سد النهضة والاختبار الصعب لمدنية المدنية!
محمد فاروق سلمان
كتبت في نوفمبر ٢٠١٧ (*) عن لقاء لـ د. سلمان محمد سلمان في قناة فضائية سودانية (S24) وهو اضافة لنشاطه البحثي المعروف في العمل العام وكتابات قيمة له في الصراع السياسي السوداني، (الاشهر بينها توثيقه لاستقلال الجنوب ودور القوى المدنية فيه في كتاب صدر في ابريل ٢٠١٦: “إنفصال جنوب السودان، دور ومسئولية القوى السياسية الشمالية”. هو ايضا خبير قانوني اممي في المياه، وكنت قد انتقدت انحيازه الواضح للموقف الاثيوبي عبر حصر الموضوع في اطار قانوني، وهو جانب واحد لا يمكن التاسيس عليه في مشروع بهذا الحجم؛ اذ تبلغ سعة السد حوالي ٨٠ مليار وهو رغم كونه يقام على اراضي اثيوبية الا ان مصبه (down stream) كلية يقع في السودان مما يجعل اغلب المخاطر المستمرة تقع في العمق السوداني (وهي مخاطر متعددة دون اعتبار انهيار السد كامر غير وارد او intention) وتاثيره يمتد طبعا حتى مصر بشكل لا يمكن حتى مقارنته بخزان جبل اولياء (سعته ٣.٥ مليار متر مكعب من المياه فقط!) والذي رغم كونه داخل السودان الا ان تشييده وادارته كانت تتبع مباشرة للري المصري منذ ١٩٣٧ وحتى انشاء السد العالي بنهاية ١٩٧٠ بسعة تخزينية للمياه تبلغ ضعف سعة سد النهضة الاثيوبي (حوالي ١٦٤ مليار م مكعب).
مع تقديري لخبرة د سلمان محمد سلمان القانونية، الا ان التاسيس على الحق من وجهة نظر القانون ياتي لاحقا لجوانب اخرى تتجاوز الجوانب الفنية من ناحية الهندسة للتاثيرات الممتدة لهكذا مشاريع على الديموغرافيا والبيئة ايضا، وقد عرفت لاحقا من الصديق محمد عثمان فاضلابي ان د. سلمان نفسه قد عمل مستشارا للحكومة الاثيوبية في السد، وهو امر مكفول له طبعا بحكم خبرته ومؤهلاته لكن لا يضع رايه في اطار خبير مستقل ناهيك عن التعاطي معه كخبير وطني بالنسبة لنا (وفق ما قاله فاضلابي وهو من السودانيين المتابعين بكثافة بحكم نشاطه في معارضة سد النهضة)!
البحث عن موقف سوداني جديد من السد وفق هذه الانتباهة (المتأخرة) من وزير الري السوداني بروفيسور ياسر عباس وفق ما اوردته سونا مؤخرا بتاريخ ٤ اغسطس ٢٠٢٠ (**) وتعبيره عن مخاوف جدية الان هو امر كان من صميم واجبه توقيها، واظن ان بحث الموقف السوداني الجديد من السد ووفق نظرة استراتيجية على نحو ما دعا اليه د. خالد التيجاني Khalid Tigani في مقاله بتاريخ ٢٧ يوليو ٢٠٢٠؛ “ابعد من مجرد سد: “إثيوبيا تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة”** ودعوته عبره لرسم خرطة جديدة للمصالح السودانية الاستراتيجية تستند على نظرية شاملة للامن القومي، قد تقتضي مخاطبتها اكثر من خطاب السيد وزير الري والموارد المائية السوداني الى وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في التعبير عن قلقه مما اعتبره تطور كبير وتغيير في الموقف الاثيوبي! لضرورة استقالة السيد الوزير نفسه الان كون مشروع بهذا الحجم لا يمكن ان تطرأ عليه تطورات كبيرة او تغيرات هكذا دون ان تكون من اصل المشروع نفسه غابت عليه، وعلى السودان حفظ ماء وجهه الان في ارسال رسالة تعبر عن التغيير في سياساته لا لحفظ ماء حياته لوحده ولكن حياة الاقليم بالضرورة من خلال مخاطبة مصالح مشتركة ومصيرية بين الدول الثلاثة.
لم اتطرق كثيرا لموضوع سد النهضة الا في نقاشات ومتابعات مع قبيلتي من المهندسين وبعض الاصدقاء ايضا في مصر واثيوبيا كون الموضوع اكثر جدية من طريقة التداول (السياسي) هذه من الدول الثلاثة وانظمتها المضطربة وفق اتفاقها على استراتيجية واحدة هي الاوضح من السد حتى الان: NO DEAL CLOSURE وفق تعبير احد الاصدقاء في وصف الاستراتيجية الرسمية لهذه الدول، وقد تباينت مواقف الجميع حوله بشكل جعل منه فعلا فيلا ابيض (huge white elephant) ولكنه فيل ابيض كبير سيمشي في مزارعنا وقد يمنع المياه من مصر ولن تحصد اثيوبيا ماهو اكثر بكثير من الفرجة على لهو فيلها الابيض هذا من حوض سباحة كبير بسعة ٨٠ مليار متر مكعب.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …