العقل التحريري قبل التقنية الأحدث
إبراهيم المصري :
عملت في مجال الأخبار التلفزيونية، منذ زمن ماكينات التيكرز التي كانت تطقطق على مدار الساعة بطباعة الأخبار من وكالات الأنباء العالمية على أشرطة ورقية، وعاصرت جميع التحولات التقنية في هذا المجال، سواء في استوديو بث الأخبار، أو في وسائل البث من مواقع الأحداث، أو في تحرير ومونتاج الخبر على الكمبيوتر، والتحكم التام تقنياً في إعداد وبث النشرات الإخبارية.
غير أن التقنية على ما تقدمه بالفعل من إسهام حاسم في بث الأخبار وصناعتها شيء، والعقل التحريري شيءٌ آخر تماماً، أو ما يُعرف بالسياسة التحريرية، فهذه إن لم تكن على درجة كافية من المرونةـ فإنها تتحول إلى أُطرٍ صلبة تكرر خطاباً جامداً وواحداً، ويؤدي ذلك في النهاية إلى فقدان ثقة المشاهدين.
وهذا ما ينطبق تماماً أو إلى حد كبير على مجال الأخبار في مصر، سواء في القنوات الخاصة أو الحكومية، إذ يبدو أن السياسية التحريرية تُدار بأوامر لحظية، تمنع حتى بث حدث حي “حتى تأتي التعليمات” فيما قنوات إخبارية أخرى خارج مصر تبث الحدث بالفعل.
وعليه، فإن الآتي يبدو إعلاناً تبذيرياً، سرعان ما ستكون نتيجته واضحة تماماً، أي الفشل الذريع، بعد إهدار ملايين أو مليارات الجنيهات:
“أعلنت الشركة المتحدة عن نيتها إطلاق قناة جديدة، وصفتها بأنها قناة «أخبار إقليمية» تعتمد على أحدث النظم التقنية العالمية، وتقدم رؤية مصر الإقليمية والمحلية وتخاطب المصريين والعرب، وتستهدف تغطية أمريكا وأوروبا وكندا وأستراليا، وتنطلق فى الربع الأول من عام 2022”
إذ بوسع هذه الشركة التي بددت مليارات الجنيهات على دراما تافهة ومؤذية في رمضان الماضي، أن تشتري بالفعل “أحدث النظم التقنية العالمية” لبث الأخبار، لكن ماذا عن “العقل التحريري ـ السياسة التحريرية”؟
إن السؤال الأخير هو الأهم في:
1ـ إطلاق حرية العقل التحريري في أداء عمله في إطار محددات الأمن القومي المصري، وما من دولة في العالم ولا محطة إخبارية في العالم بما في ذلك القنوات الغربية، تعمل بدون محددات تتصل بمصالح بلدانها.
2ـ محددات المصلحة والأمن لا يجب أن تتحول كما هو الحال الآن إلى “أوامر وتعليمات يومية” نراها مثلاً في المناشيت الموحد للصحف اليومية، وفي التغطيات المسائية للأحداث في برامج التوك شو التلفزيونية.
3ـ الكفاءة المهنية، وهذه وحدها هامة للغاية، في إعطاء مصداقية للمحتوى الإخباري، تحريراً وإخراجاً وبثاً، وبوسعك أن تشتري مركبة فضاء، وتضع في كرسي قيادتها سائق توكتوك أو رائد فضاء مدرب وله معرفة بمجال عمله.
4ـ إنهاء ظاهرة العمرو أديب والأحمد موسى والنشأت الديهي وأمثالهم، أي التخلي عن تراث “الجعجعة” المصري، والانتقال بحسم تام إلى برامج توك شو أكثر انضباطاً وتنوعاً في وجهات النظر، وفي أطر تحريرية ومعلوماتية محترمة، بعيداً عن فتح مظاريف الضوء الأخضر تجاه هذه القضية أو تلك أو هذا الحدث أو ذاك.
5ـ الأخبار هي مجال ذو قصور ذاتي، إذ مهما أدخلت عليها من “أحدث نظم التقنية العالمية” تظل في النهاية “أخباراً” محددة بصرامة بعناصر الخبر وبالفيديو المصور للخبر، إي أن الأخبار في النهاية ليست “محتوى درامياً” بوسعك أن تطوره إلى ألف شكل وشكل، وإنما هي خبر حدث أو يحدث.
6ـ إن الشركة المتحدة تعود في ملكيتها إلى المخابرات العامة المصرية كما هو شائع، وإن كان هذا صحيحاً، فإن جهازاً كالمخابرات العامة المصرية، يعرف أكثر من غيره، أن “وسائل الاتصال في اليد ـ الموبايل وأجهزة التابلت” هي وسائل بث إخباري أسرع وأنجع من جميع القنوات التلفزيونية الآن في العالم كله، أكانت هذه القنوات تستخدم “أحدث نظم التقنية العالمية أو لا تستخدمها” ولذلك فإن التواضع في الادعاء يصبح ضرورة، وبدلاً من الجعجعة الفارغة عن إنشاء قناة إخبارية تلفزيونية جديدة، يجدر بمتخذي قرار هدر هذه المليارات من الجنيهات أن يهتموا بإصلاح القائم بالفعل، كقناة النيل للأخبار، وماسبيرو بشكل عام.
7ـ إن البهرجة الكذَّابة لن تؤدي إلى كسب ثقة المشاهد، وأقول من الآن، إن القناة التلفزيونية المُعلن عن إنشائها، لن تكون في أحسن الأحوال سوى فشل يرافقه هدر مالي كبير، خاصة وأن صناعة الأخبار مكلِّفة في الأساس.
8ـ يا سيسي، هيبعزقوا فلوسك على قناة لا أهمية لها، فياريت تقولهم “أجيب لكم منين” وأن توقف هذه المهزلة.
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …