سيكولوجية المرأة والعنف – ١
الهام عبد الخالق
سأبدأ كتابتي هذه بقصة “كاثرين هوغارس” زوجة الكاتب الانجليزي الشهير شارلز ديكنز والذي قارب ان يصل في مكانته لمرتبة ملك بريطانيا وفِي مرحلة ما كانت كتاباته تغير السياسة البريطانية . ما لا يعرفه الجميع ان كاثرين حين تزوجت ديكنز كانت هي ايضا كاتبه ومسرحية وشاعرة ولها الكثير في شتي ضروب الفن. ولكن ما حدث انها انشغلت بالانجاب ورعاية زوجها الذي كان نجمه يصعد بسرعة الضؤ. انجبت كاثرين عشرة ابناء وبنات وطبيعي ان يصاب جسدها بالانهاك وروحها ايضا التي بذلتها دون شرط لدعم زوجها النجم الصاعد وبالتاكيد اسرتها الكبير. ولكن وبعد زواج دام اكثر من عشرين عام اغرم الكاتب الانجليزي الشهير بممثلة شابة تبلغ من العمر ١٨ عاماً. وحتي يتحايل علي القانون والدين الذي يمنع الطلاق انذاك وحتي يتسني له الاستمتاع بخليلته الشابة فبرك قصة مرض كاثرين النفسي وسعي جاهدا لادخالها مصحا نفسياً. وللاسف نجح في ذلك .عانت كاثرين الامرين وبعد ان دفعت عمرها لتاسيس اسرة ودعم الكاتب الكبير ماتت وحيدة . قصة كاثرين وشارلز ديكنز قصة تتكرر منذ القرن التاسع عشر بحذافيرها في كل المجتمعات دون استثناء. وفِي واقعنا السوداني كم بزغ نجم مبدعات في كل نواحي الفن بزوغ في وضاءته يخيل اليك ان سوداننا قد انجب فنانة ستكون ورديا نسائيا هذا ان كانت مغنية او صلحياً مجيدا ان كانت تشكيلية او او .. الخ . ويحدث ان تحرمنا المؤسسة الزوجية او الاسرة الا فيما ندر من الاستمتاع بموهبة هذه الفنانة او تلك .موضوع مؤسساتنا والسودان كلام ذو شجون والحديث عنه يطول لي عودة اليه . ولكني ساواصل في سيكولوجية المراة والعنف . اشرت الي قصة شارلز ديكنز كمقدمة لسببين الاول حتي الفت نظر القارئ لحقيقة صادمة وهي ان التركيبة الاجتماعية السائدة ودون مجهود يمكن ان تكبح تطور اعظم امراة موهوبة وفِي الوقت نفسه تصنع من رجل متواضع الموهبة اعظم اسطورة . ثانيا ان البنية المجتمعية الان لم تبرح كثيرا التركيبة الاجتماعية التي سادت في القرن التاسع عشر . مع الاعتراف باختلاف تفاصيل عريضة وعلي مستوي يتراوح في عمقه بين المجتمعات المختلفة وثقافاتها المتعددة . ولكن تظل البني الاجتماعية محاصرة بمحددات كثيرة اما في الوعي الجمعي او قوانين المجتمع الغير مكتوبة دون استثناء في كل المجتمعات شرقية ام غربية. بدليل ان العنف لا ثقافة ولا لون ولا طبقة له بل يمتد دون استثناء.
ان العنف ضد النساء سوأ ان كان عنف افراد او عنف مؤسسي يؤثر علي المراة تاثيرا نفسيا حادا . العنف الذي اتحدث عنه هنا ليس بالضرورة العنف الجسدي وانما اشكال العنف الغير مرئية والتي تتعرض لها الفتيات والنساء بشكل يومي. اكثر اشكال العنف هي التمييز اليومي الذي تتعرض له الفتيات والنساء ويتمظهر هذا في عدة اشكال ، من تمييز علي اساس النوع في مواقع العمل وفِي تقسيم العمل المنزلي وفِي التحرش الذي تتعرض له النساء في الشارع وفِي العمل ومقاعد الدراسة واحيانا في المحيط الاسري . في دراسة تحت عنوان The Politics of Madness – سياسة الجنون تحدثت الكاتبة عن كيف ان المحددات الاجتماعية والقهر الممارس علي النساء تنتج عنه ردودفعل طبيعة من قبل النساء ولكنها وبكل اسف تندرج فيما بعد كتصنيفات ومسميات لامراض نفسية تضاف لل DSM وهو دليل التصنيف الاحصائي ان صحت الترجمة والذي يحتوي علي كل تشخيصات الاشكالات النفسية في العالم . اثبتت احدث الدراسات ان التشخيص النفسي المسمي Multiple personality Disorder اضطراب تعدد الشخصيات هو اضطراب ملازم لنسبة ٩٩٪ من النساء اللاتي تعرضن للتحرش او الاعتداء الجنسي في طفولتهن وان هذا الاضطراب في الواقع ليس بخلل نفسي وانما وسيلة تأقلم يلجأ لها العقل الباطن بغرض حماية الضحية / الناجية وحتي يتسني لها ممارسة حياتها بشكل عادي . سافرد لهذا الاضطراب مقالا منفصلا فقد قدمت العالمة النسوية وبروفيسور الطب النفسي في جامعة هارفارد جوديث هرمان سفرا عظيما يجب ان لا يستغني عنه اي شخص عامل في مجال الطب او العلاج النفسي وهو كتاب ” الازمة والتعافي ” Trauma and Recovery.
الهام عبدالخالق ٢٨ يوليو ٢٠٢٠
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …