المهنيين والقوى المدنية وفصل الدين عن الدولة
جعفر خضر
أصدر تجمع المهنيين السودانيين وتجمع القوى المدنية بيانا مشتركا، في الأيام الفائتة، تضمن تأكيد الطرفين على موقفهم الداعم لتعزيز الدولة المدنية وحفظ الحريات لبناء دولة المواطنة دون تمييز، و”التأكيد على فصل الدين عن الدولة” ، وهي العبارة التي أثارت جدلا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي.
ربما رغبت قيادة تجمع المهنيين السودانيين، في نسخته الجديدة، في اكتساب مزيد من الاعتراف بالتوقيع على البيان بجانب تجمع القوى المدنية، والذي بدوره ربما يبحث عن إثبات الوجود في ظل غيابه عن دائرة التأثيرمؤخرا، أو ربما هي محاولة لصناعة تكتلات تحسن وضع كليهما في قوى إعلان الحرية والتغيير .
وقد اعتبر البعض أن ورود عبارة “فصل الدين عن الدولة” في عداد البديهيات، على أساس أن الشعب السوداني ظل يحارب دولة الإنقاذ الدينية، على مدى ثلاثين عاما. والدليل على أنها ليست بديهية أنها لم ترد في إعلان الحرية والتغيير، الإعلان الذي التف حوله جل الشعب السوداني حتى حقق هذا النصر المبين الذي لم يكتمل بعد .
تمسكت الحركة الشعبية شمال “الحلو” بمفهوم “العلمانية” و”فصل الدين عن الدولة” ليس مضمونا فحسب، بل ورسما، أي باستخدام ذات الكلمات والأحرف، الشيء الذي سيجعل من هذه المصطلحات حاضرة في المشهد السياسي السوداني .
ولكن إضافة أي مفاهيم جديدة لم ترد في إعلان الحرية والتغيير، خاصة إذا كانت خلافية، مثل عبارة “فصل الدين عن الدولة” يجب ألا تتم بصورة فوقية، من الأشخاص الذين وجدوا، أو أوجدوا، أنفسهم في قمة القيادة، وإنما تتم مثل هذه الإضافات بالرجوع للقطاعات المهنية وللقوى المدنية المكونة للتجمع. وهذا مربط فرس هذا المقال.
ليس الإشكال في تبني “فصل الدين عن الدولة” بل الإشكال في الإجراءات التي بموجبها توصل قادة المهنيين والقوى المدنية للعبارة المضافة، تم ذلك في أحسن الأحوال في اجتماع للهيئة القيادية للتحالفين ، وبهذا أعطت الهيئات القيادية لنفسها صلاحيات ترقى لتجعلنا نصفها بالديكتاتورية.
وكان الأجدر فتح نقاش حول الأمر، لينفتح في القطاعات المهنية المتعددة ومنظمات المجتمع المدني الكثيرة، ولا نجزم بنتائج هذا النقاش الواسع، الذي قد يتفق في نهايته مع رأي الهيئة القيادية في التحالفين، أو قد يصححها بالمطالبة بتبني مفهوم “العلمانية” جنبا إلى جنب مع “فصل الدين عن الدولة” ، وتتم تخطئة البيان ووصفه بالتناقض لاحتفاظه ب”المدنية”، وليس “العلمانية” ، أو قد يغلب الرأي بأن نحتفظ بالمفاهيم والمضامين الواردة في إعلان الحرية والتغيير، أو غير ذلك.
إن مشكلة العمل السياسي والمدني في السودان اتّسامه بفوقية مفرطة. فيمكن أن يصعد البعض إلى قمة السلطة، ثم يتبنى القائد أفكاره الشخصية، وأحيانا الحزبية، ويلبسها للجسم الذي تبوأ قمته تلبيسا.
جدير بالذكر أن منتدى شروق الثقافي ومبادرة القضارف للخلاص، وقعا، كل على حدة، على الوثيقة التي تم بموجبها تكوين تجمع القوى المدنية بالخرطوم، في أوائل العام ٢٠١٩، ضمن منظمات أخرى كثيرة، ولكن لم يكونا جزءا من الفعل السياسي بالخرطوم، من مفاوضات أو إجراءات تشكيل السلطة، أو غيره، رغم نشاط الجسمين الواضح في الفعل السياسي بالقضارف.
أسهمت مبادرة القضارف للخلاص في تأسيس قوى إعلان الحرية والتغيير بمدينة القضارف، في ثنايا الثورة، إلى أن جمدت نشاطها في قحت قبل شهور، في ملابسات مطالبتها بتمثيل قحت المحليات في المجلس المركزي الولائي وسط رفض السواد الأعظم من القوى السياسية لذلك.
وأسهم منتدى شروق في تكوين تجمع القوى المدنية بمدينة القضارف الذي أصبح جزءا من قوى إعلان الحرية والتغيير.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا حرص المبادرون بتشكيل القوى المدنية على توقيع القوى المدنية بالولايات، ولا نجد نفس هذا الحرص في إشراك هذه القوى في صنع القرارات المصيرية بالخرطوم. أو لماذا تقاعست هذه الأجسام في انتزاع حقها في المشاركة في السلطة المركزية؟.
قبل عام نص خطاب الدورة لمنتدى شروق الثقافي بالقضارف، المبذول في الأسافير، بتاريخ٢٢ يونيو ٢٠١٩، نص علي:(بالرغم أن المنتدى وقع على وثيقة تجمع القوى المدنية التي تمثل الضلع الخامس في قوى إعلان الحرية والتغيير، إلا أنه لم تتم إضافة ممثل لشروق في أي جسم قيادي). فكأنما انتهت المهمة بانتهاء مراسم التوقيع.
أظن أن مجتمعنا المدني لا زال يكتنفه الكثير من الضعف ولم ننجح بعد في تأسيسه ديمقراطيا كما يجب، ولا تأسيس تحالفاته ديمقراطيا.
َالشيئ الذي ركزت عليه في هذا المقال هو الطريقة التي بموجبها نصل إلى القرار، وليس القرار في حد ذاته، ومعظم الجدل الذي دار حول إضافة عبارة “فصل الدين عن الدولة”، وليس عن الكيفية التي تمت بها هذه الإضافة.
باعتبار أن الفقرة المضافة ذات صلة وثيقة بطرح الحركة الشعبية للسلام، فإن الطريقة الأفضل هي الانفتاح على القواعد، التي هي منظمات المجتمع المدني والقطاعات المهنية، التي على أساسها تم تكوين التجمع، لتتم إدارة حوار شفاف حول هذه القضية، أو غيرها، والنقاش في حد ذاته خير، وستنتج عنه في نهاية الأمر أفضل الحلول.
وإن كنت أظن أن معركة إسلامية وعلمانية، مبارزة تركز على العناوين أكثر من تركيزها على المضامين. ولو ركزنا على المضمون فاحتمالات اتفاقنا جميعا ستتسع كثيرا، فمعظم الثوار اليوم متفقين على المدنية، وعلى دولة المواطنة التي لا تميز بين المواطنين على أساس أديانهم أو أعراقهم، وأن تقف الدولة على مسافة واحدة من معتقدات الناس. ويرى البعض أن هذه العلمانية نفسها، ونقول له طيب أمسك في المضمون وما تركز على الاسم، أمسك في الحصان وسيب البردعة.
في تقديري الشخصي أن مفهوم “العلمانية” أو”فصل الدين عن الدولة” تم تشويهه من أعدائه من الإسلاميين المتطرفين، باعتباره مرادفا للكفر أوالفسوق، بخطاب مكثف من على منابر المساجد وغيرها على مدى عشرات السنين.
بل تم تشويه مفهوم “العلمانية” من كثير من العلمانيين أنفسهم، إذ زاوجت أنظمة بين العلمانية والدكتاتورية، وشوهه البعض، ربما كثيرون، بأن ظلوا يسخرون من معتقدات الناس ويتعالون عليهم ويتأففون من تخلفهم حسب ظنهم، فكأنما هنالك تحالف غير مكتوب بين الإسلاميين المتطرفين والعلمانيين المتطرفين في تشويه “العلمانية”.
لم تكتمل الثورة بعد، فلا زالت تحيط بنا الأخطار، ولم نقتص لشهيد واحد حتى الآن، واحتمالات الانقلاب على الثورة واردة، هذا يتطلب توحيد الشعب السوداني والقوى الثورية، بالارتفاع إلى مستوى المسئولية والتحديات، واستعادة ثقة الشعب السوداني في قوى إعلان الحرية والتغيير، ليكون جاهزا لتلبية النداء عند الواحدة ظهرا بتوقيت الثورة متى تطلب الأمر.
أرى أن الفرصة لا زالت مواتية لإعادة بناء تجمع القوى المدنية وتجمع المهنيين على أساس الديمقراطية بحيث يمثل أكبر عدد ممكن من القوى المدنية والقطاعات المهنية في كل أنحاء السودان، باستيعاب القوى الحادبة على التغيير، وبتضييق الطريق أمام عناصر الثورة المضادة والانتهازيين، ولا ينبغي أن نفوت الفرص ثم نندم بعد ذلك.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …