القضية أكبر من تطبيع ورفع عقوبات
عمر عثمان :
التطبيع مع إسرائيل لدولة ظل موقفها المعلن الواضح منذ أن نالت استقلالها أو قبل ذلك بكثير، قضية مرتبطة بموقف الشعب وتاريخه الطويل كما هو مرتبط بمواقف سابقة وعلاقة لم تكن موجودة من الأساس لدرجة ان الجواز السوداني ظل هو الوحيد في العالم بأسره يحمل ختم (كل الدول عدا إسرائيل)، وذلك من خلال عدائيات متبادلة شكلت فيها العقيدة الإسلامية الأساس في التعامل مع اليهود الذين احتلوا الأرض العربية المسلمة في فلسطين وارتكبوا المجازر، حيث حافظت الحكومات السابقة مدنية كانت أو عسكرية على هذا العداء وان حدث أن تحسنت العلاقات تحت الطاولة كما حدث في عهد جعفر نميري وقضية ترحيل اليهود الفلاشا من إثيوبيا الي اسرائيل التي كانت احد أسباب سقوطه حيث ساهمت في غليان الشارع بعد أن استغلت الأحزاب المعارضة هذه القضية في إثارة الشارع بالحمية الإسلامية والغيرة على الاسلام، فعلى الدوام ظل التعامل مع إسرائيل أو مد جسور تجاهها مخرجا تتخذه الحكومات للخروج من الأزمات الكبيرة التي تقع فيها بنيل رضا الدول الكبرى التي تعمل من خلف ستار لكسر شوكة هذه دول العالم الثالث اولا وامتطاء ظهرها ومن ثم رميها، وتسعى الحكومات التي تريد أن تثبت أقدامها إلى القدوم نحو التطبيع مع إسرائيل وتقديم كل التنازلات، دون النظر لمصالح شعبها من أجل نيل دعم مؤقت قد ينقطع في أي لحظة لتترك هذه الحكومات في مواجهة شعبها بعد ذلك.
فالتطبيع مع إسرائيل في حد ذاته ليس هدفا للحكومات بقدر ماهو وسيلة لنيل المزيد من الدعم الخارجي للخروج من الأزمات، خصوصا اذا كان وراء التوقيع وسطاء لهم مآربهم من ورائه كالامارات المستفيد الأول من هذا التطبيع الذي يدعم موقفها الذي سبق السودان لتقول أنني لست الوحيدة من ناحية ومن ناحية أخرى لتحافظ على تدفق القوات السودانية لتقاتل نيابة عنها في اليمن في حربها ضد إيران من ناحية والاطمئنان التام على عدم تواجد إسلاميين مهددين لخطها في المنطقة كما فعلت مع مصر السيسي وما ينطبق عليها ينطبق على السعودية، اما الولايات المتحدة الأمريكية المقبلة على انتخابات انخفضت قبلها أسهم ترمب تريد أن تكسب الناخب الأمريكي بأنها اطفات الحروب في الشرق الأوسط الشي الذي عجزت عنه الحكومات السابقة وساهمت بصورة كبيرة في مكافحة الإرهاب في المنطقة، ملوحة بكرت رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كمحفز لعساكر الحكومة الانتقالية وتلك قضية لاعلاقة لها بالتطبيع في مجملها لأن تاربخ العداء التاريخي مع إسرائيل لاعلاقة له بما فعلته الإنقاذ من جرائم أوقع عليها هذه العقوبات التي يفترض أن ترفع بمجرد سقوط النظام البائد المتسبب الأول في إيقاع العقوبات بالوطن.
فالتناقض في الموقف الأمريكي الداعم للانتقال للحكم المدني ومن ثم التعامل مع المكون العسكري في توقيع على تطبيع يعقد المسألة السودانية أكثر دون أن يسهم في فك الارتباط بين مكونات متعددة ثقافيا ودينيا وعرقيا واثنيا لم تتوصل إلى دستور دائم تحدد من خلاله العلاقات وذلك لايتم الا عبر حكومة مدنية تطرح كل هذه القضايا على شعبها، فلا البرهان ولا حمدوك لهما حق تقرير مصير العلاقات مع أي دولة قبل صياغة الدستور المتوافق عليه من كل ا الشعب، ومن ثم طرح البرامج الاتتخابية يطرح فيها الكل برنامجه ليترك للشعب تحديد من يحكمه وكيف يحكمه وفق برنامجه النابع من بين سطور الدستور.
فما يقوم به البرهان حاليا لا يختلف عم قام به نميري في السابق الا ان يختلف من حيث الضمانات والضامن الذي ينظر إلي التطبيع ككسب لايستفيد منه سوي البرهان ومجموعة العساكر لفترة قصيرة، تضمن عدم التدخل في الشأن السوداني الداخلي (إذا ما انقلبوا على السلطة) وكرروا نسخة السيسي في السودان وهو الاتجاه الذي يفكرون في السير فيه دون النظر لوعورة الطريق وخطورته التي تختلف طبيعتها ومسرحهل عن تلك التي وجدها السيسي في مصر.
فالشعب السوداني ليس هو الشعب المصري والثوار السودانيين لم يسقطوا الراية بعد، والمجتمع الدولي المزعوم لن يقف حائلا بين الشعب وثورته، طالما ينظر للقضية السودانية من حيث مصالحه الخاصة كدعاية انتخابية عند البعض ولتامين مواقفها الأمنية عند البعض الآخر ولاستدامة الاستفادة من الموارد السودانية دون حسيب ولا رقيب عند اخرون.
فاستخدام التطبيع كوسيلة ضغط على ( العسكر فقط) دون المدنيين وحضهم عليه حتى يحصلون على التمكين الكامل بغض الطرف عن أي انقلاب سيساوي على المدنية، زائدا رفع العقوبات كشعار يمكن أن (يفرح الشارع ويخفف الضغط الداخلي عليهم)، قراءات خاطئة لم يحسب ابن سلمان ولا آل نهيان تقديراتها جيدا.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …