الكشف عن الطيب صالح الذى بداخلنا
صديق الحلو
قرأنا الطيب صالح لاول مرة فى ( دومة ود حامد ) و ( نخلة على جدول ) بواكير كتابته للقصة القصيرة … ادهشنا ووجدناه جميلاً وفائق الروعة كما نراه الان . ولكن بعضنا ظلله بحب مشوب بالغيرة والحسد الى ان اتانا بعيون خارجية فصار عزيزاً علينا غرابة التكنيك الذى استخدمه عناصره المشوقة والمتماسكة ، المتعة والمعرفة الجديدة كلما قرانا موسم الهجرة الى الشمال او عرس الزين باحداثه المعقدة روعنا ببساطة شخوصه وسهولة تناوله رغم امتناع ذلك لكثيرين .وارضى احساسنا وامتعنا بالتفرد وامتلأت قلوبنا واشياء اخرى من الصعب توصيفها ، وظف الاسطورة وجعل من العادى شئ يشرفنا جميعاً ، لقد حبب الينا التراث وجعلنا شغوفين بان نرى ود حامد رمزاً للشمال باكمله . ذهبنا نبحث عن الحقيقة فى حكاياته الاف الاسئلة طرحت تدقق فى حياة الطيب صالح وهل توافق حياته حياة مصطفى سعيد او الزين ، هل هو اول سودانى تزوج من انجليزية .. وهل التاريخ يمكن ان يلج من باب الادب؟ والروايات كما ولج الاجتماعى ؟ نفى الطيب صالح ام اثبت الا اننا لم نغفل ان الطيب صالح لم ينطلق من فراغ . شخصية الزين قد نجدها فى اغلب القرى السودانية وفى بحثنا المدقق عن نماذج لمحجوب وود الريس وبنت مجذوب نجد نوعيات لها وقد نتشكك فى وجودها الا اننا لاننكر عبقرية الطيب صالح وتاثيره فى القراء .
نحن سعداء حقاً سواء اثبتنا واقعية احداثه صدقة من عدمه الااننا عشنا عصر الطيب صالح لايهم بعدها ثبوت الاحداث التى قال عنها ام لم تثبت واذا ذهب بنا العشق بعيداً الى تعليل روايات الطيب صالح والبواعث الاجتماعية التى ادت به الى تاليفها نقول انها اعطت مايراد منها اجتماعياً ومضمونها الانسان . جعلها تتبوا مكانة عالية. انها من افضل مائة كتاب على نطاق المعمورة منذ بدء الكتابة مما جعل الطيب ينام ملء جفونه عن شواردها ويسهر الخلق من خلفه ويختصموا . ومن ثم مازالت روايته تشغل الناس لما فيها من خلق راق وابداع جميل . وتداول الناس شرق وغرب الدنيا هذا الانتاج السودانى المتميز بانبهار منقطع النظير والبواعث سوى انها مثلت وقتها بصدق هل انتاج الطيب صالح جزء من تصور العالم ليس صعباً الاجابة عليه وبما ان الواقع مرير ، يبدو ان التعلق بماضى الاجداد لابد منه استفادة ايجابية حتى لانقع فى نفس الاخطاء كما لابد من فهمه حتى لايكون هناك انفصال اجيال . على كتابنا الناشئين قراءة كل المنجز السوداني فى الرواية كما فى التاريخ والادارة والاقتصاد وجميع المعارف فى كل مناحى الحياة حتى يقفوا على ارضية صلبة منها ينطلق الجيل الجديد ليضيف بمعرفة على هذا النحو او ذاك لدحرالعقليات المتحجرة المعتمة بجهل متلاشي .
ان الطيب صالح يملك ناصية التشويق ،واللغة والمفاجاة عندما نقراه كانما نقرا انفسنا شيء منا غامض شقي وعميق … رموزه افكاره واهمية تعلق ذلك الشيء بارواحنا فى حميميه هنا تطل الحاسه التاريخية التى لا نسقطها ان للواقعية جاذبية خاصة ولقصص الطيب صالح خصوصية جاذبة بغزارة تمتيعها وتحميلها وسرورها واحساسنا المرهف تجاه شخوصها التى اضحت تمشي بين الناس . لقد تحدث كثير من النقاد وكتبت كثير من الكتب والدراسات عن اديبنا العالمى المبدع الطيب صالح .
وعندما ياتى ذكره لابد من تكريمة لانه خاطب الجمعى فينا وجعل مفرداته من اليومى الشائع والسائغ والدارجي الوسيط . احتل اسلوبه مكانة فى قلوب شعبنا وجعل القارئ الفطن يهتم بادب الطيب صالح لانه وجد فيه الصدق والاخلاص ولانه يحقق دلالات الطقوس الدينية والصوفية التى نعرفها ويمتاز بها كل السودانيين كما يتضمن انجازه التراث والاسطورة والخرافة الملهاة والماساة حيث نهل من ثقافات متعددة ومن ثم عكسها فى ادبه عالى القيمة صور المجتمع بانسانه الخير والشرير وطرح فى رواياته كثير من الاسئلة الشخوص فى رواياته نحس انهم بسطاء منا يعيشون بيننا ولا نملك الا ان نحبهم .
لقد امدنا الطيب بمدد من عبقريته وموهبته فجعلنا نفسر الاشياء على ضوئها حيث لم تعد الرواية هنا للتسلية او تقضية الوقت او التشويق وحدهما وانما غاصت فى عمق الشعبى وسعت لتغييره واضحت صعبة المنال للاتيان بمثلها النهائية لقد وظف الغرائبية ونسيج الاضداد والواقعية السحرية .
الراوى فى موسم الهجرة يؤدى دوراً مماثلاً لمصطفى سعيد الزين كلما خطب حسناء صارت تتزوج مما جعل امهات البنات يتوددن له فيصرخ باسمائهن .
وقطعاً كل ماهو واقعى ليس هو بالتالى خالى من القيمة ان عناصر المبالغة والامتاع نجدها فى الشكل والمضمون الحنين ذاك الحب الوجدانى الصوفى ونصر الدين ممثل الحب الالاهى والطاهر ود الرواس الفروسية والشجاعة محجوب الزعامة الكارزمية دون حدود .
وحسنة بنت محمود الاعتزاز والثقة والالق .
الطيب صالح لايعرف الصعوبات او الحواجز ، لقد جعلنا ننساق خلفة ونحن نلهث . نتصور كيف تؤول الحال ببندر شاه من اين اتى واشكالية الحضور والغياب ، والغريب الذى يغير الحال ويحرك بحيرة السكون وقصص حب مصطفى سعيد المتعددة مريود والحب الافلاطونى العذرى وحب الزين المحلق فى سموات العشق الالهى . هذا هو المضمون الذى سحرنا برواءه وغناه واثلج صدورنا ان شرفنا الطيب فى المحافل الدولية فى اصيلة بالمغرب وبيروت والرياض وبغداد والقاهرة ولندن واشنطن كوبنهاجن واستكهولم .
الطيب يؤرخ لتاريخ السودان فى رواياته المتصلة . اننا فى مريود امام حقائق الوجود الصعبة اشكاليات الموت والحياة ورموز تنحو للغموض رغم الصراع بين محيميد والجد الذى تعمق كثيراً من اقصى الحب الى التاثير والتصوير والتوهم هل تحرر محيميد من سلطة الجد وهل اسعفه فهمه العصرى فى السير مع متطلبات الحياة . النمط الخاص الذى يمثلة الجد والبساطة الظاهرة التى تحيط محيميد فى عقلة الباطن ، تعقد تركيبته والقصة تسير من زمن لاخر المستعمر وادخاله للسكة الحديد كانما تلج ارضاً عذراء الحكم الوطنى وفشل كل المشاريع والحلقة الجهنمية وقس على ذلك جوانب كثيرة لابد من قراءة الطيب صالح من جديد ..وتاويل ماتركة من احاديث تمثل منهجاً متكاملاً فى التسامح وحب الوطن الصورة ، المثال الذى يودنا ان نصيره نعرفه لنستفيد منه بعد مقاومتنا وطردنا للمستعمر ، فالاستقلال والتعمير والبناء . ما عرضه الطيب صالح عن العالم الغربى الغارق فى ملذاته المادية والحسية . رغم تقدمه التكنولوجى الا ان التقدم لم يشبع الروح المتطلعة للقيم والاخلاق ، هل يقدم الخلاص للانسانية وللمجتمعات التى تسير فى ركبه وهذا الحب الجارف الصدق والاخلاص من الشرق هل يبدد قسوة الغرب ام مازال صراع الحضارات ياخذ بتلابيب الكون فى اتجاهين مختلفين . حيث الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا ؟
الكشف عن الطيب صالح الذى بداخلنا
عاد الروائى العالمى الطيب صالح للسودان الذى يحبه على نعش بعد غربه استمرت زهاء نصف قرن فى لندن ( بلاد تموت من البرد حيتانها ) عاد الى اهله الذين يحبهم ويحبونه قال فى مطلع موسم الهجرة ( عدت ياسادتى لاهلى بعد غيبة طويلة … سبعة اعوام على وجه التحديد تعلمت فيها الكثير وغاب عنى الكثير لكن تلك قصة اخرى ) هذه الاستهلاليه تدل على تواضع جم للطيب صالح … والان كم من الجيل الطالع يعرف الطيب صالح ؟ تذكر ان هناك استفتاء صحفياً اجرى فى منتصف التسعينات وعندما تم سؤال شريحة طلاب الجامعات قال بعضهم ان الطيب صالح ( حكم كورة ) .
غادر مريود الذى يحكى حكايتنا فى الريف والحضر مصطفى سعيد فى موسم الهجرة الى الشمال غزا الغرب بثقافته السودانية وحضوره من الصحراء ارض الانبياء بكل غموضها واسرارها نقل الاجواء المحليه لتصير عالمية وتلك هى عبقرية . عالم التضاد لعب فيه بحرفية فذة ان همند ، جين موريس ، وازبيلا سيمور ، وحسنه بنت محمود وبت مجذوب وود الريس شخوصه مرسومة بعناية … مصطفى سعيد هذا الفتى العربى الافريقى اقام الدنيا ولم يقعدها بسحره الافريقى وطقوس البخور العود والصندل واحاديث الحب فى غرفه لقد فضح مواقف الانجليز وغزاهم فى عقر دارهم . كان مصطفى سعيد دائماً هو المبادر فى علاقاته المتعددة .
والطيب صالح يمتاز بالسخرية فى كتاباته . وكتب الطيب صالح القصة القصيرة وكانت ( نخلة على جدول ) اول قصصه … يتمركز فيها المكان بطلاً فى ارض الحضارات ومن ثم تبنى ثنائية شرق وغرب … كان الطيب قريباً للمسرح اخرج عدة اعمال درامية لاذاعة البى بى سى ويعتبر الطيب صالح مجرباً … هل غزو مصطفى سعيد للغرب كان انتقاماً لغزو الانجليز للسودان .. وعاد اخيراً مصطفى سعيد للسودان البعض يتساءل لماذا اعمال عبقرى الرواية العربية قليلة .. والبعض يقول بتاثره بجورج امادو او حتى جوزيف كونارد فى روايته قلب الظلام .
الطيب صالح بتواضعة الكثير يعتبر نفسه هاوياً فى الكتابة ويرى ان الحياة جميلة دون الكتابة والبعض يقول ان موسم الهجرة الى الشمال ( كبيضة الديك ) واخرون يقولون ان سقف الرواية التى وضعها الطيب صالح لايمكن تجاوزه لاى كاتب سودانى لقد كتب عنها الفلسطينى ادوارد سعيد فى كتابه الاستشرارق
تميز الطيب صالح فى طريقة سرده للموروث الشعبى فود حامد صارت معروفة عالمياً بما فى سرده من نكهة الطيب المميزه واستعمل الواقعية السحرية قبل غارسيا ماركيز الذى اخذ جائزة نوبل عن رواية مائة عام من العزلة .
هنا حيث صحراء الظماء ومتاهة الرغائب الجنونيه حيث الاسطورة والغرائبية وتاتى المفارقات تباعاً مصطفى سعيد هل هو عطيل الافريقى ام من جد اندلسى كان جندى فى جيش طارق بن زياد . هل كل حياة مصطفى سعيد مزدوجة ام اكذوبة ؟ .
استخدم الطيب صالح الثنائيات فى اطار التوحد والتقليد والحداثة عنده أصيلة ومتجذرة
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …