‫الرئيسية‬ رأي تسقط بس التحديث والتحول الديمقراطي (١)
رأي - يونيو 12, 2020

تسقط بس التحديث والتحول الديمقراطي (١)

د. خالد عثمان طه خليفة

إن هدف الثورة الاستراتيجي والمتلخص في (تسقط بس) هو ليس فقط سقوط البشير وحزبه وحلفائه من مافيا السياسة والاقتصاد، بل يعني سقوط وتغيير العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية التي أدت لسيطرة نخبة معينة على السلطة بتركيبتها الحزبية الدينية والطائفية والقبلية المتحالفة مع العسكر ورأس المال الطفيلي على مر تاريخنا وليس فقط منذ ٣٠ يونيو ١٩٨٩، وأدت كذلك لاستمرار الدائرة الشريرة :فشل وانهيار الديمقراطيات ثم الانقلابات العسكرية وهكذا.

كيف يمكن تحقيق التحديث والتحول الديمقراطي : دولة المؤسسات وسيادة القانون و المواطنةالتي أساسها المساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أي أساس ديني أوعرقي أوجهوي أوغيرها والحرية، حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير والسلام والعدالة والمدنية والتي تعني بالإضافة للقيم والمفاهيم السابقة منع الوصول للسلطة أو التأثير عليها باستغلال القوة العسكرية أوالدينية. وهذا يتطلب تغييراً شاملاً ومتزامنا في كل المجالات والتي تفاقم تدهورها بسبب فترة الديكتاتوريات الطويلة :٦٢ سنة من ٧٢ سنة منذ اسقلالنا. سأعرض أهم معوقات التحديث في كل حقل وهي تؤثر وتتأثر ببعضها، ثم في المقال التالي نعرض كيف نعالجها.
١/الحقل الاجتماعي الذي تقوم علاقته وروابطه على أساس القبلية والطائفية والجهوية و أغلبيتهم محرومة من حقوقها وقدراتها وحرياتها الأساسية.
٢/الحقل الاقتصادي الذي يقوم على اقتصاد بدائي وريعي يسيطر عليه الفساد ومافيا رأس المال الطفيلي المتحالفة مع السلطة، وقد عمل الترابي على تنظيم وتطوير هذا التحالف القذر منذ المصالحة مع النميري في ١٩٧٩، وإن كان بدأ قبل ذلك ربمامنذ تحالف المستعمر مع الزعامات القبلية والدينية والطائفية، ودعمها وقواها على حساب أغلبية الشعب ليسهل مهمته الاستعمارية، ثم ليرث هؤلاء ومعهم النخبة التي أدمنت الفشل مهمة استعبادنا نيابة عن المستعمر
عندما يقرر الرحيل وهكذا تم الأمر (وحدث ما حدث).
٣/الحقل السياسي والذي بتأثره بالاجتماعي والاقتصادي ظلت تسيطر عليه ومن قبل الاستقلال أحزاب جمعت بين الانتماءات الطائفية والدينية والقبلية وقياداتها نفس الزعامات التي قوي نفوذها المستعمر اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً كما أنها لم تعمل على ممارسة وتطبيق مفاهيم التحديث في داخلها وعلى رأسها الديمقراطية في هذا تتساوى جميع أحزابنا لا نستثني أحدا مما أدى لنفور المتعلمين منها ولسان الحال يقول فاقد الشئ لا يعطيه وعملت على أضعاف الأحزاب الحديثة بالإضافة لما فعلته هذه الأحزاب الحديثة بنفسها مما جعلها صفوية ومعزولة عن الجماهير ففشلت في التغيير، وهكذا تكون حقلنا السياسي من أحزاب راغبة في التغيير وعاجزة عنه، وأحزاب قادرة على التغيير ولاترغب فيه لأنها تعتبره حكما بفنائها.
٤/ أما الحقل الفكري فقد أضعفته هذه العوامل وجعلته لا تأثير له. فلم يجاوب بعمق على أسئلة الواقع الجوهرية :سؤال علاقة الدولة والدين والمواطنة والهوية والديمقراطية والسلام. بدليل أنه لم ينجح في مواءمتها مع واقعه وترسيخها في المجتمع، ولم يمثل سلطة معرفية لتتبنى الأحزاب ما تطرحه، بل إنها استسلمت لتغول الحقل السياسي وتركت هذه القضايا الاستراتيجية والفكرية تطرح في الحقل السياسي حسب ما تفرضه المصالح والتكتيكات الحزبية، فكانت سطحية التناول لهذه القضايا بسبب تعامل السياسي مع الحقائق الاجتماعية وهي الحقائق التي يتقبلها المجتمع وبالتالي تضمن لهم رضا الناخبين، ولم يهتموا بالحقائق العلمية والفكرية بل عملوا على اضعافها لأنها غالباً ما تكون صادمة للمجتمع وتفقدهم تأييد الناخبين، كما أنها تحتاج لجهد وزمن لترسيخها في الوعي والوجدان.

ونواصل،

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …