لماذا يرفضون تغيير العملة؟

نافذة تحليلية

نافذة تحليلية

من أهم الأشياء التي كان متوقعا أن تسارع بها السلطة الجديدة بعد نجاح الثورة هو تغيير العملة، لا سيما أن السنوات الأخيرة من عمر النظام السابق قد شهدت تخبطا مريعا في ما يتعلق بهذا الأمر. وحدث لأول مرة أن اعترفت سلطات نظام البشير بوجود أوراق عملة غير حقيقية في السوق دون أن تقوم بسحبها أو تتخذ إجراءات تجرم من يتداولها أو يتعامل بها.
وزاد من ضرورة اتخاذ اجراء حاسم بتغيير العملة المتداولة وجود كتلة نقدية ضخمة خارج المصارف يستخدمها منتمون للنظام السابق لتخريب الاقتصاد مع إمكانية وجود ماكينات طباعة عملة بأيدي بعضهم قد تسهم في ضخ المزيد من هذه الكتلة، كما أن وجود فئات كبيرة بقيمة 1000 جنيه و 500 جنيه و200 جنيه يمكن أن تجعل عمليات تزوير العملة أشد سهولة وأكثر ربحية.
كل هذه الأسباب، إضافة إلى أن العديد من الدراسات التي قام بها خبراء واختصاصيون ينتمي بعضهم لقوى الحرية والتغيير، برهنت على أن معالجة التشوهات الحالية في الاقتصاد، ومجهودات سد أبواب التخريب المتعمد الذي يحدث فيه ليل نهار، لابد لها وأن تمر باتخاذ القرار البديهي والضروري بتغيير أوراق العملة المتداولة حاليا بأخرى جديدة تعبر عن روح الثورة وأهدافها وتسهم في تحقيق أهدافها والتفاف الناس حول برامج وسياسات حكومتها الانتقالية. فلماذا يرفض المسؤولون المعنيون بالأمر تغيير العملة؟
الحجة الأساسية التي تطلق لتبرير هذا الرفض هي ارتفاع التكلفة المادية لهذا التغيير، وهي حجة مردود عليها بانه مهما كانت الخسائر التي سوف تحدث من جراء هذا القرار فإنها لا تعدو أن تكون مجرد أرقام معدلة في الموازنة التي يتفق عليها أيا كانت وسوف لن يؤثر الفرق الذي سوف يحدثه هذا القرار في المقدار الكلي لعجز الموازنة “أو فائضها؛ على افتراض أن ذلك ممكن نظريا” مقارنة بالتأثير الإيجابي لنتائج القرار على الاقتصاد في الأمداء القريبة والمتوسطة والاستراتيجية.
ربما كان السبب الحقيقي وراء هذا الرفض هو أن المكون العسكري في السلطة الانتقالية الحالية يرفض هذا الإجراء ولا يستطيع في الوقت نفسه الإفصاح عن هذا الرفض لحسابات تخصه و يعزز هذا الاستنتاج أن كثيرا من الملفات الاقتصادية التي يجب أن تكون بيد السلطة المدنية لا تزال بأيدي جهات عسكرية ونظامية لهذا السبب أو ذاك.
أيضا ً يمكن أن يكون الدافع من وراء رفض تغيير العملة هو أن ثمة جهات دولية تسعى بشكل سري لعقد مصالحة بين قوى الحرية والتغيير، كلها أو بعضها، والقوى السياسية المرتبطة بالنظام السابق وأنهم ينتظرون وقتا ً مناسبا ً قد يأتي وقد لا يأتي، للإعلان عن هذه المصالحة، ولأجل ذلك يصبح ملف العملة واحدا من أهم مرتكزات التفاوض حول تفاصيل تلك المصالحة.

وفي كل الأحوال، فإن مافيا السوق السوداء للدولار، والتي ربما تشمل جهات داخلية وخارجية يستبعد المراقبون احتمال ضلوعها في هذا النشاط المدمر لاقتصاد السودان وانسانه، هي المستفيد الأول والأخير من هذا الرفض غير المنطقي وغير المبرر، والمنطق البسيط يقول لنا أن أي فعل، إيجابيا ً كان أو سلبيا ً، يكون من وراءه في الغالب الأعم الجهة التي تملك له دافعا قويا وملحوظا.

 

‫شاهد أيضًا‬

باحثة تعدد القيم العلاجية المذهلة لنبات “أم شويكة”

الخرطوم – الشاهد : قالت د. سلمى عبد الدائم المحاضر في جامعة شندي كلية التربية قسم ال…