عن رسالة عبد الله الفكي البشير لإمام الأزهر عن رفع فتوى الردة الأزهرية (1972) عن الأستاذ محمود محمد طه
بد الله علي إبراهيم
لا أعرف حفاوة بالإلغاء الأخير للمادة 126 القاضية بحكم الردة في مصاف الرسالة التي وجهها الدكتور عبد الله الفكي البشير إلى الأزهر الشريف لسحب فتواه بردة المرحوم الأستاذ محمود محمد طه. فكتب بتاريخ 21 يوليو الجاري خطاباً إلى شيخ الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب يدعوه إلى إعادة النظر في الفتوي التي صدرت عن لجنة الفتوى بالأزهر في يونيو 1972 بحق المفكر والداعية محمود محمد طه فنسبت فكره إلى “الكفر الصراح” ووسمته ب”المفكر الملحد”. وبني عبد الله الفكي رسالته على ما تواضع عليه الأزهر مؤخراً من فساد فكرة الردة. فخطب الإمام الأكبر في مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد الإسلامي (27-28 يناير 2020) يصف التكفير عن ردة فتنة ابتلينا بها ولا يقول بها إلا متجرئ على شرع الله أو جاهل بتعاليمه. وزاد:
ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتد على قائله فيبوء بإثمه. والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالي دون غيره. فإذا قال شخص عبارة تحتمل التكفير من تسع وتسعين وجهاً وتحتمل عدم التكفير من وجه فلا يرمى بالكفر لشبهة الاحتمال اعتداداً بقاعدة ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين.
واتخذ عبد الله الفكي هذا التفتح بالأزهر لحرية التفكير سبيلاً ليلتمس من شيخ الأزهر عوداً على بدء باعتبار فتوى الأزهر في 1972 كأن لم تكن. وفصّل عبد الله في وجوه توظيف هيئة علماء السودان ومحاكم الشرع والسياسيين والكتاب من أولى النزوع الديني تلك الفتوى لحصر الأستاذ محمود ودعوته وتلاميذه. وهو الحصر الذي انتهى باغتيال الأستاذ شنقاً بعد محكمة سياسية صراح في يناير 1985 واستتابة تلميذه بعنف مستل من محاكم التفتيش الأوربية.
لا أعرف حراسة لمكسب ثوري فينا استظل بمثل يقظة عبد الله. فمذكرته للأزهر دالة على سهر “ديدباني” الأمثولة. يصدر عن تفرغ مستقل لقضية حرية التفكير التي من أمهات مسائل الثورة. وهي قضيته هو كمشتغل بالفكر لم تلفت الثورة نظرها إليها. فقد سهد عليها والثورة في حكم الغيب بعد. وقَلّت عندنا هذه الثورة في الثورة أو السابقة للثورة. فكثير منا ما يزال عالة على الثورة يتسقط خبرها في حيز مجلس الوزراء من دخل ومن خرج. لم ينصرف كثيرنا بعد إلى ما يليه من شاغل فيواليه كأن الثورة غداً
ولقي الإسلاميون من الجانب الآخر تعديلات النائب العام القانونية ومنها الغاء المادة 126 باستهجان سوغ لهم الكذب البواق مثل قولهم إنها أباحت البغاء وشراب الخمر للجميع. مؤسف. ولا أعرف حركة ساقها عوار دولتها إلى الإغراق في المحلية مثل الحركة الغسلامية عندنا. فكفت عن شغفها الباكر بالعالم ووعثاء المسلمين فيه واكتفت بغنيمتها السودان. وأضرب مثلاً. في مؤتمر عام ما للحركة الإسلامية قبل الثورة تماسك أطرافها الحزز حول من يكون أمينها العام. وكنت نشرت في الأثناء على الجزيرة نت كلمة عن محنة الروهنقا التي تزامنت مع انعقاد المؤتمر. فعلق أحدهم، وقد رأى انصراف مؤتمر الحركة الإسلامية عن المحنة، يزكيني أميناً عاماً للحركة التي لم تعد تسهر على شيء سوى ضبط السودان وإدارته.
. واستغربت بالذات لهجومهم على الغاء المادة 126التي تجرم الردة. فما أعرف تضييقاً على حرية التعبير أثقل على الإسلاميين من زاعمي الحداثة مثل هذه المادة بصورها المتناسلة في القانون. وبقبحها. وتركنا شيخهم حسن الترابي وقد ضيق واسعها بعد لأي ليحصرها في الخارج على الدولة. ولكن أكثر ما أزعجني من إفراطهم في المحلية أنهم الآن هم من يلهب حكم الردة ذؤابة فكرهم كإخوان مسلمين في بلاد عربية كثيرة. فذبح انقلاب السيسي 800 شهيد من أنصار الرئيس الراحل المرحوم مرسي بأثر فتوى من الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي مصر. فدعا المفتي الجيش في أغسطس 2013 ليكون فظاً في مواجهة الإخوان المسلمين. ودعاهم ليطلقوا النار عليهم في القلب. وقال إن الله يبارك في من قتلهم وفي من قتلوه. كما دعا إلى تطهير مصر من تلك الرجرجة لأنهم عار مصر وزفارتها. وزاد بأنهم هكذا خلقهم ربهم منافقين وخوارج.
لم تحرك محنة الإخوان المسلمين تحت حد سيف الردة في مصر ساكن وجدان أخوان السودان. فلم يكن بوسعهم الاحتجاج على حكم الردة على لسان مفتي مصر والحكم عندهم في دولتهم إحدى أعظم أدوات قمعهم القانوني للفكر واستئصال المعارضة لنظامهم. لم تؤرقهم مقتلة زملائهم في مصر ليتدبر أهل الرأي منهم أمرهم والتنزل عند حرية الفكر. ومن المفارقة المعيبة أن يعترض الإخوان على الغاء المادة 126 وهي نفس المادة التي جز منطوقها رؤوسهم في مصر وما سيأتي.
سقطت الحركة الإسلامية السودانية دائماً في اختبار حرية الفكر واستحقاقه. وتتخفى من سقطتها في هذا الميدان العامر الآن بشغب لئيم عن معاش الناس كأن الحرية لغو. ولا يردهم إلى خيانتهم الطويلة لحرية التعبير إلا مثل نهوض عبد الله الفكي بما يليه من تبعة المثقف في حراسة هذه الحرية.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …