‫الرئيسية‬ رأي الصادق المهدي والخذلان التاريخي
رأي - أغسطس 5, 2020

الصادق المهدي والخذلان التاريخي

د. حامد بشري السيد حامد

اللهم لا تجعل في قلوبنا ركوناً لشيئ من الدنيا يا أرحم الراحمين
راتب الأمام المهدي
خطبة الأئمة لها وقع خاص في نفوس المسلمين وغالباً ما تكون مرآة لخط سياسي ودعائي يتبناه المصلون وحتي أولئك الذين لم تسمح لهم الظروف بحضورها فهي تعتبر من أدوات التوعية والتذكير بما يجب أتباعه في الجانب الروحي والمعيشي وفي كثير من الحالات خاصة في العالم الأسلامي تُستغل خُطب العيدين والجُمع أما لتأيد التبعية والتطبيل للحاكم الظالم أو الدعوة لمجابهة الطغيان ومحاربته والسير في خُطي التغيير وفي هذا أتباع لقول المصطفي ( من رأي منكم منكراً فليغيره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان ) رواه مسلم . وما خطب الأمام الخميني وأسهامها في الثورة الأيرانية ببعيدة عن الأذهان . وبالرجوع لطائفة الأنصار نجد انه ليس هنالك موقف ثابت للسيد الأمام الصادق من المنابر الدينية وأستغلالها في أستنفار مشاعر المسلمين ضد الحكام الفاسدين خلافاً للائمة السابقين ( الامام عبداالرحمن والصديق والهادي ) أضف الي أن الأمام أعطي أنطباعاً بأنه وحده لا شريك له (بحكم وضع اليد علي الأمامة) رغم وجود جسم يعبر عن شئون الانصار أن يُحلل ويُحرم الدعوة من المنابر حسب رغبته الشخصية ، مما أفقده كثيراً من المصداقية .
وبالرجوع الي الوراء قليلاً في نوفمبر من عام 2012 حينما كان الشارع مرجلاً يغلي في أجتماعاتٍ سرية وأختفاءٍ وأعتقالاتٍ وقتلٍ من قبل أجهزة النظام البائد لعناصر المعارضة وتحضيرات للأنتفاضة خرجت المظاهرات من كل فجٍ وشارع ٍوأستُغلت في التعبئة لهذا الحراك الجماهيري دور العبادة وخاصة بعد صلاة الجُمع . وتندراً بما كان يطلقه السفهاء من الحكام علي المعارضة بساقط القول مثل ” الحس كوعك” أو شذاذ الآفاق ” تبنت مظاهرات قوي الانتفاضة هذه الأسماء للتنادي بالتظاهر . وفي جمعة 6 يوليو تمت تسمية المظاهرة بجمعة ” شذاذ الأفاق ” وفيها خرجت مظاهرة من جامع السيد عبدالرحمن بودنوباوي حيث كانت أعناق المصلين مشرئبة لرؤية أمامهم قائداً لهذه المظاهرة أو أضعف الايمان مشاركاً فيها وسط حماية جماهيره من شباب أنصاره وهي السانحة التي جاءته في مرقده وتطابقت مع رؤيته السياسية التي كان يعبر عنها ب ” الجهاد المدني ” . ورغم كل الظروف المواتية للأمام الصادق في ذلك الوقت أن يقود هذه المظاهرة الا أنه لم يفعل ذلك ولم يصدر بيان بعدم المشاركة في التظاهر من كيان الأنصار بل بالعكس تجاهل الأمام المؤسسية التي يدعو لها وأتخذ القرار بصورة فردية او أسرية حيث أتي علي النقيض بما يجيش في صدور أنصاره بالمقاومة المدنية والتي كان مُعولاً علي حزب الأمة ليس الاسهام فيها بل قيادتها فصدر قرار ضد رغبتهم في الخروج وتصدر المشهد السياسي مما تسبب لاحقاً في أحباط وخذلان الشارع بدعوي المخاوف من ” الصوملة ” كما عبر بذلك الامام . وليته وقف عند هذا وأنما تم أصدار بيان يفيد بأن المساجد هي أماكن عبادة فقط ، ولا يجوز أن تُستغل في عمل سياسي، متناسياً أن هذا المسجد تحديداً لم يقف دوره علي العبادة فقط وأنما كان بمثابة رأس الرمح العسكري في مارس 1970 وذلك فيما عرف بــ (أحداث ودنوباوي) في عهد الأمام الهادي كما شهد مسجد الخليفة عبد الله بأمدرمان أيضاً، مواجهة عسكرية سابقة مع نظام عبود في ذكري المولد النبوي الشريف في 21 أغسطس 1961 حيث أستشهد 12 من الأنصار بخلاف الجرحى أبان عهد الأمام الصديق ، أضافة الي مسجد جامع الكون بالجزيرة أبا حينما شكل ساحة وغي ضد نظام النميري في أول عهده . لذا كانت دعوة الأمام بأن المساجد هي دور للعبادة فقط تطعن في حكمة وصواب القرارات التي أتخذها من سبقوه في أمامة كيان الأنصار .
موقف المنزلة بين المنزلتين الذي أتخذه الأمام في سبتمبر 2013 كان من العوامل التي ساهمت بصورة مباشرة في تحفيز القوات الأمنية لقمع وقتل المتظاهرين وفي هذا لم يتبع الحديث الشريف عن أبن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (ص) ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والامام راعٍ ، ومسئول عن رعيته ) . مسئولية الرعاية تتمثل في الخروج ضد الحاكم الظالم لتقليل عدد الضحايا من المسلمين وأصحاب الملل المختلفة وليس الصمت لازهاق مزيدٍ من الأرواح . حينما كانت المظاهرات تطالب الأمام بالخروج والوقوف معها ومساندتها كان أبنه عبدالرحمن الذي يشاركه الطعام والشراب يتولي منصباً رفيعاً مساعداً للطاغية بقصر غردون وعندها رجحت عند الأمام كفة الوقوف الي جانب المساعد وخائب الرجاء مقابل كفة الشعب. هذا هو الأمام ومواقفه .
الخروج علي الحاكم ليس بالضرورة يعني دعوة للحرابة ولكن المطلوب من الخروج أن يتطابق مع الموقف السليم الذي يتسق مع المنطق والعقل ويقرأ المزاج العام ويحتكم الي رأي الشارع وتطلعاته في حكم يرسي قواعد الديمقراطية ويؤمنْ الحريات الاساسية للمواطنيين ويتعامل مع دور العبادة كما يجب .
أما في خطبة عيد الفطر من هذا العام فاجأنا الامام بما يلي حيث ذكر أنه أستشار شيخ الازهر عام 1997 في بداية التجربة ووجه له هذه الأسئلة :
هل يجوز الانقلاب العسكري لتطبيق الشريعة؟ قال: لا
هل يجوز إقامة نظام سياسي على الاكراه باسم الشريعة؟ قال: لا
هل يجوز لفئة حزبية أن تستأثر بالسلطة والمال تمكيناً لأنفسهم باسم الشريعة؟ قال: لا
هل يجوز الاستيلاء على السلطة أولاً بأسلوب المكيدة وبعد أكثر من عام مطالبة الناس بالبيعة؟ قال: لا
هل يجوز تطبيق الزكاة على الدخول وعلى المعاملات التجارية كضريبة مضافة دون مراعاة حالة المزكي الاجتماعية؟ قال: لا
هل يجوز أن يصنف حاكم معارضيه كفرة ويعلن عليهم الجهاد؟ قال: لا
قلت هذا هو حالنا في السودان. قال كان الله في عونكم
أنتهي الأقتباس من الخطبة
مع العلم أن عام 1997 الذي وجه فيه الأمام هذه الأسئلة للشيخ لم يكن بداية التجربة وانما مضي عليها قرابة العقد حيث أستبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود وشهد أسوأ سنوات حكم الأنقاذ مُورس التعذيب والاختفاء القسري وبيوت الأشباح والفصل من العمل وقطع الرقاب والارزاق علي أوسع نطاق أضافة الي دق طبول الحرب الأصلاً مستعرة في جنوب القطر جراء فرض الدولة الدينية . وفي هذا المقام يحق لنا أن نسأل الأمام ، ما الداعي أساساً لتوجية الأسئلة والمشورة وأخذ الفتوي من الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر لشخص مثل الأمام يدعي ويُصرح علي الملأ أن له صفات نادرة وفريدة وليس موجودة لا في العالم العربي او الأسلامي كما ذكر في مقابلة له في قناة الشروق . أضافة الي أنه بهذه الأسئلة يفتح باباً للتدخلات الاجنبية .
ثالثة الأثافي بعد كل هذه اللآت وفتاوي شيخ الأزهر والأستجداء والمناشدة بعثتُ برسالة لقوي المعارضة بعنوان ” أنتفاضة شباب أهل الجنة ومواقف المعارضة بتاريخ 21 أكتوبر 2013 (سودانايل) وناشدت فيها الأمام أن يقف في صف المتظاهرين . وفي ديسمبر من نفس العام بعد شهرين ونيف من هذه المناشدة حيث لم تمض علي أنتافضة سبتمبر التي راح ضحيتها أكثر من 200 شهيد بأوامر مباشرة من البشير ورئيس جهاز أمنه محمد عطا أذ أري فيما يري النائم في أجهزة الأعلام الرسمية ووسائل التواصل السيد الصادق متقلداً لوسام الجمهورية ويُقرأ وسام (العار) من عمر البشير . فتأكدت من حقيقة الحكمة السودانية ” الرايحة ما بتسمع الصايحة” هذا التكريم في حده الأدني يعبر عن أمتنان من المجرم القاتل رئيس الجمهورية للسيد الصادق نظير الخدمات التي قدمها المُحتفي به في المساجد وأماكن أخري للمساعدة في كبح جماح المتظاهرين .
كما تطرق السيد الصادق في خطبة العيد للعلمانية بما يلي ” من هذا المنطلق أعلن بعض من مكونات الحرية والتغيير وحلفاؤهم تجمعاً علمانوياً بعنوان: الحلف الاستراتيجي لتوطين واستدامة الديمقراطية في السودان . أنشطة هؤلاء وتصريحاتهم تساوي بين الإسلام وبين تجربة النظام المباد. هؤلاء يعلمون أن أغلبية المسلمين في السودان يرفضون محاكمة الإسلام بحيثيات النظام المباد، وكذلك يرفضون العلمانوية بل أن تصريحاتهم وطموحاتهم أدت إلى ردة فعل في أتجاه مضاد فتكونت حركة غلو باسم الإسلام، واستغلتها قوى الردة للتخويف من الثورة والتباكي على النظام المباد”. أنتهي الأقتباس
ما ورد علي لسان الأمام ليس صحيحاً والحديث عن الدولة المدنية لم ينطرح بهذه الصورة وهي ليست من مهام الفترة الأنتقالية ومتروك للمؤتمر الدستوري ليقرر في أمرها. ثانياً، ماذا يضير حتي أذا أنطرح شعار الدولة المدنية أو العلمانية . الم يصرح السيد الصادق بعضمة لسانه أبان توليه رئاسة الوزارة في فترة الديمقراطية الثالثة بأن قوانين سبتمبر (الشريعة الأسلامية) التي نحتكم بها الآن لا تساوي الحبر الذي كتُبت به . علي الرغم من هذا التصريح الذي أتي من رئيس حكومة ديمقراطية منتخبة الا أنه لم يملك القرار ولا الشجاعة ولا النظرة الثاقبة لالغاء هذه القوانين التي فرضها طاغية معتوه بأيحاء من صهر الأمام المهووس لانه كان مُسيراً من جماعة الأخوان الغير مسلمين . بالغاء هذه القوانين كان يمكن الحفاظ علي السودان موحداً وتفادي الخسائر في الارواح والارض . لذا يعتبر الأمام مسؤول ضمنياً عن هذه الأرواح التي أزهقت بعدم أتخاذه للقرار السليم . وهل حديث الصادق المهدي بأن قوانين سبتمبر لا تساوي الحبر الذي كتبت به للأستهلاك والمضمضة السياسية حيث يجوز النطق به حينما يكون سيادته علي رأس نظامٍ ديمقراطي ويتراجع عنه بل يتحول الي النقيض عندما يصبح الامام جزء من قوي الثورة والتغيير التي تطالب بالعلمانية . الكيل بميكالين لا يصلح وخاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية . وكما أُجبر الصادق علي الموافقة بفصل الدين عن السياسة في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية في عام 1995 في حضرة آباء السياسة السودانية الذين عاصروه منذ أن كان في المهد التيجاني الطيب ، منصور خالد ، فاطمة أحمد أبرهيم ، فاروق أبوعيسي ، علي محمود حسنين ، جون قرنق ، نُقد فأن أنتقالهم للرفيق الأعلي ليس سبباً بان يستقوي الأمام علي شباب الثورة التي بهرت كل العالم الأ شخصه الذي سماها في بدايتها ببوخة المرقه وغيرها من التعابير التي لا تليق بدماء الشهداء وليته أستذكر مقولة جده ” هم رجال ونحن رجال ” . وقريباً هؤلاء الشباب سيجبرونه علي الأنصياع لرأيهم . ثانياً نقول للسيد الأمام أن الذين يرون ضرورة محاكمة الاسلام بحيثيات النظام المباد جاء بناءً علي تجربتهم التي عاشوها لثلاثين عاماً حيث أذاقهم هذا الأسلام السياسي العذاب وسوء المصير ولم يروا خيراً فيه وبكل أعتزاز وفخر يا أبا أم سلمة أنهم ليست أقلية كما جاء ضمناً في خطبتك وأنما هم أغلبية مسلمي السودان . وثالثاً الم تري يا السيد الامام أن الوقت قد حان للأستجابة لاحد أهم مطالب أهالي جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور بفصل الدين عن الدولة ووقف نذير الحرب التي تدور رحاها في هذه المناطق أم تريد أن تُزهق مزيداً من الأرواح قبل أن يتحقق هذا المطلب الأنساني .
حركة الغلو بأسم الاسلام لم تتكون كرد فعل لسياسات قوي الحرية والتغيير وأنما أنطرحت مع بداية فكرة الدستور الأسلامي في عام 1968 وبدأ التنفيذ علي أرض الواقع حينما أستولي تنظيم الجبهة الأسلامية القومية علي السلطة بأنقلابه الدموي في 30 يونيو والذي بسببه أفتقدنا ملايين الارواح أضافة الي ثلث القطر وحالياً أصبح مهدداً للسلام ووحدة الوطن ويقف علي رأس هذه الدعوة عبدالحي والجزولي والطيب مصطفي وبقية فلول المؤتمر الوطني والشعبي والذين قاموا بزيارتك مُوخراً حينما شعروا بأن أمتيازاتها الدنيوية في طريقها الي الزوال. وأنت يا سيد العارفين تعلم أن الغلو ليس هو دفاعاً عن الأسلام وأنما محاولة فاشلة للمحافظة علي الثروات والكنوز التي تم جنيها بأسم الأسلام . ولا أحسب أن المواطن بأبا أو النيل الأبيض أو كردفان بعد 30 سنه من قطع الأرزاق والمعاناة والاهمال من جانب سيادتكم في أمورهم الحياتية أن يعير هذا الغلو أهتماماً حتي لو أتاهم من بيت المهدي لذا من المصلحة أن لا تقف في صف الدعوة مع الغلاة لكي تستغلها قوي الردة للتخويف من الثورة والتباكي علي النظام المباد . الجميع يعلم أن الأسلام لا يحتاج الي هذا الغلو والمتاجرة بأسمه وله رب يحميه من كل الشدائد والمصائب . وليست هذه السانحة مناسبة لان نتطرق لمن يقف ضد الدولة العلمانية ومدي التزامهم باركان الاسلام الخمسة من زكاة وحج الي بيت الله الحرام وحقيقة أتمني أن أكون مخطئاً حيث لم أسمع أو أقرأ أنك أديت الفريضة علي الرغم من توفر شرط الاستطاعة.
ذكرت في خطبتك ” أنك تمثل الشرعية التاريخية وشرعية التصدي لكل نظم الطغاة والشرعية الوطنية منذ أستقلال السودان الأول ثم الثاني والوزن الشعبي الأكبر . ولاننا الوحيدون الذين لم نشارك النظام المباد في اي مستوي ووحدنا لم نعترف بشرعية دستوره الأخير ، وبدلالة طوافنا بعد الثورة .” أنتهي الأقتباس
هذا الحديث ( التصدي لكل نظم الطغاة ) عار من الصحة وتنافي متعمد للمرور ولو علي أستحياء للاتفاقيات التي وقعتها مع نظام الأنقاذ . الرجاء الرجوع الي مقالة الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان التي نُشرت بتاريخ 20 أيار 2019 وبها تواريخ وأماكن توقيع هذه الأتفاقيات . أما الحديث عن (الشرعية التاريخية) فيعطي القارئ أنطباعاً وكانما يريد السيد الصادق أن ننسي كل هذه الحقب التي مررنا بها في عهد الأنقاذ ونعيده ثانية الي حكم البلاد متناسياً أن الشرعية التي يطالب بأعادتها جردها منه عمر البشير بمحض أرادته عندما قبل وسام الجمهورية منه وحينها لم يدعي أنه الرئيس الشرعي أمام عمر البشير . وأذا فُهم أن سعيه الحثيث للتعجيل بنهاية الفترة الانتقالية أو فرض الرأي بأنه يرفض تمديد الفترة سيتيح له الرجوع مرة ثالثة الي مقاليد الحكم فهو خاطئ وعليه أن يعيد حساباته . السيد الصادق شخصياً تجرع الهزيمة في الأنتخابات للجمعية التأسيسية في مايو 1968 حتي في دائرة كوستي الجنوبية عندما خسر مقعده في البرلمان الذي أستحقه من دون وجه حق أمام مرشح حزب الأمة الثاني ( جناح الأمام الهادي ) السيد محمد داؤد الخليفة . وقديماً قالت العرب من جرب المجرب حلت به الندامة .
أذا تناسينا عمداً المحاولات التي قام بها الأمام وأدت لهدم كيان الانصار منذ أن بدأ الخلاف مع عمه الامام الهادي بدعوته لتحديث الكيان نجد أنه فشل ليس في التحديث والتجديد وأنما حتي في الحفاظ علي القاعدة الجماهيرية السابقة التي كان يستند عليها وما أستقبال الأمام بعد الثورة في دارفور أحدي معاقل طائفة الأنصار الا دليلاً علي ذلك . تصدع كيان الأنصار بعضاً منه يرجع الي الطموحات الشخصية التي تسببت في شرخ البيت الكبير ، بعد أن كان بيت المهدي الذي يضم خلفائه أصبح بيت الصادق المهدي وأصهاره وسبب آخر للتصدع يرجع الي عدم وضوح الرؤية للتجديد.
الدعوة لخروج حزب الامة بقيادة الأمام من الملة السياسية أصبح ديدن السيد الصادق منذ أيام التجمع في التسعينات ، وذلك ليس لانه ضد برنامج وأطروحات المعارضة وليس لانه غير متفق مع برنامج الفترة الأنتقالية المطروح حالياً والذي هو جزء منها وأنما تكمن المعضلة الأساسية في أن الأمام يريد من كل المكونات السياسيه والمجتمع المدني أن يتبعوه في خط سيره بغض النظر عن أشارات المرور التي تحكم خط السير وبغض النظر عن تغيير الأحوال الجوية في الشارع السياسي السوداني وأذا لم يتحقق له ما يريد أتخذ موقف الحردان وهو موقف غير يليق بزعيم سياسي يريد ان يطرح مشروعاً قومياً لمعالجة المشكلة السودانية التي ما برح يعاني منها شعب السودان منذ الأستقلال . بكل هذه العثرات يريد السيد الصادق أن يقود الحرية والتغيير وأن يقود الثورة التي كانت نسبة مشاركته فيها ضئيلة علي أحسن الأحوال عكس جماهير حزب الامة وشبابه الذين شقوا عصاة الطاعة علي الأمام وكان لهم قدح معلي في النضال ضد الديكتاتورية وخاصة سكان الريف حيث ذاقوا الأمرين وأبلوا بلاءً حسناً في السجون والمعتقلات والمهاجر . من واجب الأمام أن يشكر الجميع علي سعة صدرهم وقبولهم له كمساهم في هذه الشراكة وليس قائداً لعبور المرحلة الأنتقاليه كما يشتهي . وليس كل ما يشتهي المرء يناله .
أما فيما يخص خطبة عيد الأضحي هذا العام فأتي بما لم يأت به الأولين حيث بدأ يدغدغ مشاعر القوات المسلحة والدعم السريع وجهاز الأمن للوقوف مع برنامجه السياسي بنفي الأتهام عنهم من مسؤولية فض الأعتصام حيث جاء في حديثة .” واتجه كثيرون نحو الأعتصامات والمظاهرات التي بلغت شأوها في الاعتصام أمام القيادة العامة ولم تبطش به كما يتوقع والمفاجأة الثانية أن اللجنة الأمنية التي كونها الطاغية من القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز الأمن رفضت الانصياع لأوامره وقررت خلعه “. يا السيد الأمام هؤلاء لم يقوموا بالبطش فقط وأنما هم من قاموا بالسحل والحرق والقتل والكباشي شهد علي ذلك .
وفي حديث معيب للأمام عن الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك الي كاودا لم يجعل منها محمدة بل جعل منها منقصة في أداء الحكومة الأنتقالية ” السلطة المدنية اتخذت مواقف انفرادية في دعوة الأمم المتحدة لوصاية على البلاد، وفي زيارة لكاودا مخلة، وناقش قضايا خارج تفويض الحكم الانتقالي ” يا السيد رئيس حزب الأمة كاودا هذا تقع في الحدود السودانية وليس خارجها ، ونتمني أن تتكرر هذه الزيارة من حمدوك ووزرائه ليس لكاودا فقط وأنما لحلايب والفشقة .
والحديث للسيد الصادق : لذلك قدم حزبنا نقداً موضوعياً لأداء الفترة الانتقالية واعتبرها بالمقاييس الموضوعية فاشلة . رئيس الوزراء حل مجلس الوزراء بصورة انفرادية سوف تأتي بمجلس لا يقل سوءاً عن المجلس المنصرف .
ما هي المقاييس الموضوعية التي أحتكم عليها السيد الأمام ؟ وهل تمت مقارنتها بما قبل الثورة أو حتي أثناء فترة حكمه الأخيرة التي سلمها أو أستلمت السلطة من بعده الجبهة الأسلامية . هذه دعاية مجانية من السيد الصادق للعمل لاجهاض الفترة الأنتقالية وبدأ سيادته في التعبئة لها من منبر عيد الأضحي .
مواصلة في خطبة الأمام : (التجمع انقسم إلى ثلاث فئات استأثرت العناصر الشيوعية بإحداها، واتخذت خطوة جديدة بإبرام تحالف مع الحركة الشعبية-شمال بقيادة السيد عبد العزيز الحلو. هكذا تكون تكتل علمانوي يحظى بدعم خارجي تقدمه القوى اليمينية الأمريكية الإنجيلية، فهؤلاء يدعمون تقرير المصير مستهدفين تقسيم السودان.) لم نتعود من السيد الصادق أن يرمي الحديث علي عواهنه . وحديثه عن دعم القوي اليمينية الامريكية الانجليه لحق تقرير المصير لاقليم جبال النوبة نطالبه كمستمعين أن يؤكد لنا هذا الأتهام أو أن يعتذر علي الرغم من أن سيادته لم يُجبل علي ممارسة ثقافة الأعتذار وبالرجوع للتاريخ القريب وأستذكار مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية نجد في الوثائق موافقة القوي السياسية التي كان حزب الامة جزءً منها علي أعطاء جنوب السودان حق تقرير المصير . وفي الحال يتبادر سؤال الي الذهن هل كان السيد الصادق يتبني رأي الأخوان المسلمين بالوكالة ويري في ذهاب الجنوب مصلحة للسودان الشمالي حيث تسير الخطي حثيثة بعد تقرير المصير لجنوب السودان في أتجاه رفض الدولة العلمانية في الشمال ؟ ورغم عداء الامام السافر للعلمانية الأ أن دولاً أسلامية كثيرة عدد سكانها يفوق عشرات المرات عدد سكان الخليج العربي مضافاً اليه المملكة العربية جعلت العلمانية مضمنة في دساتيرها مثال ( ماليزيا ، أندنوسيا، تركيا ، أزربجان ، ….الخ ) وتسير في طريق التقدم . الملاحظ أن هذا الطرح الذي يقوده سيادة الأمام واستنكاره للعلمانية لم يجرؤ علي التصريح به في أجتماعاته مع نادي باريس أو في مدريد وفي هذا أنتهج نفس منهج الترابي حينما يتحدث بلسانين أحداهما للداخل والثاني للخارج . أضافة الي أن شعب السودان ظل لثلاثة عقود تحت حكم شريعة أسلامية مدغمسة وأنجز ثورة شهد له بها كل العالم فله الحق أن يجرب حكم الدولة العلماني لنفس الفترة ويمكن بعد ذلك أن يُستفتي بأي دستور يريد أن يُحكم .
” القوى الوطنية الديمقراطية ساعية لتحقيق السلام العادل الشامل ولتحقيق المساواة في المواطنية، وضبط التوجه الإسلامي والعربي والأفريقي بصورة توفق بين التأصيل والتحديث، ونحن على رأسها، وسوف نعمل على تكوين قوى الوسط السياسي الذي سوف يجمع قوى بناء الوطن وخلاصه من براثن الإسلاموية والعلمانوية . القوات المسلحة بكافة مكوناتها والدعم السريع قوى وطنية جعلتها وطنيتها ترفض دموية المخلوع وتنحاز للشعب. وهي الآن مطالبة بالانحياز لأجندة بناء الوطن وحمايته من الانجراف نحو الردة الإسلاموية والاستلاب العلمانوي” هذه دعوة يتولي مسؤوليتها وأمرها السيد الامام للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع بالعدول عن الموقف الوطني الحيادي والوقوف الي جانب قوي الوسط السياسي التي يدعو لها السيد الصادق لكي تخلص الوطن من براثن الاسلاموية والعلمانوية . وفي الحقيقة الدعوة المقصود منها تخليص الوطن من العلمانية فقط . و المقصود من أتحاد قوي الأجندة الوطنية هو جمع شمل أي قوي تقف ضد القوي العلمانية التي تجعل من دستور البلاد علي مسافة واحدة من كل الأديان والمعتقدات .
بيدي لا بيد عمرو
الامام من حيث لا يدري تساهم مواقفه وأطروحاته من الحراك السياسي والثورة وقواها في وضع نهاية للطائفية وآخر مساعية في هذا الاتجاه موقفه الأخير الغير مدروس من أختيار الولاة حينما قبلوا التكليف وخسر الامام المعركة نتيجة لتعنته ومحاولاته وضع العراقيل أمام قطار الثورة . ولانقاذ هذا الكيان التاريخي الهام مطلوب من المنضوين تحت لوائه أن يساهموا في بث روح الديمقراطية في الحياة الحزبية وجعل الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وأن تسود الشفافية مصادر تمويل الحزب بمساهمات العضوية في تغذية هذه المصادر حتي تكون أهليتهم بالتساوي مع أهل البيت أما أذا أستمر الامام وأصهاره في التمويل وتقديم الرشاوي السياسية من شراء للسيارات وخلافه لكل من يرفع الصوت المعارض أو المؤيد في الحزب أضافة الي عدم الشفافية في توضيح مصادر التمويل فعلي الدنيا السلام . هذا الوضع المختل سيجعل يده وأهل بيته هي العليا وانهم أصحاب القرار وهنا يصبح لا فكاك من الجمود بغض النظر عن المائة كتاب التي أشار الي أنه مؤلفها في المقابلة آنفة الذكر مع قناة الشروق . المطلوب أن يشرع شباب الحزب وجنوده الأشاوس في كبح جماح الأمام وأسرته ومن هم في القيادة من أتخاذ القرارات الفردية وأن يحتكموا الي لائحة يشارك جميع أعضاء الحزب في صياغتها .
هذا بأختصار ما جاء في خطبة الامام في العيدين والخطابين يدعوان الي التعصب الديني ووضع المتاريس أمام الثورة والوقوف في طريق السلام ونهضة وتقدم السودان .
اللهم أني قد بلغت فأشهد

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …