الطريق إلى إعلان الحرية والتغيير ووحدة القوى السياسية
الخرطوم – الشاهد
في نوفمبر الماضي أصدر تجمع المهنيين السودانين دراسة عن الحد الأدنى للأجور، وسلم مذكرة لوزارة العمل برفع هذا الحد الأدنى من “425” إلى “8664” جنيهاً ، وفي السادس ديسمبر من ذات العام خرج طلاب “مايرنو” بولاية سنار في تظاهرة إحتجاجية سلمية حاشدة وكتب السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي رسالة علانية يوم 10 ديسمبر قال فيها “غبت عنكم عاماً إلا قليلاً بجسدي ولكنني كنت معكم بروحي وعقلي وقلبي، يؤرق غربتي ما اسمع من شقاء أهلي وافتقارهم للغذاء والدواء وسائر ضرورات الحياة، ما أجبر ربع سكان الوطن على ركوب المخاطر طلباً للجوء في كل أجزء العالم وآخرون بالملايين يعيشون نازحين داخل الوطن مشردين من ديارهم، عذابات حاضرة في ليلي ونهاري”.
وقال المهدي في رسالته ” كل المقاييس تدل على أن الوطن يحتضر، وواجب كل وطني أن يعمل من أجل تحويل الاحتضار إلى مخاض لفجر جديد، ووجهت لنا الآلية الأفريقية الرفيعة الدعوة لحوار وطني في أديس أبابا كنت مستعداً لتلبيتها يوم السبت الماضي لولا أن أصدقائي وأقربائي من أطباء وطبيبات ألحوا أن أجري فحوصات أمكننا أن نجريها يوم الأحد 9/12/2018م في ويلز لاستحالة إجرائها في لندن في عطلة نهاية الأسبوع.. والآن أنا مستعد للسفر لأن نتائج الفحوصات إيجابية ولله الحمد وسوف أسافر بأسرع فرصة إن شاء الله”.
وأعلن الوفد الحكومي على لسان رئيسه أنهم قادمون بإيجابية وصدر مفتوح وهم يطرحون مسألتي الدستور والانتخابات، والقضايا التي سوف نحرص على بحثها تتعلق بإجراءات المناخ المناسب للحوار الجامع ككفالة الحريات العامة، والحوكمة القومية التي لا تعزل أحداً، وبأسس السلام العادل الشامل، وباستحقاقات الدستور واستحقاقات الانتخابات، والاتفاق حول هذه القضايا هو الطريق الوحيد لتوحيد الكلمة من أجل بناء الوطن وهو الطريق الوحيد للخلاص الاقتصادي، وهو المدخل الوحيد للقبول الدولي، إذا توافرت الجدية والواقعية فإن أطراف الحوار الجامع هي التي تتفق على أجندة مستهدية بمعاني خريطة الطريق، إذا استشعر الجميع خطورة الموقف الوطني من الممكن إبرام اتفاق حول الحكم والسلام والدستور، أما إذا أصر النظام على إملاء موقفه فإن الشعب سوف يملي موقفه عبر ربيع سوداني ثالث مهما تعثر الطريق إليه.
وقال المهدي في رسالته “العلانية ” عقلاء الوطن في كل مكان يفضلون حكمة السنة أنه عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وكذا قال الحكيم: ملكت بحلمي فرصة ما استرقتها / مِنَ الدّهْرِ مَفتُولُ الذّرَاعَينِ أغلبُ . أمام القوى السياسية السودانية فرصة لاختراق تاريخي مثل ما كان عشية الإجماع على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، فوي الختام أجدد العزم على العودة للوطن في 19 ديسمبر إن شاء الله ويرجى من النظام كفالة حرية التعبير ومن القوى الشعبية الحرص على سلامية التعبير.
في الثاني عشر من ديسمبر خرجت مظاهرات حاشدة في الخرطوم، بجانب بوادر انحياز من عناصر في الجيش والشرطة في الوقت الذي وصل فيه الصادق المهدى رئيس حزب الأمة القومي ورئيس نداء السودان فجر الاربعاء 12 ديسمبر 2108 الي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لقيادة وفد نداء السودان في المباحثات التشاورية التي دعت لها الالية الافريقية رفيعة المستوي.
وبعد يوم من ذلك التاريخ خرج طلاب المدارس الثانوية في الدمازين يوم 13 ديسمبر في تظاهرات احتجاجية سلمية جابت أرجاء المدينة وتناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي وتصدت الاجهزة الامنية والشرطة للطلاب المتظاهرين واستخدمت الهراوات وقنابل الغاز المسيلة للدموع واعتقلت منهم عددا، لعبت عناصر قطاع الطلاب دور المرشد لجهاز الامن لاعتقال الطلاب.
في الأثناء علقت الوساطة الأفريقية في 14 ديسمبر 2018 اللقاءات التشاورية بين وفد حكومة السودان ووفود معارضة، بعد ثلاثة أيام من المفاوضات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برعاية رئيس الآلية الأفريقية للوساطة بين الفرقاء السودانيين ثامبو إمبيكي.وانتهت المشاورات باتفاق الطرفين – حسب رئيس الوفد الحكومي فيصل حسن إبراهيم – على تجاوز الخلافات القائمة حول الترتيبات الأمنية في المناطق الثلاث (دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان وحزب الأمة)، وانتخابات 2020، وقضية الدستور بنسبة 85%.
غير أن رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم قال في تصريحات خاصة للجزيرة وقتها إن الحوار الشامل كان مفيدا، ونعتقد أنه من مصلحة الجميع الوصول إلى حلول مقبولة، ورغم أجواء التفاؤل التي عبر عنها بعض المشاركين، فقد تفجرت قضية كادت تعصف بجلسات التشاور، بعد إبلاغ إمبيكي الوفود المعارضة أنه سيلتقي فقط التنظيمات الموقعة على خارطة الطريق، رافضا بذلك لقاء ممثلي “نداء السودان” ككتلة معارضة، وعلل إمبيكي قراره بإبلاغه من قبل الوفد الحكومي أنهم مفوضون فقط للتفاوض مع الأطراف الأربعة الموقعة على خارطة الطريق دون غيرها، وهو الموقف الذي رفضه وفد نداء السودان.
وفي ندوة موثقة في موقع يوتيوب يوم 16 ديسمبر 2018 يقول فاروق ابو عيسى رئيس كتلة قوى الإجماع : ” شعبنا تعلم في اكتوبر 64 وفي ابريل 85 أن يأخذ حقه بيده وهذه المرة سنأخذ حقنا بيدنا سنسقط النظام وسنسترد الديمقراطية وستكون القوى المؤثرة في صنع القراروفي إعادة بناء السودان هي القوى المنتجة وليس أولاد الذوات وإلخ وإلخ من تعرفونهم، هؤلاء ليس لهم مكان وإن قبلوا وتواضعوا سيكون لهم سهم مثلهم ومثل كل السودانيين، ولكن ليس بالطريقة القديمة” وقال ابوعيسى في ذات الندوة “الخلاف عميق بيننا وبين (نداء السودان) الذي كتب رئيسه (الصادق المهدي) لي خطابا ولم يهتم بإيصاله لي يدا ً بيد ولم ينتظر ردا منا وسافر بنفس اليوم إلى أديس أبابا ولو كان جادا ً في خلق عمل مشترك لاسقاط النظام لتواصل معنا سرا ولكان بالداخل.
حسنا، هكذا هم قادتنا لا يريدون تغييرا وطنيا أو ثوريا، بل يريدون تغييرا يدعوا انهم هم من صنعوه يتحكموا فيه هم .. ونحن نريد تغييرا لا نتحكم فيه نحن، تغييرا يتحكم فيه الشعب الذي جاع وذاق الأمرين ثلاثين سنة كاملة لا تعليم ولا مواصلات ولا صحة .
في السادس عشر من ديسمبر وبينما الدمازين مستمرة في تظاهراتها خرجت أيضا تظاهرات متفرقة في مدينة الفاشر بشمال دارفور واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين واغلبهم طلاب بمدارس الاساس والثانوي، وقالت مصادر ان دوى اطلاق نار كثيف تم سماعها في طرقات المدينة، وفي العاصمة الخرطوم خرج طلاب جامعة النيلين في احتجاجات بوسط المدينة.
وفي مساء السابع عشر من ديسمبر وصل رئيس هيئة الأركان السعودي الفريق أول فياض حامد الرويلي مع وفد من الجيش السعودي والتقي بوزير الدفاع عوض ابن عوف للتفاكر في عدد من القضايا المشتركة، بعد يوم واحد من زيارة البشير إلى سوريا، إلا أن المصدر أكد أن الزيارة مبرمجة منذ مطلع ديسمبر ولا علاقة لها بزيارة البشير.
وفي الصثامن عشر من ديسمبر أعلن عمر البشير جاهزية نظامه للدفع بالمزيد من القوات العسكرية، في إطار التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.وذلك عقب لقائه رئيس هيئة أركان الجيش السعودي، الفريق أول طيار ركن، فياض حامد الرويلي. وقال “ستظل قواتنا موجودة في السعودية حسب تعهداتنا، لأنه أمر أخلاقي وقيمي”.
وفي التاسع عشر من ديسمبر شهدت مدن سودانية مظاهرات عارمة، وبحسب شهود عيان لوكالة الأنباء الفرنسية، عمّت الاحتجاجات مدن عطبرة بولاية نهر النيل وولاية شمال كردفان، وبورتسودان في ولاية البحر الأحمر، التي كان عمر البشير يزورها في ذلك اليوم الذي عاد في مسائه السيد الصادق المهدي من الخارج وخاطبه ، ضمن آخرين في حفل استقباله، ممثل تحالف نداء السودان في الداخل، رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، وطالبه علانية باتخاذ مواقف تبتعد عن التردد والمنطقة الرمادية، على حد تعبيره واقترح المهدي في ذلك المساء وثيقة عقد اجتماعي توقع عليها كل القوى السياسية والكيانات وتسلم لرئاسة الجمهورية، حينها لم يتردد الكثيرون من الجماهير بالصراخ: “لا” .
وفي الثاني والعشرين من ديسمبر قال تحالف الاجماع الوطني المعارض في السودان، إن السلطات الأمنية اعتقلت 14 من قياداته أثناء اجتماعهم في مدينة أم درمان. بينما قال الصادق المهدي يومئذ للصحافيين إنه يدعم الاحتجاجات الشعبية في البلاد، لكنه أكد بالمقابل ان حزبه لن يشارك فيها. وأشار مراسل “بي بي سي” في الخرطوم إلى ارتفاع ضحايا الاحتجاجات إلى 15 شخصا منهم ثلاثة في منطقة الجزيرة ابا معقل أنصار الصادق المهدي .
وفي مساء الاثنين الثالث والعشرين من ديسمبر خرجت تظاهرة ليلية ضخمة ومنهجية تخرج من استاد الهلال من وسط ام درمان وتنتهي عند السلاح الطبي أمام الجسر المؤدي لوسط الخرطوم ، وفي يوم الخميس 25 ديسمبر خرج الموكب الأول بناءا على دعوة تجمع المهنيين السودانيين، وفي يوم الاحد 28 ديسمبر السلطات الأمنية أعلنت عن ضبط خلية تتبع لحركة عبدالواحد محمد نور ومرتبطة بالموساد تخطط لتنفيذ اغتيالات أثناء الاحتجاجات، وفي يوم الأربعاء 31 ديسمبر خرج الموكب الثاني لتجمع المهنيين السودانيين، وفي يوم الخميس 1 يناير 2019 تم إعلان الحرية والتغيير والتوقيع عليه من قبل الكتل المختلفة.
دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر
د. أسامة تاج السر : تمثل دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، واجهة كبرى من واجهات جامعة الخر…