية دي دخلة شديدة. وفاز أحمد سليمان في دوائر الخرطوم (الخرطوم شمال). يعني دخلوا في قلب العملية السياسية وهي دوائر المدن للحزب الوطني الاتحادي. وهو ما فعلته الجبهة الاسلامية القومية في الآخر ودخلت في نفس الدوائر (انتخابات ١٩٨٦).
وهم (الاتحادي والأمة) لم يحتملوا هذا الأمر فانضموا مباشرة لعملية حل الحزب الشيوعي رغم أنني متأكد أنه كان هناك أناس ضد هذه المسألة في حزب الأمة على أساس أن عبد الله عبد الرحمن نقد الله كانت له علاقات قوية جداً مع الشيوعيين ومع عبد الخالق بالذات. وآخرون في الحزب الاتحادي (غير موافقين على حل الحزب) للدرجة التي اضطرت الأزهري لعمل اجتماع الهيئة البرلمانية بنادي الخريجين في أم درمان ليلاً. وكنا كلنا منتظرين على حافة النادي الى أن أعلن أن قرارات الهيئة البرلمانية هي قراراته (الأزهري) وهي حل الحزب الشيوعي. وخسرت المجموعة اليسارية داخل الحزب المعركة طبعاً خسراناً كبيراً. وفي داخل حزب الأمة ايضاً خسرت المجموعة اليسارية.
وبعد ذلك اصبحت مسألة وقت: تعديل الدستور وهكذا. تلك المعركة المعروفة تاريخياً. وهذه أول معركة يحركها الاخوان ويديرونها. وأيضاً جندوا لها الأحزاب. ودور الاخوان كان فاعلاً جداً ولكن يعرفون حدودهم. ولذلك كانوا يحركون الاحزاب بقضايا ومواضيع لا تجد الاحزاب طريقة سوى أن تسير في اتجاهها. مثلاً معركة الدستور الاسلامي لم يكن يمكن أن يعارضها الحزبان الكبيران، ومعركة السلطة بعد أكتوبر لم يكن يمكن ان تعارضها لأنه يعني بقاءها، ومعركة حل الحزب الشيوعي لأن كل الجديد والحديث والنقابات وغيرها كان يهددها استمرار الحزب الشيوعي لأنه كان حزباً قوياً ومنظماً جداً. ونحن كنا نعمل ليس على مخاوف الاحزاب فقط بل على مصالحها الحقيقية. وفي الآخر جئنا وورثنا نفس الأمر من الأحزاب (يضحك). أو ورثتها الحركة الاسلامية وأنا اتحدث باسمها على أي حال.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …