‫الرئيسية‬ تقارير شرر الموازنة العامة .. هل ستطفئه إستقالة البدوي؟
تقارير - ديسمبر 31, 2019

شرر الموازنة العامة .. هل ستطفئه إستقالة البدوي؟

الخرطوم – الشاهد
نشرت بعض صحف الخرطوم خبرا ً مفاده عزم الدكتور إبراهيم البدوي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي تقديم استقالته من منصبه، إلا أن الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة أقنعه بالعدول عن الاستقالة، وأكد ذات الخبر أن البدوي يواجه انتقادات من بعض قوى إعلان الحرية والتغيير بسبب موازنة العام 2020م والتي أثارت جدلا شعبيا وسياسيا واسعا.
وفي أغسطس الماضي نشر الدكتور محمد محمود الطيب المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية ما أسماه رسالة مفتوحة ضد تعيين الدكتور ابراهيم البدوي وزيرا للمالية – وكأنه تنبأ بهذا المأزق وأشار في رسالته إلى خطأ المفهوم الشائع لدي الكثيرين بأن ما يسمي بخبراء البنك الدولي هم أساطين وعلماء في علم الاقتصاد، ولهم الخبرة، والدراية العلمية، والعصا السحرية لحل كل المشاكل الاقتصادية، وأنه بمجرد أن تتزين السيرة الذاتية لشخص ما بالعمل في مثل هذا المنظمات فإنه يعتبر جواز مرور وقبول وكرت على بياض في الحصول على منصب مرموق في إدارة اقتصاد البلاد.
وأوضح الطيب في رسالته المفتوحة أن خبراء البنك الدولي هم مجرد أدوات لتنفيذ سياسات أثبتت فشلها التام في معظم دول العالم الثالث، وتعمل بالضرورة ضد مصالح الطبقات الفقيرة، وترتكز على افتراضات خاطئة، وغالبا ما تؤدي إلى المزيد من المعاناة، والدمار لاقتصاديات الدول النامية، وضرب مثالا لذلك بتنفيذ سياسات التحرير الإقتصادي بواسطة وزير المالية الأسبق في عهد النظام البائد عبد الرحيم حمدي.
ويرى الطيب في رسالته تلك أن اختيار البدوي لوزارة المالية غير مناسب لأسباب موضوعية وفنية لخصها في ستة محاور هي “انتماؤه للفكر النيولبرالي وانحصار خبرته على مدى 30 عاما في مجال واحد هو أنه كان مجرد أداة تنفيذية لبرامج البنك الدولي المسماة بالإصلاح الهيكلي وأنه يأتي فقط من خلفية الاقتصاد القياسي، وهي مجرد أداة كمية بحتة لتحليل الظواهر الاقتصادية دون وضع اعتبار للعوامل السياسية والاجتماعية بينما تحتاج القضية المحورية في الأزمة الاقتصادية السودانية الحالية – بحسب دكتور الطيب – لعقلية شاملة تتعامل مع الاقتصاد من منظور الاقتصاد السياسي الشامل”
ونبه الطيب إلى أن البدوي قدم ورقة قبل اختياره للوزارة أشار فيها بصورة متخفية إلى ضرورة تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بتبني سياسة سعر الصرف المرن المدار ورفع الدعم العيني، واستبداله بالدعم النقدي، والعودة للاقتراض – من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي – والذي سيكون بالضرورة مقابل شروط معروفة ومدمرة تتلخص في تطبيق برامج التقشف القاسية جدا على الطبقات الفقيرة في المجتمع، وأشار الطيب أيضا إلى أمور أخرى تحول بين البدوي والوزارة لا يفيد إيرادها هنا.
ويرى البعض أن مقترح البدوي لموازنة 2020 جاء بالفعل مطابقا لتنبؤات محمد محمود الطيب، وقع الحافر بالحافر، على الرغم من مقال ضاف نشرته صحيفة التحرير الالكترونية المقربة من حزب الأمة القومي كتبته الدكتورة هويدا آدم حاولت فيه أن ترد على رسالة دكتور الطيب وعنونته ” بل هي من محامد دكتور البدوي ” في إشارة لتلك الأسباب الموضوعية الست.
وقالت هويدا في مقالها بالنص ” فيما يخص الإشارة إلى الورقة التي كتبها د.البدوي فهي لا تعني بالضرورة أن تكون خارطة طريق ملزمة وعلى الحكومة (المرتقبة) أن تضع خارطة طريق تقوم على أسس علمية وواقعية تتناسب مع متغيرات وظروف البلاد الراهنة والمستقبلية وأن تناقش هذه الخارطة في مجلس الوزراء الذي نرجو أن يكون فاغلا وعاملا بروح الفريق الواحد وليس شتاتا متنازعا متنافسا كما كان يحدث سابقا وأن يكون هناك نقاش حقيقي منهجي للقضايا يتناسب مع ضرورة المرحلة ومتطلباتها”.
وبالنسبة لصلة الدكتور ابراهيم البدوي بحزب الأمة فقد اعترف الرجل ضمنيا بذلك في حديث له لصحيفة حريات الالكترونية في 2011 في معرض إفادته حول عرض النظام السابق له أن يتم تعيينه محافظا لبنك السودان وقال لحريات بعد أن حكى قصة اعتذاره عن تولي المنصب “وقد علمت أن نائب رئيس الجمهورية (آنذاك) الأستاذ علي عثمان محمد طه كان مؤيدا لترشيحي بالرغم من معرفته لصلاتي بحزب الأمة القومي، وقد حمدت لهم كذلك اتجاههم للانفكاك عن الاستناد على الموالين للنظام فقط “.
وفي وقت لاحق وفي نفس ذلك العام شارك البدوي بالفعل في مؤتمر اقتصادي لحزب الأمة القومي وقدمه دكتور ابراهيم الامين بأنه من كوادرنا المميزة في الخارج، وأشار البدوي في تلك المشاركة بأنه يقدم ورقة بناءا على تكليف الإمام وأنه تم تبنيها كبرنامج اقتصادي لحزب الأمة، وخلال السنوات الاخيرة لا تكاد فعالية اقتصادية تخص حزب الامة في الولايات المتحدة إلا كان البدوي متحدثا رئيسيا فيها.
الانتقادات شديدة الحدة التي واجهتها
ووجدت موازنة البدوي لعام 2020 إنتقادات شديدة الحدة داخل وخارج الحكومة وقوى الحرية والتغيير ركزت على الرفض المطلق لرفع الدعم سواء كان جزئيا أو كليا باعتبار أن ارتفاع الأسعار في ضرورات المواطنين والناتج عن الانخفاض المتواصل بسعر صرف العملة المحلية يجب أن تتحمل نتيجته الحكومة بالعمل الجاد والمبدع على مخاطبة جذوره، ويرى خبراء اقتصاديون أن رفع الدعم ربما أصبح مقبولا إذا قامت وزارة المالية بخطوات وإجراءات ضرورية أهمها وضع يدها بالكامل على المال العام المهدر بالتمكين وإصلاح الجهاز المصرفي وعلى رأسه بنك السودان وإلغاء الصناديق المالية الكثيرة مثل صندوق دعم الولايات وصندوق دعم الطلاب وصندوق دعم الشريعة وغيرها من الصناديق، وإنشاء بنك للمغتربين لتجميع قدراتهم المالية والاستفادة منها في ظل الحكومة المدنية الحالية، ووضع يد الدولة بشكل فعلي وحقيقي ومباشر علي ذهب جبل عامر والبترول الذي لا يزال تحت سيطرة بعض عناصر النظام السابق.
إضافة إلى مصادرة كُبريات الشركات الخاصة التابعة لواجهات ورموز الانقاذ والبالغ عددها (8683 ) بحسب الاختصاصين الذين يرون أنها خرَّبت الاقتصاد ولا تساهم في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 3.5%، واستعادة المؤسسات الحكومية المخصخصة التي كانت مرتبطة بالتمويل الحرج في الدولة كالموانئ البحرية والطيران المدني والاتصالات السلكية واللاسلكية والبنوك وغيرها من شركات الدولة الحيوية الرابحة.
وفيما يبدو أن العواصف التي هبت وتهب وستهب على قوى الحرية والتغيير وحكومة الفترة الانتقالية بسبب هذا الوزير وخلفياته وسياساته لن تنتهي باستقالته ولا بنهاية الفترة الانتقالية نفسها، لا سيما أن الأمر ثورة شعب ظل يعاني إفقارا ممنهجا طيلة “30” سنة .

‫شاهد أيضًا‬

دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر

د. أسامة تاج السر : تمثل دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، واجهة كبرى من واجهات جامعة الخر…