‫الرئيسية‬ رأي حلب التيوس في حدائق الثورة السودانية
رأي - أغسطس 21, 2020

حلب التيوس في حدائق الثورة السودانية

أحمد الفكي :

سنصمد، سنعبر، وسننتصر
وان كان رفض الشارع للأحزاب السودانية والإصرار علي رئيس وزراء لا ينتمي إلي حزب أمرا معقولا، فان اختيار رئيس وزراء الثورة كان كارثة بكل المقاييس. لقد كان الاختيار مبنيا علي افتراضات لا صلة لها بالرجل ولا مقدراته علي القيام بالمهمة التي ستلقي علي عاتقه. لقد أسقط تجمع المهنيين وقحت ما يتمنون علي السيد عبداللة حمدوك دون التساؤل عن مدي صحة هذا الاسقاط او مفارقته لواقع الرجل ومقدراته الادارية والسياسية.
إن معرفتنا السماعية، وأكرر السماعية، عن الخبراء وتصديق كل ما يقال وعدم التفريق بين المتخصصين في مجالات ضيقة وطبيعة المشاكل التي ستواجهها وواجهتها الفترة الانتقالية أدي الي هذا الارتباك والعجز. لقد فات علي الجميع أن طبيعة المشاكل التي تواجهها بلادنا بعد ثلاثين عاما من خراب مشروع الهراء الحضاري تحتاج الي الخبراء ولكن ليعملوا في فريق يوفر له الجو الصحي للاختلاف ثم الاتفاق علي حلول ويحتاج الي الشفافية لا السرية التي اتسم ويتسم بها عمل السيد حمدوك ومن يعملون حوله.
لقد كان الرجل علي بعد خطوة من التقاعد، وقد قضي معظم حياته جنديا بيروقراطياً في أعرق منظمة بيروقراطية.
إن اول ضحايا البيروقراطية في الادارة هو المقدرة علي الخلق والابتكار والابداع واتخاذ القرارات الصعبة بالمعلومات المتوفرة حتي وان كانت غير كافية.
السيد حمدوك وبحكم بعده عن الوطن وعن السياسة السودانية ناهيك عن بعده الوجداني عن أعظم ثورة في التاريخ الحديث، اثبت وبما لا يدع مجالا للشك انه الرجل الخطأ ليس لقيادة الحكومة الانتقالية لأعظم ثورة بل ليكون احد وزراء حكومتها. نقول هذا ونحن نعلم ان معظم من استوزروا في حكومة الثورة أقل بكثير مما تستحقه هذه الثورة وما يليق بدماء شهداءها من احترام وتقدير.
لقد كانت كل الأدلة التي تشير إلى أن السيد حمدوك هو الرجل الخطأ ظاهرة للعين المجردة ولكن الجميع اراد ان يتعامي وبكامل رغبته. إنه أمر معروف في علم النفس ونعاني منه جميعنا خاصة عندما نريد تصديق ما نرغب في تصديقه.
لقد تم التركيز علي تحدثه باللغة الانجليزية ورفعه لعلامة النصر وبدلته التي تقول وتؤكد ما أشيع عن كونه خبيراً أممياً خطيراً. لقد ساعدت هذه الصورة على مقارنته بالمخلوع بكل جرائمه ورقصه واكاذيبه. ولكنها مقارنة وان كانت مشروعة فهي ضارة جدا. فالرجل أقل قامة من الثورة وقيادته لحكومتها ضارة جدا وستدون آثاره في التاريخ كصفحة حالكة السواد ضده وضد تمسكه بها رغم قناعته بعدم المقدرة علي قيادتها.
وحتى لا اتهم بالتحامل علي الرجل فقد كنت من اوائل الذين هاجموه وذلك لمعرفتي ببعض الحقائق البسيطة بحكم عملي في الادارة وهي أن مخاطبة الجماهير من أساسيات القيادة. والمخاطبة لا تعني ما حاول السيد حمدوك القيام به مؤخرا من القراءة من الورقة وتحريك اليدين حركات لا علاقة لها بمضمون كلامه. انها محاولات تؤكد أن من يلتفون حول الرجل ويقدمون له النصح لا يعرفون ولا يعرفون انهم لا يعرفون.
لقد احيط الرجل بحب وتقدير لم يحظى به اي قيادي سياسي سوداني ولكن انفض السامر سريعا لان الرجل ليس بالسياسي ولا بالقائد. لقد نافس هبوط اسهمه سرعة هبوط قيمة الجنيه السوداني في مقابل الدولار الامريكي.
ايضا كان ضعف الرجل ظاهرا في المقابلة التي اجراها معه الصحافي عثمان ميرغني. ولكن تمت التغطية علي هذا الضعف بهجوم لا يسنده منطق ولا يقبله عقل، وهو ان اسئلة عثمان ميرغني كانت خبيثة لأنه كوز. ولعمري وحتي إذا افترضنا ان عثمان ميرغني لازال كوزا او أنه صحفي أجنبي، فقد كان علينا أن نشكره لأن أسئلته كشفت لنا حقيقة ضعف الرجل وعدم مقدرته على الالمام بأبسط امور الدولة.
ولعل آخر مصائب الرجل هي حل حكومته للالتفاف علي الشارع بكذبة أنه سيصدر قرارات صعبة وخطيرة في ظرف اسبوعين. ولأنه ليس للرجل قرارات فقد تلقف وعدا من الجبهة الثورية بتوقيع اتفاق سلام مقابل ستة مقاعد. ولعلي أذكر القارئ ببوستات السيد عرمان بان السلام كبس كبسا وأنه عاد الي الخرطوم. وعندما رفضوا التوقيع لأسباب لم ولن تعلن ولكنا نعلمها وهي الجشع والمحاصصة أسقط في يد السيد رئيس الوزراء الذي يدعي الشفافية ولم ينطق بكلمة واحدة وهو يدير حكومة، ان كانت هناك إدارة، بوزراء مكلفين.
وما يعلمه الشارع ان كل الحكومة قد استقالت بطلب من السيد حمدوك وهو الذي دافع عن هذه الحكومة في لقاءه مع شوقي عبدالعظيم عندما قال للسيد حمدوك “اداء الحكومة كتير من الناس بقولوا ما قدر الطموح” فأجاب السيد حمدوك اجابة من نوع سنعبر: اللحظة اللي نحنا نصل فيها اننا راضين عن اداءنا….. ومهما ننجز يظل اقل من طموحنا. واشار الي ان الوزراء يعملون ٢٥ ساعة في اليوم.
لقد كان من الأجدر بالسيد حمدوك أن يتقدم باستقالته علي رأس الحكومة. فالمسؤولية تقع علي عاتق رئيس الوزراء، وليس مطالبة الوزراء بالاستقالة. القائد الحقيقي هو من يتحمل فشل فريقه ولا يدعي أنه صاحب نجاحهم، ولكن أين القائد ؟
أيضا من الاسئلة التي طرحها عليه شوقي عبدالعظيم سؤال عن عدم الشفافية فكان رد السيد حمدوك: نحنا ما بنغش علي شعبنا.
الذي اود قوله في هذا السياق أن كل حكومة السيد حمدوك مستقيلة كما أعلن هو وأن الوزراء الذين احتفظوا بمقاعدهم ولم تخلي للجبهة الثورية لا يعلمون ان كانوا وزراء في الحكومة الحالية أم لا. السيد حمدوك لا يفهم معني الشفافية ولا اظنه يدري اهميتها كاحد اعمدة القيادة.
الأمر الذي يثير الرعب هو عدم معرفة الرجل حتي بأبسط مبادئ العمل القيادي والتي يعرفها طلاب السنة الاولي ادارة. عندما سال الصحفي شوقي عبدالعظيم السيد حمدوك عن اداء الوزراء وتقييم هذا الاداء، كانت الطامة الكبري في اجابة السيد حمدوك: تقييم الاداء يرتبط بعلامة كبيرة واشار الي توقيع السلام كمحطة وقوف لضخ دماء جديدة.
ولعل الخبير الاممي يدري دورة ادوارد ديمنج في العمل والتحقق مما تقوم به وبشكل مستمر (PDCA)
خطط-قرر-تاكد- افعل Plan-Do-Check-Act
فالتحقق من الاداء يجب ان يكون جزءاً من العمل وألا يترك للمناسبات. تتذوق امهاتنا الطعام وهو علي النار للتأكد من ان الطبخة جيدة قبل تقديمها لأهل البيت أو الضيوف. هذا إذا أردنا ان نتوقف عند ادوارد ديمنج ونظريات الادارة في الخمسينات وحلة الملاح ولا نذكر طرق الادارة الرشيقة التي جربها شبابنا وهم يكرون ويفرون ويعدلون ويحسنون في طرق محاربتهم للمخلوع حتي أسقطوه. لقد كانت الشفافية والتاكد والتعديل هي أعمدة ذلك العمل الرائع رغم البمبان ورصاص القناصة.
لقد قامت مجموعة اصدقاء السيد حمدوك من الشفيع خضر والشيخ خضر وغيرهم بوضعه في الطريق الخطأ بقطع علاقته بقحت وتجمع المهنيين. لقد كنت أنادي بأن يصبح الرجل رابطاً بين قوي الحرية والتغيير ولجان المقاومة والحكومة ولكن ليس للرجل مقدرة لإدارة فصل مدرسة ناهيك عن حكومة أعظم ثورة. كذلك يظل الرجل مسؤولا مسؤولية تامة عن كل قراراته رغم اراء المستشارين.
يظل العامل الخارجي لاعباً اساسياً في ظل ضعف الحكومة الانتقالية. علي أحزاب قوي الحرية والتغيير حزم امرها وترتيب بيتها والاتفاق علي ميثاق شرف لإدارة الفترة الانتقالية، فبلادنا تسير نحو الانقسام والحرب الاهلية اقرب الاحتمالات ان لم نحزم امرنا. لقد اختاروا حمدوك وهو غير القادر على التنفيذ وتركوا له الحبل علي الغارب وكأن الامر قد انتهي، وشرعوا في إقامة ندواتهم لمهاجمة بعضهم البعض وكأن اثبات جدوي وجود هذا الحزب او ذاك يتمثل في تخوين وسحق الاحزاب الأخرى.
إن أحد اهم الاخطار المحدقة ببلادنا هو ضعف وتهافت أعضاء قوي الحرية والتغيير علي المناصب وقبولها الاشتراك مع السيد حمدوك في حكومة جديدة دون مكاشفة الشارع بالمعايير التي أقيلت بسببها الحكومة السابقة ودون الاتفاق علي طريقة عمل اخري تقوم فيها قحت بمراقبة عمل الحكومة حتي تشكل المجلس التشريعي علي وجه السرعة.
إنكم تخونون الثورة ودماء الثوار وتبصقون علي تاريخكم إن لم تقدموا مصلحة الوطن علي السعي وراء المناصب والتهافت عليها.
٦-لجان المقاومة وتجمع المهنيين
يجب ألا تصبح لجان المقاومة وتجمع المهنيين ميدانا لصراع الاحزاب للسيطرة عليها. التصاق لجان المقاومة بالأحياء وارتباطها بجماهيرها المحلية هو الضامن لأداء دورها. يجب ان تظل لجان المقاومة رقماً صعباً في الواقع السياسي السوداني وان تتم مخاطبتها بشكل دوري من الحكومة الانتقالية مخاطبة مباشرة.
يجب الا تتكرر تجربة اختطاف الحزب الشيوعي لتجمع المهنيين مرة أخري، وان يتم اصلاح هذا الخطأ. التبريرات التي تساق من قبل الحزب وبعض أعضاء الحزب تفتح الباب واسعاً لشق الصف. كلنا يعلم تماما فهم الحزب للتحالفات مع الديمقراطيين والمنظمات الديمقراطية والتي تقود الي الاخضاع الكامل لها لخط وسياسة الحزب.
يجب ألا نفوت علي انفسنا استيعاب دروس أعظم ثورة في التاريخ الحديث وأن نستخدم هذه الدروس كمرشد في عملنا اليومي لإرساء دعائم الديمقراطية وقطع الطريق علي المغامرين. إن ضيعنا هذه الفرصة فستضيع بلادنا.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …