‫الرئيسية‬ آخر الأخبار أوساخ الوظيفة العامة والدستورية: إنتو في الحرم المكي وبتوزعو بيوت الجامعة
آخر الأخبار - رأي - يونيو 28, 2021

أوساخ الوظيفة العامة والدستورية: إنتو في الحرم المكي وبتوزعو بيوت الجامعة

عبد الله علي إبراهيم :

حكى لي أخي المرحوم الزين، مدير مكتب مدير جامعة الخرطوم، عن نقاش جرى بين المدير وأستاذ كبير. قال الأستاذ للمدير:

-ما عارف أقول شنو. لاكين يا السيد المدير إنت وعدتني ببيت في حي المطار ونحن في الحرم المكي.

والزين مثل أمي لا يحمل الكلام الما راكب عدلو. قال:

-وإنتو في الحرم بتوزعو في بيوت الجامعة.

لا أعرف فساداً أفسد الوظيفة العامة مثل الذي جاءها من باب البيت الحكومي والعربة الحكومية.

أصغيت السمع لحديث السيد محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة، عن ملابسات تخصيص منزل حكومي له رداً على ما أشيع عن هذا المنزل. فقيل إنه دار مخصصة لاتحاد المعاقين تعدى عليها محمد الفكي. وجاء الرجل بحيثيات غاية في المتانة عن عدم علمه بهذا التخصيص السابق للدار من الجهات المناط بها اسكانه. ومحمد الفكي عندي صِديق وفي طبعه قسط لا يخر ماء.

ولكن توقفت مع ذلك عند طلبه مساءلة الجهة في مجلس السيادة التي لم تطلعه على حقيقة البيت قبل تخصيصها له. وعندي هنا أنه يستغرب الشيء من معدنه. فالبيروقراطية تزور بلا وازع لراحة السلطان. ولعل المعاقين يرثون حجراً. وقد صار محمد الفكي “سلطانا” ربما بغير ما يرغب هو. فالبيروقراطية تفتك بالعالمين جهاراً نهاراً لإسعاد القائم بالأمر ناهيك من نزع دار من معاقين لا هنا ولا هناك.

لن يجدي التحقيق هنا مع من لم يطلع محمد الفكي بحقيقة داره. فسنخطئه وربما نفصله ولن نبلغ غايتنا من القسط مع ذلك كما سنرى.

الحقيقة من وراء “خطأ” هذا الموظف أعقد. فلم تنشأ البيروقراطية على خلق رد السلطان عن “حادات” الدولة. وهي حادات مسرفة عندنا حتى شملت سكنه وترحيله بلا سبب قاهر. فالبيروقراطية بلا حيلة أو “حَيل” أمام الشوكة السلطانية التي تحولت إلى امتيازات. Power transformed into privilege or wealth. إنها “عبد السلطان” في عبارة قديمة. وليس علاج قلة حيلتها في “نهزرتها” بل في ما سميته “تخسيس” الوظيفة العامة والدستورية خلال مناقشات جرت على زمن الإنقاذ حول ما زعمته من خطط للتقشف مع الدستوريين وغيرهم لم يتفق أمين حسن عمر معها فيها. وكانت لي معه مناقشة عنوانها ” أمين حسن عمر: الدنيا زاهيالو”. فعلاج الوظيفة العامة والدستورية الشافي في عبارة إنجليزية هي “unlearning privilege”. وهي بعمومية أن تدخل فصل “محو امتياز” تتخلص به من فقه امتيازك الكثيف، أو عاره.

الوظيفة العامة عندنا من صنع الإنجليز. وهي جماعة أجنبية لا بيت لها بيننا ولا مصلى. ولم “نسودنها” إلا باحتلال السوداني محل الإنجليزي فالرعي الجائر من بعد ذلك في امتيازاته مثل البيت الحكومي في الحي الإنجليزي. وفحشنا من بعد ذلك فحشاً شديداً في مراكمة هذه الامتيازات. ولذا قال عبد الله الطيب إننا تحت حكم الإنجليز ما نزال لكنهم قاموا بعاعيت لهم خنخنة (وهي حشرجة البعاتي) من فرط إدمانهم الامتيازات. ولا تزال وقفة المواطن أمام مكتب الحكومة “الأجنبية” هي أعظم مهانته قاطبة. فكل من احتل المكتب اتمسخ ودخل دور إنجليزي من أصغر موظف حتى أكابرهم. وما مهانة طالبي فحص الكرونا أمام القومسيون الطبي بالأمس إلا عينة من شقائنا ما يزال بالحكم الأجنبي. وتستغرب للموارد المعطلة التي وضعت تحت تصرف القومسيون ثاني يوم للمشكلة بس بعد أن جأرت هذه الصحيفة بالشكوى.

سبقني الطاهر ساتي إلى طلب تخسيس الوظيفة العامة والدستورية بمقالات نافذة خلال حكم الإنقاذ. وقرأت لأحمد يوسف التاي كلمة نيرة يطلب هذا التخسيس من الحكومة الانتقالية على ضوء قراءة غير مسبوقة للقرار الجمهوري ٧٥٥ الصادر في ٣١ أكتوبر ٢٠١٧. وهو قرار بمثابة سوق نخاسة جعل الدستوري رقيقاً في حاشية الرئيس في حياته ومن القبر.

فمنح القرار الذات الرئاسية ونوابها ومساعديها وأعضاء مجلس قيادة الثورة السابقين، ورؤساء الوزراء السابقين، ورؤساء البرلمان القومي السابقين، ورؤساء مجالس الولايات السابقين مخصصات مدى الحياة ومدى الموت بأيلولة هذه المخصصات للورثة. وتشمل المخصصات المرتب، وكل العلاوات، والبدلات، وبدل السكن وعربة في مستوى التي كان يستخدمها في الخدمة أو بديل نقدي عنها، وتجدد السيارة أو البديل النقدي كل خمس سنوات، وتذاكر السفر الداخلية والخارجية للواحد وأفراد أسرته، والعلاج المجاني له ولأفراد أسرته بالداخل والخارج. وهذه امتيازات للواحد من هذه الطبقة الحظية (في لغة دكتور الترابي) طيلة حياة الواحد بالمعاش وتنتقل لورثته بعد الوفاة.

لم أقع بعد على لائحة امتيازات الخدمة العامة ولا لائحة تعيين أهل العقود الخاصة. ولن تكون أقل فحشاً أو كفراً بالله قاسم الأرزاق. فكشفت جريدة الانتباهة عن العقد الملياري لصلاح حسن أحمد، مدير البنك الزراعي المخلوع، الذي جعل له منحة عيدي فطر وأضحى مقدارها راتب ٨ شهور بمعدل ١٠٠ ألف للشهر. كما منحه إجازة حج قصرها على عشرين يوماً ناهيك عن سفه آخر. ولا أقاوم قلمي حين أقول إن فعل الإنقاذ برجل الخدمة العامة والدستورية وأنثاها هو فعل صاحب الحنة في عبارة قطعية الدلالة في أدبنا السوداني.

لم يطرق سمعي أن هذه القوانين الداعرة في “تسمين” حاشية السلطان موضع نظر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو. وكان بعضهم قد استنكرها أول تعيينه. فوقف السيد التعايشي، عضو مجلس السيادة، في صف العائدين بالمطار زهداً في السلطان. كما اعتز محمد الفكي بسكناه في بيته الأصلي ما يزال حين شاع أنه حصل على بيت حكومي. وبدا لي أن قلباً بالمواصي المعارضة ناسي. وأخشى أن يكونوا من ضحايا هذه الامتيازات الرعناء أن لم يعملوا فيها قلم التفكيك في الوظيفة العامة والدستورية لتخسيسها فتكون لخدمة المواطن لا لخلق طبقة حظية نرجسية: وقد بشمن وفنيت العناقيد.

رحم الله الزين أخي:” إنتو في الحرم وبتوزعو بيوت الجامعة. كان سباقاً إلى إماطة الأذى عن بيت الله.

المرحوم الزين على يسار الصورة

‫شاهد أيضًا‬

الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش

كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …