المدنية “لم تحضر بعد ” في منطقة الفتح 2 بأم درمان
الخرطوم – الشاهد
سواء كنا نعني كلمة المدنية بمعنى التحضر الخدمي أو المدنية بمعنى زوال حكم النظام السابق الفاسد الفاشل وآثاره وسياساته المدمّرة للانسان والبيئة، فإنها في منطقة الفتح بأم درمان غرب الثورات ” لم تحضر بعد”
ولمن لا يعلمون، فإن “الفتح” أو “الجخيس” سابقا ً اسم يطلق على ما يزيد عن الخمسين ألفا ً من سكان العاصمة القومية وعلى مبعدة لا تقل عن 45 كيلومترا عن وسط الخرطوم .. يكفي أن تعلم أن في إحدى مدارسها بلغ عدد تلاميذ الفصل الواحد أكثر من 250 طفلا ً، فالتعليم في مدينة الفتح لا وجود له على الإطلاق ويمكننا أن نقول أنه “لم يحضر بعد” .. والمدرسة الثانوية الوحيدة للبنات هناك “تصدقت” بها دولة شقيقة وتعاني مع ذلك من مشكلات الاكتظاظ وعدم توفر المعلمين والمعلمات الأكفاء وانعدام التحفيز المعقول لمواصلة الأداء!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضا ً فإن المنطقة تعتمد بالكامل على مستشفى حكومي “لم يحضر بعد” هو الآخر .. ويضطر المواطنون لضرب أكباد المعاناة خمسة واربعين كيلومترا ليصلوا لأقرب مستشفى … هذا المستشفى تم تشييده سنة 2006 حسب إفادات لجان المقاومة التي نفذت وقفة احتجاجية ناجحة أمام المستشفى بتاريخ ٦/١/٢٠٢٠ بسبب الفساد و الإهمال و التجاهل من الجهات المختصة ، علماً بأنه مستشفى مركزي لتغطية حاجة مناطق الفتح و الإسكانات .ويحتاج لطاقم طبي لا يقل عن بضع وعشرين طبيبا إلا أنه كان هناك طبيبان فقط واختفيا في ظروف غامضة قبل حوالي خمسة أو ستة أسابيع فتم إغلاق المستشفى إلى أجل غير مسمى.
“حياة أطفالنا في خطر” هكذا تقول إحدى لافتات الوقفة الاحتجاجية الأنيقة في واقع محيط غير أنيق لتحكي عن قلق وخوف يمعنان في عدم الأناقة التي لا تتناسب طبعا وكرافتات المسئولين الانتقاليين في حلهم وترحالهم داخل وخارج البلاد، لكنها هي الحقيقة البلقاء، فحياة أطفالنا في خطر في الفتح 2 وفي غير الفتح 2 وأنتم تمرّون من أمام هذا الخطر ومن أمام هؤلاء الأطفال .. شديدي الأناقة والبهاء .. شكرا جزيلا لكم!!
و” لم تحضر بعد ” أيضا ً شبكة المياه التي تغذي منازل المواطنين على علاتها ولا زال سكان المنطقة يعتمدون في الحصول على المياه “غير” الصحية و “غير” المجانية عبر البراميل التي تجرها البراميل ولم يتم توصيل المياه للمنازل بحجة أن للصهريج الموجود بالمنطقة “صاحب” وأن هذا الصاحب لديه “عقد” وسيتضرر إذا تم توصيل المياه إلى المواطنين في منازلهم
تحكي عواطف عبد الله جابر الناشطة الاجتماعية بمنطقة الفتح2 ورئيسة منظمة تواصل النسوية ومديرة مركز اليافعين “أطفال خارج المدارس” بالفتح في بحسرة وألم في تصريحات خاصة لصحيفة الشاهد الالكترونية عن استهداف أهل النظام السابق لمنطقة الفتح2 خدميا ً وأمنيا ً بسبب التمييز السياسي ولأنهم يعتبرون هذه المنطقة “بلا مؤيدين” للنظام عكس مناطق أخرى تم توفير خدمات لها على حساب الفتح2
تقول عواطف : لا توجد روضة أطفال حكومية في المنطقة نهائيا .. وكانت هناك مدرسة أساس واحدة ومدرسة ثانوية واحدة للبنين ولم تكن هناك مدرسة ثانوية للبنات نهائيا حتى تكرمت إمارة الشارقة بإنشاء مدرسة للبنات وهي بدورها تعاني الأمرّين الآن لأنها الوحيدة لكل المنطقة. وكمحاولة أهلية منا قمنا بإنشاء مركز يافعين لتقليل الفاقد التربوي واحتضان الاطفال وإبعادهم عن الخيارات المريرة الأخرى مثل جمع “الكرور” والتشرد في الأسواق والطرقات .. ولكننا ظللنا نواجه بتعنت وحرب من قبل المسئولين ويوشك الآن المركز أن يغلق أبوابه لأننا لم نعد نستطيع، ولا نستطيع أيضا ً تحميل الأهالي الضعيفي الدخل والموارد أعباء التسيير.
الخلاصة، أن السودان كله لم يذق طعم المدنية بعد ولا يلوح في الأفق أنه سيتذوقها قريبا، فإذا كان هذا حال مناطق داخل العاصمة القومية فكيف تكون أحوال الناس في الأقاليم البعيدة والقريبة؟ التحية والتجلة لأهلنا في الفتح2 وللجان المقاومة هناك وللجان المقاومة في كل أنحاء السودان
دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر
د. أسامة تاج السر : تمثل دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، واجهة كبرى من واجهات جامعة الخر…