قصة معركتي مع سرطان المعدة… الحلقة الثالثة
حليمة عبد الرحمن:
كيف تسلل السرطان الى حياتي وانا اكثر واحدة كنت اراعي الشروط الصحية في اكلي وسكني؟ فأنا لم اكن استخدم زيت اكثر من مرة، ولم أكن من المحبات للصلصة أو التحمير، ولم اكن استخدم اواني الميلامين، او البلاستيك، وكل ما له علاقة بالمواد المسرطنة، واعيش في بيئة صحية، إلخ، فكيف تسلل السرطان الى حياتي؟ ظلت هذه الاسئلة تطن في راسي لأكثر من ثلاثة عشر شهراً قضيتها في تلقي الكيماوي هنا بالقاهرة دون اجابة، غير ان توالي الأحداث جعل الأمور اكثر غموضاً خاصة حينما قابلت هنا في القاهرة اسرة الطفل الطيب عمار احمد، التي اشرت اليها اشارة سريعة في الحلقة الثانية. قصة الطفل الذي ينهي عامه الأخير في الروضة بعين صناعية، حرمه منها السرطان الذي تسلل اليه في بيئة اقل ما توصف به بأنها بيئة مثالية فبالاضافة الى خلوها مما ما يشاع من نفايات في الشمالية، فهي من حيث مستوى الرعاية الصحية والاهتمام والتعليم، ومستوى المعيشة فوق المتوسط. إثنان من جدوده من اساطين الطب، ووالده يعمل مهندسا بينما ووالدته طالبة دكتوراه في الفيزياء.
قصة الطيب كما تحكيها والدته عزة الطيب، بدأت حينما لاحظت نقطة بيضاء في عين ابنها اليمنى، كانت هذه النقطة تظهر إذا سقط عليها الضوء بزاوية معينة، فذهبت هي وزوجها بإبنهما الى اختصاصي العيون في مستشفى(م) بمدني، فحكت له قصة الضوء، قال لها الطبيب “لم أفهم الشكوى”، وكشف عليه فطمأنهم واعطاهم قطرة للعين، رفضت استخدامها، حيث انبأها حدسها أن الامر اكبر من مجرد التهاب لم يشكُ منه إبنها.
“، ذهبنا إلى المنزل على أمل انه ليس هناك شئ خطير ولكن كلما أرى هذا الضوء أشعر بالقلق” كما قالت والدته، فَقَرَرت ان تصورها بالفيديو”. وحسنا فعلت حيث أخبرت عمه الطبيب بقصة الضوء هذه وأرسلت له الفيديو فارسله بدوره الى زميله اختصاصي العيون فاخبرهم ان الأمر اكبر من مجرد نقطة ضوء، ويجب اخذه الى الخرطوم حيث الإمكانيات التقنية اكبر.
حضر الوالدان ومعهما ابنائهما الأربعة إلى الخرطوم، واجريت المعاينات الطبية، تواصل عزة سرد حكاية ابنها مع المرض اللعين ، “ثم نزل الخبر علينا كالصاعقة: ورم، ولابد من اجراء الرنين المغطيسي لمعرفة إن كان الورم قد امتد الى المخ ام لا. “كانت لحظات صعبة علينا” عمار كان مقلق شديد، وإن حاول ان يبدو متماسكاً.
وجاء قرار الطبيب بان تسافر الاسرة سريعا الى القاهرة لبدء العلاج، واخبرنا بأن نهيئ أنفسنا لرحلة طويلة. “كان راسي ضارب، ماذا افعل مع اطفالي الصغار اكبرهم عمره اثني عشر سنة واصغرهم عمرها ثلاث سنوات، خاصة وان الرحلة العلاجية قد تمتد لفتره طويلة، إن اخذتهم معي سيعيقون تحركنا وإن تركتهم خلفي فمع من؟” تواصل عزة سرد قصتها، كانت امي مع ابي في السعودية وحمواتي موظفات. تبرعت احدى حمواتها بالتفرغ لهم حتى عودتها. انزاح جزء من الهم عن كاهلها، بقى هم الطيب، الذي اخبرهم الطبيب حينها انه لا يحتاج الى عملية استئصال للعين، وجاء كذلك راي الطبيب المصري الذي ارسلوا اليه التقرير. اسرعت الاسرة بالحضور والاستعداد الى السفر ومقابلة الطبيب الذي اجرى اشعة مقطعية على العين ونزلت عليهما اجابته كالصاعقة: لابد من استئصال العين؟ ماذا؟ لماذا؟ لأن الورم سريع الانتشار وقد وصل الى مناطق جديدة ونخشى ان يصل الى المخ.
“كانت لحظات صعبة جداً، المهم احتسبنا امرنا الى الله ورضينا بالمقسوم”. دخل الطيب العملية وخرج بعين واحدة، وارسلت عينة من الانسجة خلف العين الى المختبير على أن تظهر النتيجة بعد اسبوع. اسبوع كامل؟. كان همنا انذاك ان لا يكون الورم قد انتشر خلف العين. قضينا اسبوعاً كاملاً ، كانت ايامه من اسوأ الايام التي مرت علينا، معلقين بين الامل والرجاء والخوف والتسليم بالقضاء والقدر، اليوم السابق للنتيجة كان القلق موزعاَ بين اسرتينا في القاهرة ومدني والخرطوم والسعودية. لم يغمض لنا ليلتها جفن، وكذلك بابا احمد (تقصد نسيبها) كان يتصل علينا صباحا ومساء”. تسرد عزة تجربتها مع مرض ابنها وهي تغالب دموعها. ساعة استلمنا النتيجة لم يقرأها عمار، قام طوالي صورها وارسلها الى بابا احمد واخوته، انا شلتها ولقيت كل النتائج مكتوب فيها Free, free, free، صرخت يا عمار النتيجة نضيفة، ساعتها، حمدنا الله كثيرا على هذه النتيجة.
الطفل الطيب الآن في انتظار اكتمال شفاء الجرح لتركيب العين الصناعية له.
أخبرتني عزة ان حالة ابنها ليست الحالة الاولى في حيهم بمدني. بل هناك ثلاثة اطفال كانوا يعانون من سرطان بالعيون، واكدت على عزمها تكوين مجموعات في الحي لتوعية الامهات بضرورة مراقبة اعين اطفالهن وحملهم الى اقرب اختصاصي عيون حين ملاحظة اي تغيير عليهم.
هذا عن الطيب الذي توفرت له الظروف الطيبة التي لولا المساعدات المعنوية والمادية التي وجدتها لكان الورم، لا قدر الله قد شق طريقه الى ابعد من العين والعياذ بالله. ماذا عن الأطفال الآخرين في مدني المصابين المعروفين او الذين لم تظهر قصص معاناتهم مع هذا المرض سواء كان في الشمالية وفي مختلف انحاء السودان البعيدة؟
للأسف لا تتوفر احصاءات اونلاين، بعدد المصابين من الاطفال او الشباب او كبار السن. المؤسف أكثر إن توفر الكادر الطبي، يخذلهم عدم توفر المعدات الطبية، الأمر الذي يضطرهم الى القاهرة للعلاج، فيضاف الى تكلفة ومنصرفات العلاج، تكلفه الاقامة في الشقق المفروشة والمعيشة والمواصلات، وغيرها من التكاليف غير المرئية.
هل بالإمكان طلب المساعدة من المنظمات الدولية بافتراض ان انتشار المرض صار اقرب الى الوباء في السودان ؟
من بين المعلقين على سلسلة حلقات قصتي مع سرطان المعدة المنشورة بصفحتي بالفيسبوك، استوقفني تعليق الصديق الاستاذ المحامي اسماعيل محمد سعيد العباسي حول انتشار هذا المرض وسط الاسر السودانية، انقل تعليقه بحذافيره واضعه الى جانب قصص سرطان الأطفال بين ايدي زملائي الصحفيين في السودان للقيام بدورهم المعهود في الاستقصاء حول هذه الكارثة .
“… استشرى بصورة مخيفة للغاية بين السودانيين، ففي بيتنا إثنين من اشقائي الثلاثة والحمد لله علاوة على ابنة اختي الشابة…” كتب الاستاذ اسماعيل.
نواصل في الحلقة القادمة
الدعم السريع يفرج عن 28 من عناصر الجيش
كادقلي – الشاهد: أطلقت قوات الدعم السريع سراح 28 من الجيش تم أسرهم قبل نحو اسبوع في …