‫الرئيسية‬ رأي دولة مدنية سودانية الملامح
رأي - يونيو 21, 2020

دولة مدنية سودانية الملامح

د. خالد عثمان طه خليفة

فتحت ثورة ديسمبر النقاش حول الدولة والعدالة والحرية والسلام والتنمية، بعد عقود من حكم الدولة الاستبدادية يميناً ويسارا، وفترات لاتذكر من ديمقراطيات فوقية وشكلية وطائفية وجهوية لم تغير من الواقع شيئاً،وهي أيضاً استبدادية ولاتختلف عن الديكتاتوريات العسكرية الا شكلاً واسما
لأنها فرضت تصور مكون واحد من مكونات الوطن وهو الذي تمثله الزعامات الطائفية والقبلية واقصوا المكونات الأخرى ومعهم النخب الذين هم أبناء وعشيرة هؤلاء الزعماء الذين دعمهم المستعمر لينوبوا عنه. قامت هذه الدول الاستبدادية على استبعاد الشعب واستعباده وافقاره، بدلاً من تمليكه لحقوق وحرياته ليكون فاعلا وقادرا على المشاركة في صياغة وتنفيذ عملية السلام والتنمية على أساس الحوار والحرية والعدل، وصولاً لتوافق تتمثل فيه مشتركات وقيم ومبادئ ومقاصد أديان ومعتقدات كل المكونات لا تطغى رؤية أو معتقدات أي مكون مهما كانت اغلبيته على أى مكون آخر مهما كانت أقليته.
ماهي الدولة المدنية التي نريد؟
مصطلح ومفهوم المدنية كغيره من المفاهيم الوافدة، يجب فهم الظروف التي أنتج فيها، والبيئة التي سيتنزل فيها لنعرف كيف نوائمه ونبيئه فيها ليتوافق معها فتقبله لينبت ويثمر بدلاً من سجالات الرفض المطلق عند الإسلاميين المتطرفين المناقض لمقاصد الدين أو النقل الكربوني غير المراعي لاختلاف البيئة، فترفضه فلا ينبت ولايثمر.
عليه يجب أن ننظر إلى أهم أسس فكر التنوير والحداثة ألا هو العقلانية الديكارتية المغلقة كما يسميها أركون، الرافضة للعقل الديني وهو العقل الحر في حدود ما لا يتعدى أويناقض
كليات وقيم ومقاصد الدين العليا وهي تتفق عليها كل الأديان والقيم الأخلاقية للأمم . وهذه العقلانية المتطرفة المناضلة ترتب عنها مفهوم السيادة المطلقة للانسان وعقله المتحرر من حدود القيم والمقاصد العليا للأديان وتربت عنها العلمانيات المتعددة والمتفاوتة في درجات فصل واستبعاد الدين.
أما الآن في عصر ما بعد الحداثة وحضور العقلانية المنفتحة والمرحبة بالدين والعقل الديني في تكوين الجهاز المعرفي للإنسان، يمكننا أن نتحدث عن دولة مدنية حديثة أهم أسسها : ١/أنها لاتقصي الأديان عن المجتمع والدولة، بل تعترف بأنها مكون رئيس من مكونات الإنسان والمجتمع
وتنظم حضوره لتنهي الفوضى الناتجة من إنكار هذا الحضور.
يكون تنظيم هذا الحضور في الدولة متمثلا في أنها لايجب أن تناقض القيم الأخلاقية والكليات والمقاصد العليا التي تتفق عليها كل الأديان وأنها يجب أن تمنع استغلال الأديان للوصول إلى السلطة والثروة، ويكون تنظيم هذا الحضور في المجتمع: بما يتيح حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير وممارسة الشعائر ومنع وتجريم الإساءة والتحريض والاجبار والتكفير والكراهية والتمييز على أي أساس وبأي شكل من الأشكال من أي فرد أو جماعة.
٢/التوافق بين كل مكونات المجتمع على أسس تكوين وتنظيم المجتمع والدولة، لتصبح العقد والدستور الذي يحكم المجتمع والدولة ومؤسساتهما ويضبط علاقتهما وهو الذي بموجبه تحكم الدولة وتمارس نفوذها وسلطتها على المجتمع ولا تحيد عنه لتحقيق الصالح العام :الأمن والسلم والعدل والحرية، وإلا بطلت سلطتها و طاعتها.
٣/المواطنة التي تعنى العدل والمساواة بين المواطنين، اجتماعيا واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، في الحقوق والواجبات، لنخرج من مفهوم المواطنة السياسية الجزئي، دون تمييز على أي أساس ديني أوعرقي أوجهوي أوغيرها.
٤/الحرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية، المنضبطة بقيم ومبادئ الدستور.
٥/العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
٦/الفصل الحقيقى بين السلطات، واستقلال القضاء.
٧/الديمقراطية التعددية بحقوقها السياسية من تكوين الأحزاب والترشح والانتخاب للسلطات وتحديد مدتها.
هذه محض اجتهادات ومقاربات بشرية حمالة للخطأ والصواب لاتدعي الكمال وامتلاك الحقيقة، بل تنزع ثوب القداسة وامتلاك الحقيقة المطلقة عن كل اجتهاد بشرى يدعيها كذبا وبهتانا على الله أوالعلم، وتلتمس منكم التصويب والتطوير بالحوار العلمي الجاد المتحرر من القسر ومن السجال الأيديولوجي والسياسي الاعمى والسطحي.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …