وأصابت امرأة
ناهد قرناص
سألتني مذيعة في لقاء عن تأثير العلوم البيطرية في شخصية الكاتبة عندي ..فقلت لها انني عندما درست البيطرة وفسيولوجيا الحيوان ..استطعت ان اضع نفسي في مكانها في منظومة الكون العريض ..فعندما تجد نفسك تشترك مع الحيوانات في اغلب الخصائص الفسيولوجية والغريزية ..تعرف انك لا تعد غير نقطة صغيرة في بحر عظيم من مخلوقات الله جل وعلا ….عندما تدرس علم الجينات وتكتشف انك تشترك مع الشمبانزي في اكثر من 90% من تسلسل الحمض النووي ..وانه اذا وضعنا تسلسل حمض نووي لشمبانزي وآخر لانسان ..ربما لن تستطيع التفرقة بينهما ..حينها فقط تعرف انك لا تعدو غير ان تكون (ذرة في بحر الزمن )…حينها عرفت ان الامر ليس هلال مريخ ..ولا ذكر وانثى ..نحن شركاء الحياة في هذا الكون ..لكل دوره والحياة لا تكتمل من دون الآخر ..
تعالت الاصوات احتجاجا على حكم النساء ..وتداولت الاسافير الكتابات الساخرة والتي تتهكم على تلك المناطق التي كان حظها ان تتولى النساء الحكم فيها ..ووصل الامر بالبعض على السخرية من وظائف النساء الطبيعية كالحمل والولادة والدورة الشهرية ..ولولا هذه الوظائف الطبيعية والحمل وهنا على وهن ..لم يأت هؤلاء الحياة ..ولولا امهاتهن اللاتي سهرن وتعبن وتابعن ..لم يتعلم هؤلا ويتدرجوا في العلم والمعرفة حتى اذا كبر احدهم وبلغ اشده ..كتب على الأسافير ساخرا ..(الوالي حامل ..الوالي عنده مغص)
هذا الشخص نفسه ..تجده يتعالج عند طبيبة ..ويذهب بكامل قواه العقلية الى مهندسة لتخطط له منزله المستقبلي ..وربما تسوقه قدماه ذات يوم الى محكمة ليجد امراة تترأس الجلسة ويناديها بمولانا ( فلانة )..وربما كانت المحامية امرأة ..تدعى استاذة علانة ..وهو ذات الشخص الذي يرسل اولاده الذكور لتلقي العلم في المدرسة على يد معلمات اناث ..والمديرة امراة ..يكمل معاملاته في مؤسسات الدولة عند نساء موظفات ..عادي يعني ..لكنه عندما تتولى شؤون المنطقة امرأة ..يملأ الدنيا صراخا وعويلا ..فتأمل.
احدهم كتب ساخرا ..انه جرت العادة عندهم استقبال الوالي بالذبائح وعمل (عزومة ) كبيرة على شرفه ..تساءل قائلا (هسه الوالي المرا دي ..تدخل من باب الحريم ولا ندخلها الديوان ؟)..اطمئن يا صديق ..ستدخل الوالي من باب النساء ..ذلك أن النساء عندهن المشاكل الحقيقية ..سيحكين لها بصدق عن المعاناة في قفة الملاح ..عن تلك الحيل التي يفعلنها لياكل الصغار وياخذ كل واحد منهن لقمة تقيه شر الجوع ..سيحكين لها عن مشاكل المياه وتلك المشاوير التي يقطعنها يوميا وهن يحملن (الجركانات ) من الآبار في قرى تقع على ضفاف النيل ..ستعرف منهن حجم المآسي في موت النساء في الولادة وارواح الاطفال التي تذهب جراء لسعات العقارب نتيجة غياب الامصال والكهرباء ..سيروين لها عن الفقر والجوع والجهل ..لن تطالب احداهن بمنصب ..ولن تجد الوالى نفسها محاطة بطلبات الاستثناء او طلبات منح الاراضي …ولا (كسارين التلج ).
لذلك اقول لذلك الاخ الذي امضى ليله ساهرا يفكر في هذا الامر ..(لا تقلق على الدكتورة في (حوش الحريم) ..فلولا هذا الحوش ما قامت (العزومة ) في حوش الرجال ).
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …