
كيف يمكن الاستفادة القصوى من بعثة الأمم المتحدة
طارق كردي
مدخل
الحاقا لمقالي السابق، اكرر اعتقادي ان تحويل بعثة الامم المتحده من البند السابع الذي يتيح استخدام القوه، الى البند السادس، يعكس حنكه سياسيه و خبره عمليه لدى السيد رئيس الوزراء في التعامل مع الامم المتحده، و خطوه كبيره في انهاء سيف البند السابع الذي ظل مسلطا على رقابنا فتره من الزمن .. و يمكن للسودان ان يستفيد فائده كبيره من الخبرات المتراكمه و الامكانيات الكبيره لدى الامم المتحده ..
اهم خطوه يجب اتخاذها
اود هنا ان اشير الى موضوع غايه في الاهميه يعتمد عليه نجاح السودان في الاستفاده القصوى من وجود بعثة الامم المتحده المقترحه ..
من خلال تجربتي الطويله في الامم المتحده، و حيث كنت اجلس في مقعد المفاوض نيابة عن مفوضية الامم المتحده لشئون اللاجئين UNHCR، مع وفود حكوميه لوضع اتفاقية مقر host country agreements و ما يتبعها من حصانات و امتيازات و تسهيلات الخ، و اتفاقات ثنائيه bilateral agreement او اتفاقات ثلاثيه tri-partite agreement بخصوص العوده الطوعيه للاجئين و النازحين و ما يتبعها من اعادة بناء و استقرار الخ (مثال لذلك سوريا و سيراليون و غانا و افغانستان و زيمبابوي)، اقول بكل صراحه ان نجاح السودان في الاستفاده القصوى من وجود بعثة الامم المقترحه و من كل البنود التي يطلب السودان من المنظمه الدوليه المساعده فيها، يعتمد على امر مهم جدا، الا و هو: تكوين “لجنة خبراء” من خبراء سودانيين في كل المجالات التي تود الحكومه ان تفاوض الامم المتحده عليها، و تطلب العون فيها .. بحيث تقوم لجنة الخبراء بوضع استراتيجيه للتفاوض مع فريق الامم المتحده، و وضع خطه لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، و بتواريخ زمنيه محدده و تحت اشراف مباشر من الدوله السودانيه .. و ان تكون لجنة الخبراء السودانيين في مقدمة فريق التفاوض مع فريق الامم المتحده .. و ان تراجع الاتفاق الذي يتم الوصول اليه حرف حرف، و كلمه كلمه، و جمله جمله، و ان يتم الاتفاق على تفسير واضح لكل مصطلح و كل كلمه ترد في الاتفاق .. و ان يكون هناك جسم للتنسيق coordination بين الوزارات و الادارات المختلفه ذات الصله، و هي عديده، و تمثيل نوعي للوزارات و الادارات المختلفه، لكي لا تُترك اي وزاره ذات صله خارج الاتفاقيه، لكي لا يُترك الحبل على غارب حسن النوايا ..
لماذا لجنة خبراء سودانيين للتفاوض؟؟
لأسباب عديده، اهمها ان الكوادر الحكوميه الآن، بالذات في الوزارات و الادارات ذات الصله بموضوع التفاوض مع الامم المتحده، بعد التدمير الممنهج الذي حدث في الخدمه المدنيه خلال ثلاثين سنه، و احلال الولاءات محل الكفاءات، تلك الكوادر الحكوميه في اغلب الاحيان يفتقرون الخبره و الحنكه في فن التفاوض، و عدم المام بالقوانين الدوليه، و غير مؤهلين للجلوس امام خبراء (فطاحلة) الأمم المتحده، و مقارعتهم الحجه بالحجه، و في معظم الاحيان لا يجيدون اللغه الانجليزيه بالطلاقه المطلوبه، الا من رحم ربي، نعم الا من رحم ربي .. ثم ان السودان ظل غائباً عن الساحه الدوليه منذ ثلاثه عقود و لا يعرف كيف تُدار الامور في دهاليز الامم المتحده، و لا يعرف كيف يفكر خبراء الامم المتحده عندما يجلسون في مفاوضات مع وفد حكومي ..
اذكر هنا كيف ظلت القضيه الفلسطينيه تعاني منذ العام 1967 نتيجه لحذف كلمة The من كلمة territories الوارده في النسخه الانجليزيه من قرار مجلس الامن رقم 242 و الخاص بالقضيه الفلسطينيه .. حيث ان النص العربي يقرأ “انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير» و هذا يعني الانسحاب من كل الاراضي .. اما النسخه الانجليزيه الاصليه فقد حذفت منها كلمة “أل” the التعريفيه من كلمة “الأراضي” territories لتصبح “اراضي” بدلا من “الاراضي” the territories التي تعني “كل الاراضي” .. و ذلك بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار .. العرب اقتنعوا بالنسخه العربيه، بينما النسخه الانجليزيه و هي الاساس تتحدث عن “اراضي” و هي تعني اي اراضي حتى لو كانت مساحتها عدة كيلومترات و ليس بالضروره كل الاراضي .. و مازلت القضيه الفلسطينيه تعاني من تلك الورطه نتيجة لضعف الفريق المفاوض وقتها ..
عليه الخطوره ليست في عدم وجود “توافق سياسي”، او الخوف من احتلال اجنبي لا اساس لوجوده، انما الخطوره تكمن في عدم وجود “لجنة خبراء” سودانيين، تتمتع بخبره طويله و حنكه في مجال المفاوضات، و المام بالقوانين الدوليه، و معرفه بالتجارب المماثله لتجربة السودان، و درايه بعقلية و تفكير فرق الامم المتحده، و مقدره كبيره باللغه الانجليزيه و المصطلحات و التفسيرات التي ترد في اتفاقيات الامم المتحده ..
عليه نطالب السيد رئيس الوزراء بالنظر في موضوع انشاء لجنة خبراء حقيقيين و ليس حزبيين أو محاصصات، كأولويه قصوى ليكون السودان على اتم استعداد للمفاوضات مع الامم المتحده ..
مع خالص التحايا
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …