‫الرئيسية‬ رأي روعة جنوب النيل الأزرق وأهله
رأي - يوليو 23, 2020

روعة جنوب النيل الأزرق وأهله

الطيب بشير

رحلة سنجة، أبوحجار، ود النيـّـل، جـَـلـقــَــني، الدمازين … خريف 1989 روعة جنوب النيل الأزرق وأهله…..
المدينة بنتُ الـدولة، لذلك تجد أن أهلها، لا خير في كثير من نجواهم، يحتكمون للقاضي والشرطة ويأكل الضيف في المطاعم ويبيت في اللوكاندات، لذلك تلحظ التشابه بين المدن في القارات المأهولة جميعها، بشكل نسبي، وتلقى بين أهل الريف السوداني تحديداً من أمر بصدقة وعمل معروفا وأدهش العابرين بالقيم الجميلة الأصيلة… وهذا وصف أكثر من كونه قدح للمدينة أو مدح للريف… فارقنا الزلط في سنجة وركبنا اللوري، كان نصيبي أن أركب (بي قدام) مجاوراً للسائق الماهر، وفي هذا إكرام للضيف، وكان ظهر اللوري وجداره السيخي قسمةً بين الركاب الباقيين وبضائعهم ….
من سنجة وبعد 34 كيلومتر وصلنا أبوحجار، بلدة أستاذنا الراحل أحمد سليمان ضو البيت، كبير المذيعين على أيامنا وقد كان وقتها ملء السمع والبصر، عليه الرحمة، لم نتوقف فيها كثيراً، فقد كان السائق معنياً بال 43 كيلومتر القادمة والتي تفصلنا عن ود النيـّـل، وهذه الأرقام لها دلالتها فالرحلة من سنجة للدمازين من حيث المسافة 180 كيلومتر تماماً مثل المسافة من مدني للخرطوم، والتي تأخذ نحو ساعتين وبعض الساعة في المتوسط، لكن رحلتنا هذه أخذت يوماً وبعض يوم!!.. الموقف الذي لن أنساه هو عند وصولنا لبلدة (ود النيـّـل) … وكنا في قمة التعب …. وجدنا حوشاً كبيراً مملوء عن آخره بـ(عناقريب) سرعان ما توزع فيها كل المسافرين …. ما كانت لوكاندة …. لا لا…أخو بنات ساي …. فارشها للغاشي والماشي …. وبالطبع كان معها عشاء، تقبل الله منه، وبارك له في رزقه …
كانت أمتع وأقسى لحظات هي عبور (خور القــُـعرة جوار قرية لوني…وخور دنيا على مشارف الدمازين) … تتجلى فيها روح النفير، حيث تتوقف اللواري في طابور، كانت قافلتنا تتألف من 23 لوري، تعبر الخور عربة تلو الأخرى…لأن السائق يعتمد على (الدفرة واللزّة من الخلف والسحب بالحبال من المقدمة) تتساوى في ذلك اللواري الجديدة والقديمة، والسائق الماهر والمحدث، لأن السيارات تعبر بمجهود الناس أكثر من الماكينة!! وعند الخروج من المياه الإقليمية للخور يصدح (البوري) بتنغيم أغنية محلية شائعة ويقوم البعض بتشجيع السائق بالعرضة والبشرة…هذا الأمر يأخذ زمناً طويلاً ويجوع الناس… يقوم كرامُ التجار هنا بفتح بضاعتهم فتأتيك من هنا طحنية و بلح ومن هناك مربى وبسكويت … قبل ان تأتي (القـُـداحة) من القرية بعصيدتها الساخنة وملاحها الطاعم….ويحضرني هنا منظر شيخ طاعن في السن جاء بقدحه متأخراً وكان الناس قد أكلوا وركبوا وبدأ السائق في ضغط بدالة الجاز ليستعد للإقلاع وبالفعل اعتذر للشيخ: ما يحتاج يا عممممك الناس دي أكلت…والشيخ (يخمج) الطين باتجاه اللوري متوسلاً: ما ترجعوني بيها يا أولادي، فيها سمن، الله يرضى عليكم ما ترجعوني بيها…الحطب كان ممطور والنار ما ولـّـعت لينا بالساهل، هنا تقافزنا من اللوري بلا اتفاق وتحلقنا حول عصيدة عممممك فأتينا عليها في لحظات ولحقنا باللوري، وكان أحلى جبر خواطر بالرحلة…

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …