موقف من تحركات تصحيح المسار
متوكل علي محمدين
أنا أومن بما لا يدع مجالا للشك أن في سبيل مصلحة الوطن يهون كل شئ، وأن أمام مصلحة الوطن تتساقط كل المصالح الشخصية والحزبية الضيقة. الوطن ومصلحته هو مقياس كل شئ، هذا يعني أننا يجب أن نحدد ونعدل مصالحنا الحزبية الضيقة لتتوافق مع مصلحة الوطن الكبرى. إذا وضعنا مصالحنا الحزبية الضيقة فوق مصلحة الوطن سوف نصحو ذات يوم لنجد السودان عبارة عن خرابة ينعق فيها البوم.
هذه المقدمة المختصرة لا بد منها لتحديد موقفي تجاه تحركات تصحيح المسار،التي تقودها بعض لجان المقاومة في ولاية الخرطوم بصورة واسعة وفي بعض الولايات الأخرى بصورة ضعيفة تكاد لا تذكر. لا أريد تذكيركم في هذا المقال بعبارة (الثورة التي أكلت بنيها)ولكن سوف أحاول بقدر الإمكان منع قطة الثورة من أكل بنيها وذلك بتوعية الجميع بمخاطر إتخاذ القرارات الغير مدروسةحتى لا يقع السودان في براثن أعداء الثورة الذين يتربصون بها الدوائر.
إذا كانت مغادرة حمدوك وحكومته لكراسي الحكم هو في مصلحة السودان، فليذهب حمدوك وحكومته غير مأسوف عليهم. ولكني أخشى أن تكون لجان المقاومة قد تسرعت كثيرا في هذا القرار. والتسرع في مثل هذه القرارات المصيرية يؤدي إلى مخاطر كثيرة لا تحمد عقباها،لذلك فإن هذا المقال هو مجرد محاولة لإنقاذ الوطن من الوقوع في هذا الموقف.
يمكن إختصار المطالب الأساسية التي أشارت إليها مذكرة المحتجين في الآتي:-
١/إعادة المؤسسات والشركات الإقتصادية للجيش والأمن إلى ولاية وزارة المالية.
٢/إستعجال محاكمات رموز النظام البائد.
٣/الإصلاحات الإقتصادية.
لكن بعد يوم واحد من إنطلاق الإحتجاجات صرح رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق أبراهيم الشيخ إلى جريدة الإنتباهة قائلا:(أن المكون العسكري يشكل حماية لمواقع محددة حتى لا تطالها يد لجنة إزالة التحكيم). وليس ببعيد عنا تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة قبل أيام قليلة وإنتقادة للجنة إزالة التمكين. أيضا بيان تجمع المهنيين إنتقد سياسة الحكومة الإقتصادية وإتباعها لخط الإقتصاد الحر وعزى الأزمة إلى إتباع الحكومة لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد، الأمر الذي يجعلنا نميل إلى القول بدخول الصراع الآيدولوجي بين الإشتراكية والرأسمالية إلى حلبة الصراع. لم يقف الأمر عند هذا الحد لأن فلول النظام البائد كانت موجودة في حلبة الصراع قبل ذلك كله،مؤ ججة للصراع العرقي في ولايات دارفور و الشرق، وتقوم بالمضاربة في مجال الدولار، وإجهاض كل السياسات الرامية إلى إجراء إصلاحات في مجال صادر الذهب، وليس ببعيد عنا تصريحات غرفة صادرات الذهب وإتهامهم لجهات حزبية معينة بالمضاربة في أسعار الذهب بقصد إعاقة عمليات صادر الذهب.
لقد وجدت الحكومة نفسها تخوض في حقل من الألغام مزروع بواسطة المؤسسة العسكرية والحزب الشيوعي وفلول النظام البائد، لذلك آثرت أن تمضي في هذا الطريق الملغوم بخطوات مدروسة حتى لاتنفجر فيها هذه الألغام فتؤدي إلى إنزلاق السودان في هاوية الإنقسامات وتحيله إلى أشلاء صغيرة.
التريث في مثل هذا الوضع مطلوب بشدة. أتركوا هذه الحكومة تعمل حتى يخرج السودان من هذا المنعطف سالما معافى ، لا يمكن أن يشهر السياسيون سيفهم للحكومة بخلق الإضطرابات السياسية ظنا منهم أن إفشالها سوف يقود إلى إنتخابات مبكرة تعيدهم إلى كراسي الحكم التي كانوا يحلمون بالعودة إليها طيلة الثلاثون عاما الماضية. الإستقرار السياسي هو الضامن الوحيد لتحقيق التنمية والعودة بالسودان إلى مصاف الدول المتقدمة. لا وجود للتنمية في ظل إنعدام الإستقرار السياسي.
أعود مرة أخرى لأقول أن أحزابنا السياسية إذا لم تعي الدرس وتضع مصلحة الوطن فوق المصلحة الحزبية الضيقة لن تعبر بالسودان إلى بر الأمان. إن الآيدولوجيا عندما تكون سيئة تؤدي إلى ظهور معارضة تخلو من الضمير الحي.في الدول المتحضرة نجد المعارضة تركز على كشف عيوب الحكومة ومحاسبتها إذا فارقت جادة الطربق، أما عندنا هنا في السودان نجد أن المعارضة الإسلامية(المؤتمر الوطني) في سبيل إفشال الحكومة وإسقاطها تقوم بتخريب الإقتصاد الوطني والمضاربة في الدولار وخلق الصراعات العرقية، الأمر الذي يرقى إلى جريمة الخيانة العظمى.
الأدهى من ذلك أن الحزب الإتحادي الموحد بعد تحركات جرد الحساب إنسحب من قوى الحرية والتغيير ظنا منه أن هذه التحركات سوف تؤدي الى غرق سفينة حكومة الثورة،لذلك بدأ يعد نفسه ليكون جاهزا لإقتسام كيكة السلطة مع الحزب الشيوعي بعد سقوط حكومة حمدوك، ذكرني ذلك بمشهد إنسحاب الأحزاب المتآلفة مع المؤتمر الوطني من حكومة الإنقاذ بعد إندلاع ثورة ديسمبر ومطالبتها بالإنضمام إلى ركب الثورة، ولكن هيهات فقد لفظتهم قوى الثورة بعيدا و وصفتهم بالإنتهازيين.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …