و هذا ما لا نريده للجيش !
تحليل سياسي: محمد لطيف
حين اصبحت رئيسا لتحرير صحيفة الاخبار في العام ٢٠٠٨ زارني في مكتبي .. تلميذي سابقا و صديقي حاليا الاستاذ خالد عبد العزيز
.. و قد ظننت للوهلة الاولي انه قد جاء مهنئا كغيره .. ولكني فوجئت به يقول لي .. ( والله يا استاذ نحن الزمن دا كلو كنا شايفنك فوق لرؤساء التحرير لكن خلاص بقيت عادي واحد منهم ..!) صحيح اننا تشاركنا الضحك لحظتها .. لكنني ظللت لوقت طويل أتأمل في عبارة خالد الذي يراسل رويترز العالمية من الخرطوم الان .. هذا مع كامل الود والاحترام لرؤساء التحرير ..!
و لقد تذكرت مقولة خالد بالامس .. وانا اطالع مقالا للعميد الدكتور الطاهر ابو هاجا .. المستشار الاعلامي لرئيس المجلس السيادي .. و داعي المقارنة بين عبارة خالد ومقال ابو هاجة .. هو عنوان المقال نفسه .. الذي جاء موسوما ب .. الجيش في معادلة السياسة .. فوجود الجيش في معادلة السياسة يضعه مباشرة في خانة واحدة وفي مستوى واحد .. مع بقية المكونات التي تشكل هذا المشهد السياسي .. و لعمري فان هذا الامر يفعل اول ما يفعل .. انه ينزع القدسية من الجيش .. فلا يظل الجيش خطا احمر .. كما قال صديقنا العقيد محمد جادالله قبل اسبوع في مقال اخر تداولته الاسافير .. وهذا ما لا نريده وما لا يريده احد للجيش ..!
ان نظرة عجلي لطبيعة تكوين الجيش نفسه وطبيعة ادواره .. مقارنة بالمكونات السياسية الاخري .. يفرض علينا رفض التسليم بان الجيش مجرد مكون آخر في المعادلة السياسية .. فالجيش قوة قومية نشأت معبرة عن ارادة الامة مجتمعة .. فاي مواطن في السودان .. بغض النظر عن دينه ولغته ولونه وجنسه وموقعه وتوجهه السياسي .. ينبغي حين ينظر للجيش ان يجد نفسه فيه .. و ان يراه معبرا عنه .. و هذه حقيقة لا جدال فيها ولا مراء .. و في المقابل .. فانظر في كل احزاب السودان .. التي قامت منذ تأسيس النشاط السياسي في البلاد .. من لدن مؤتمر الخريجين وحتي يوم الناس هذا .. فاي حزب نال شرف ان يكون معبرا عن كل السودان ..؟ اليست هذه ميزة نوعية للجيش ..؟ ولكن .. بالطبع علي الجيش ان يذكر دائما انه حاز علي هذا الشرف .. شرف التعبير عن .. الامة مجتمعة .. بحكم تميز موقعه وتميز دوره .. ومن واقع انه .. ليس جزءا من المعادلة السياسية .. اما اذا اختار الجيش ان يكون جزءا من المعادلة السياسية .. فيصبح في هذه الحالة مثله مثل بقية مكونات تلك المعادلة .. له ما لها وعليه ما عليها .. وهذا ما لا نريده للجيش ..!
اورد العميد الدكتور ابو هاجة في مقاله ذاك .. عبارة تستحق الوقوف عندها والبحث في عمقها .. فانظر ماذا يقول .. ( إن وجود العسكريين في المعادلة السياسية تماما كوجود المقذوف داخل السلاح فهل يصيب السلاح دونما مقذوف؟ وهل تعمل الساقية دونما (توريق)؟ وهل يتصل الهاتف دونما شريحة منشطة وليست مضروبة؟..انظروا إلى تجارب الدول الديمقراطية العظمى والوسطى والصغرى من يحمي النظام الديمقراطي رئاسيا كان أم برلمانيا؟ )
والاجابة بالطبع ليست كما حاول ان يصور سعادة العميد الدكتور .. بل ان الانظمة الديمقراطية تحميها القوانين .. تحميها المؤسسات .. تحميها الممارسة الديمقراطية الحقة .. ويحسم اي خلاف فيها صوت المواطن عبر صناديق الاقتراع .. لا صوت المقذوفات الحارقة عبر فوهات الاسلحة .. اما الجيش فله دور اعظم واجل من ذلك .. دور اجل واعظم من ان يصبح مجرد شرطي .. ينظم حركة المرور في دهاليز السياسة وازقتها .. او حارس بوابة يمنع ويمنح تصاريح الدخول الي ساحات السياسة .. ان دور الجيش في النظام الديمقراطي انه يحمي الارض والامة ومقدراتها و تاريخها وحاضرها و مستقبلها .. و يحمي النظام الديمقراطي ..و لكي يحمي النظام الديمقراطي فليس بالضرورة ان يكون جزءا منه .. و لا واحدا من مكوناته السياسية .. فهو ان اصبح كذلك .. اصبح بالضرورة خاضعا لقواعد اللعبة .. و هذا ما لا نريده للجيش ..!
سالت احد اصدقائي الجنرالات .. هل تسمحون لحزب سياسي ان يكون له جناح عسكري ؟ .. قال لي .. بالطبع لا .. قلت له .. اذاً و هم كذلك .. وهذا ما لا نريده للجيش ..!
اما المعادلة القائمة الان .. فهي معادلة استثنائية .. قادت اليها ظروف استثنائية .. و هي مؤقتة .. ولكنا نحاول هنا التأسيس لمفهوم يليق بالجيش اولا .. وبأمته العظيمة في السودان ثانيا .. و التحية للعميد الدكتور ابو هاجة و العقيد محمد جادالله ولكل فرد في جيشنا الباسل ..!
في تدليس الحكومة الذي لا ينقطع
د. معتصم اقرع ادعت الحكومة أن تخفيضها الكبير لقيمة الجنيه البالغ 582 في المائة وسياسة الصر…