‫الرئيسية‬ رأي تسليع الجائحة!
رأي - أبريل 23, 2020

تسليع الجائحة!

رأي – حاتم الكناني

حتى الآن، لم تُفلح المواد التوعوية والإرشادية عبر مختلف الوسائل السمعية والبصرية، في التأثير على سلوك الشارع والبيت السودانيَّيْن تجاه إرشادات الوقاية من فايروس كورونا.

حتى الآن، ربما، ومع أكثر من 160 حالة معلنة، بحسب إحصاءات وزارة الصحة ليوم أمس، لم يُصدِّق كثيرٌ من السودانيين في أطراف الخرطوم الريفية، وأصقاع البلاد الكبيرة، قدرة الفايروس على الدخول إلى بيوتهم وأجسامهم، وربما ينكرون وجود الفايروس كلياً، رغم كثافة المواد الإعلامية التوعوية وتنوع وسائطها!

إذن فلنلقِ نظرة توصيفية لثلاث مواد إرشادية تُعرض على شاشة التفزيون القومي:
*يدخل أفراد المنزل في نوبة من الغناء، الشاب والشابة، الطفل والطفلة، وظلال الأب والأم، تجلس على الأرائك “الفاخرة”.. في نوبة الغناء تستمر الرجاءات بغسل الأيدي والاهتمام بالنظافة وتغيير السلوك الشخصي.. عائلة من الطبقة الوسطى “الممتازة” تغني من أجل التوعية بخطر فايروس كورونا!

*”الكوميديان”، يستخدم شخصية تجسد رمزاً لكوميديا “سوداء” استمرأت تنميطاً عرقياً ولهجوياً نما ترعرع طوال العهد البائد!

*أطفال في مشهد منزلي يقتربون من بعضهم البعض وهم يصدحون بالإرشادات!

نتساءل: هل عبَّرَ مضمون تلك المواد الإرشادية عن الوضع الاقتصادي والنفسي الاجتماعي لمتلقي الرسالة؟ هل هذه لغته؟ هل هي حياته تلك المصورة بإتقان وعناية؟

نجحت المواد التوعوية بالتلفزيون القومي في صنع المفارقة بين حال المشاهد وبين ما يتصوره منتجو أفكار المقاطع الإرشادية عنه فقط، دون إنتاج مادة إرشادية مُعبِّرة عمن ينبغي أن تصل إليه الرسالة.

حسناً، أعتقد أن مُنتجي أفكار المواد التوعوية لم يخرجوا عن فكرة الإعلان التي ينبني قوامها على خلق حياة مُوازية، تجذب المُتلقّي إلى سلعة، والسلعة هنا هي الحياة نفسها! لم يخرجوا من استيلاد نمط شخصية سوادنية تفتقر إلى الجدية اللازمة لشأن مثل الوباء، كما لم يكونوا على درجة من الانتباه اللازم إلى الأخطاء الفنية والمعنوية الكبيرة في بناء الرسالة الإرشادية.

إن إنتاج مادة إرشادية في بلد مختنق بالأزمات، مثل السودان، يحتاج إلى وعي شامل بالتاريخ والثقافة واللغات، فضلاً عن أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي، يحتاج إلى تحسس مكامن الوعي واللاوعي في المجتمع.

أكثر من ذلك تحتاج الحكومة إلى ابتدار وابتكار نوع من المشورة المجتمعية ليصبح الشعب والدولة في صف واحد في مواجهة هذه الجائحة الفتاكة.

بعيداً عن هذه “الإعلانات” سيئة الصنعة أحياناً والمتعالية أحياناً أخرى – لا يمكن أن أسميها شيئاً آخر الآن – يقاسي المواطن أزمة وجودية يومية، في الحصول على أبسط يوميات مثل الخبز والغاز، مما يجعل تقدير حجم الجائحة في نظره مختلاً، وهو نفسه قد مورس عليه تضليل طوال ثلاثين عاماً جعله يفقد الثقة في الجهات الرسمية؛ لكنه يحتاج إلى من يحترم عقله ووجدانه لا أكثر.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …