‫الرئيسية‬ رأي التغيير الاجتماعي ليس نزهة أو كتابة في الفيسبوك: شوية راي حول ما يحدث في شرق السودان
رأي - أغسطس 29, 2020

التغيير الاجتماعي ليس نزهة أو كتابة في الفيسبوك: شوية راي حول ما يحدث في شرق السودان

بكري الجاك :

رغم قناعة الرئيس الثالث عشر للولايات المتحدة الامريكية ابراهام لنكولن المبكرة أن العبودية هي النقطة السوداء في تأسيس اتحاد الولايات الامريكية باعتبار أن العبودية تتناقض مع ما ورد في اعلان الاستقلال الذي نصت فقرته الثانية علي:
We hold these truths to be self-evident, that all men are created equal, that they are endowed by their Creator with certain unalienable Rights, that among these are Life, Liberty and the pursuit of Happiness.–That to secure these rights, Governments are instituted among Men, deriving their just powers from the consent of the governed,
نحن نؤمن أن هذه الحقائق بائنة و تعبر عن نفسها حيث أن كل الناس قد خلقت سواسية و انها منحت من قبل خالقها بعض الحقوق المقدسة و من بين هذه الحقوق الحق في الحياة و الحرية و السعي الي تحقيق السعادة، و لتحقيق و حماية هذه الحقوق سنؤسس حكومات من الناس تستمد قوتها و سلطتها من رضاء و قبول المحكومين.

لنكولن كان علي حق أنه ليس ياستطاعة دولة قامت علي هذه القيم و المباديء أن تقنن و تشرعن العبودية و لقناعته الأولية أن الدستور يجب أن لا يخضع الي تغيير بشكل مستمر كان موقفه الفسلفي أن يتم انهاء العبودية في الولايات التي يمكن ان تنص في دساتيرها علي المساواة الكاملة بين الناس و علي عدم قانونية العبودية، و مع مرور الوقت وصل لنكولن الي قناعة مفادها أنه لابد من تغيير الدستور و قد ابتدر هذا التغيير باصداره مرسوم التحرير Emancipation Proclamation في الأول من يناير 1863 الذي منح الحرية لكل المستعبدين في الولايات التي تقنن العبودية و كان هذا المرسوم بمثابة فتح كوني في زمانه و قد مهد الطريق لعملية تعديل الدستور في عام 1865. الحقيقة المعروفة للجميع أنه حتي اعضاء مجلس النواب و مجلس الشيوخ الذين وافقوا علي تعديل الدستور قد تم اقناعهم بحيل سياسية متعددة، اما امر اجازة التعديل في الولايات فكانت اصعب و تطلبت استخدام كل الحيل السياسية، الأدهي و الأمر أنه اذا ما تم وضع التعديل الدستوري الذي انهي العبودية للراي العام من غير اي عملية سياسية مرتبة و محكومة لربما كان الأمر سيتأخر لمئة عام كما حدث مع منح النساء الحق في التصويت الي عام 1920 حوالي 55 عام بعد نهاية العبودية و منح الرجال من العبيد السابقين الحق في الانتخاب حتي قبل النساء.

الهدف من هذه المقدمة هي التذكير بأن التغيير الاجتماعي ليس محض نزهة اجتماعية أو ورشة عمل تقيمها منظمة محلية او أجنبية و ليس محض لايف أو ندوة او حتي الكتابة في الفيسبوك و من ثم تذكير الناس باننا كنا قد قلنا بكذا و كذا، و مع التأكيد علي اهمية و فاعلية كل هذه الانشطة يا سادتي التغيير الاجتماعي عملية معقدة و تتطلب خلخلة الكثير من الثوابت علي المستوي الثقافي و الاجتماعي، و لمن يريد انهاء القبلية في بلد يعاني التشظي فله أن يسأل عن اسباب فشل مشروع الحداثة و استمرار قيادة المجتمع للدولة، القبيلة (و ان كان علميا لايوجد شيء اسمه القبيلة) ليست فقط روابط دم لغة و مصدر عز و لمة عرس و غني و رقيص، القبيلة هي مؤسسة اجتماعية ذات قيمة مادية توفر منصات و روافع اجتماعية و تحقق ما فشلت فيه الدولة الحديثة و مجتمعها المدني، حيث كان المنوط بالدولة اذا كانت هي من يقود المجتمع أن تنظم الناس وفق مصالح مغايرة و متغيرة تتعدي الانتماء الفطري من اسرة و قبيلة و لغة الي مكونات اخري مثل المهنة و الطموح و المزاج و الكينونة، فالانسان الساعي للحرية الفردية ربما يجد مشتركات مع اناس غير اهل بيته و قبيلته و جغرافيته، نحن مجتمع يورث حتي الانتماء الحزبي ( الحديث افتراضا) و لك ان تتأمل.

الأهم هو الجزء المؤلم أنه لم يحدث تغيير اجتماعي عبر التاريخ من غير تكلفة و تتفاوت هذه الكلفة ما بين من هم الضحايا؟ ومن هم المنتفعين؟ و ما هو ثمن التغيير؟، فالتغيير الاجتماعي حدث في الماضي و يحدث في السودان الآن وفي كثير من الاحوال النساء من طبقات (اثنيات معينة) فقيرة هن من يتحملن عبء الجزء الاكبر من تطبيع وترسيخ شروط اجتماعية جديدة تصبح مقبولة لاحقا، و بالمثل التغييرات الاجتماعية في فضاءآت اخري مثل الفضاء السياسي يدفع ثمنها الاغلبية باشكال متفاوتة و المدهش أن المذابح في عهد الانقاذ بدأت منذ اوائل التسعينات و لم تترك شبر في ارض السودان لم تصله و يبدو أن الضمير الجمعي (الفسيبوكي) لا يتذكر الا فض اعتصام القيادة في الثالث من ينويو 2019 و لسبب موضوعي ومفهوم أن ما هو امام عينيك هو اكثر اهمية من ما هو محض خبر. و في شأن الكلفة انهاء العبودية كلف امريكا 265 الف روح في الحرب الاهلية في الاعوام ما بين 1861-1865.

الآن هنالك تحدي حول ما اذا كان من الأنسب اعفاء الوالي المكلف لولاية كسلا صالح عمار لحقن الدماء، و دعوني اقول دون اي مواربة ان لا علم لي بشكل دقيق بتفاصيل الاحتجاج علي الوالي المكلف و مسبباتها و منطقها و لا اعرف عن صالح اي شيء سلبي من خلال ما قرأت، و ما رشح لمسامعي في الميديا أن الاحتجاج علي صالح عمار جوهره أنه من قومية البني عامر التي يقال أن لها امتدادات في ارتريا، و لا ادري ما هي المشكلة في ذلك، و بحكم معرفتي بالمنطقة من خلال تجربتي في التجمع الوطني في شرق السودان لا اعتقد أن هنالك مكون في شرق السودان ليس له امتداد اثني في ارتريا هذ من حيث المبدأ اما اذا كانت الحجة تدور حول اصالة سودانية صالح عمار أو اي مجموعة اثنية فلنا أن نسأل ما هي المعايير التي علي ضوئها يتم تحديد من هو السوداني؟ اذا كان من ضمن هذه المعايير العلاقة بالارض و التواجد فلم يكن هنالك شيء اسمه السودان بشكله الحديث قبل عام 1916 حين ضم دارفور للسودان، اما اذا كان الامر في تحديد من هو السوداني وفقا للتاريخ القديم الذي يربط الانسان بالارض و الاحقية فاعتقد هذه هي الحجة نفسها التي تؤكد انه لم يكن هنالك شيء اسمه فلسطين فالارض ارض اليهود قبل وصول العرب اليها، و هي نفس الحجة التي يمكن ان يستخدمها السكان الاصليين لقول انه لايوجد شيء اسمه امريكا او استراليا او كندا و العديد من الدول. منذ زمن بعيد البحث العلمي في المواطنة تجاوز ربط المواطنة و الاحقية بالارتباط و الوجود في الارض و بالتحولات الحديثة اللاحقة، المواطنة يجب أن تقوم علي اسس قانونية قد يكون للتاريخ عامل في تعريفها مثل مكان الميلاد و ليس الدم أو الاثنية بشكل عبثي، ففتح ملفات مثل الاحقية و الاصالة في المواطنة في بلد ظل يعاني حروب اهلية جلها لارتباط الدولة و طرق عملها بهوية اجتماعية و ثقافية هو أمر لا محال سيوردنا مورد آخر من موراد الهلاك.

أعتقد شبه جازم أن ما يحدث في كسلا وبورتسودان و غيرها هو شغل مرتب له عبر استغلال المكونات التقليدية من قبيلة وقرية وفريق حتي دون علمها من قبل قوي تسعي الي افشال الحكومة (المدنية) لخلق ظروف اما أن تؤدي الي تغيير في توازن الضعف الذي ادي الي تكوين هذه الشراكة او الي افشال كامل للمرحلة الانتقالية، و في كل الاحوال خلاصة القول اذا اردنا أن تكون ثورة ديسمبر مدخل لتغيير اجتماعي و خلخلة للمسلمات و بداية لأن تتقدم الدولة علي المجتمع و أن يقوم المجتمع المدني بالخروج من بؤس التسيس و المصالح الضيقة و الانشطة الدعائية وورش التدريب المستهلكة فعلينا ان نتسائل هل يجب أن يكون تعيين أو اقالة اي مسؤول حكومي علي اساس اثني أو (علي تعريف ما) عن مدي أصالة سودانيته؟ أم اننا علي استعداد لتحمل الكلفة الاجتماعية و السياسية لوضع لبنات التغيير الاجتماعي و بناء دولة القانون؟
و سؤال جاد بالمناسبة ماهي الاسس التي علي ضوئها تعرف الدولة السودانية من هو السوداني؟

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …