تحقيق : فتحي البحيري
سيف الدولة حمدنا الله : الزفة التي أقامها مدير شرطة شرق النيل لنفسه هي في حد ذاتها جريمة!
الاتفاقية الدولية لمناهضة المرتزقة : يمكن القبض على المتهم بارتكاب جريمة الارتزاق في أي دولة طرف في الاتفاقية
صحرة خميلي : يشمل تعريف المرتزق كل شخص يحرضه على أعمال عدائية لتحقيق مغنم شخصي
1
عندما قضت محكمة القسم الأوسط الخرطوم ببراءة تسعة من متهمي لجان مقاومة اللاماب (من تهمة قتل جندي في قوات الدعم السريع في 4يونيو 2019 بالتزامن مع فض اعتصام القيادة العامة في حي اللاماب أثناء وصول قوة الدعم السريع قرب محتجين في المنطقة شيدوا متاريس لمنع تقدم قوات المجلس العسكري) ساد القاعة هرج ومرج من قبل منسوبين للدعم السريع تعبيرا عن رفض سافر للعدالة ولحكم القانون، ومن نافلة القول أن مواطنين عاديين لو عبروا نفس التعبير في موقف مماثل لنالهم من الأحكام والعقوبات ما نالهم
وعند سرد تفاصيل أخرى للقصة يتضح أن المخالفة الحكومية أو شبه الحكومية للقانون – باعتبار أن قوات الدعم السريع جزء لا يتجزأ من الحكومة الآن – أكبر من ذلك بكثير.
تقول بعض تفاصيل القصة أن الشرطة أوقفت تسعة متهمين من لجان مقاومة اللاماب في يونيو 2019 بتهمة قتل جندي من قوات الدعم السريع وأودعتهم سجن كوبر وحولتهم إلى النيابة ثم إلى محكمة القسم الأوسط بالخرطوم حيث استمرت المحاكمة عامًا ونصف. وبحسب عضو هيئة الدفاع نصر الدين يوسف فقد خضع المتهمون لتحريات في ثلاثة مواقع في إجراءات لا تمت إلى الحقوق الدستورية والقانونية بصلة ووجهت لهم اتهامات تحت المادة 130 القتل العمد والمادة 121 الاشتراك الجنائي ومواد متعلقة بالنهب”. وأشار يوسف، إلى أن القضية التي اتهم فيها عناصر لجان مقاومة اللاماب اتخذت فيها الإجراءات بسرعة قياسية غير معهودة في القضايا المشابهة لافتا إلى أنه بعد عام من فض الاعتصام لايزال قضايا مئات الشهداء لم توضح فيها سير العدالة حتى الآن.
وأوضح يوسف، أن القاضي أخذ البينات التي قدمتها هيئة الدفاع عن المتهمين موضحًا أن قوات الدعم السريع – الطرف الشاكي – في القضية اتهمت الشباب بقتل الجندي وسط حشود لا يمكن فيها إثبات التهم. وبحسب عضو هيئة الدفاع نصر الدين يوسف أكد المتهمين لقاضي المحكمة تعرضهم إلى التعذيب لاجبارهم على الإقرار بالجريمة وهنا مربط فرس المخالفة الحكومية “الأكبر” في هذه القصة ولكن قوات الدعم السريع مدججة بما هو أكثر من سلاحها، بترسانة من تنفيذيين وعسكريين ومثقفين وحكوميين ومعارضين جاهزين دوما لصرف الأنظار إلى أي شيء سوى انتهاكها اليومي المستمر للقانون.
2
يقول الخبير القانوني الضليع سيف الدولة حمدنا الله ضمن سياق قصة أخرى غير بعيدة عن هذا الإشكال؛ إشكال المخالفات الحكومية للقانون، ” الزفة التي أقامها مدير شرطة شرق النيل لنفسه بقيادته الهتاف وهو يعتلي أكتاف أفراد من العساكر وتغاضيه عن عمليات إطلاق الذخيرة الحية في مرمى حي سكني، هذا فعل في ذاته يشكل جريمة وخروج على قواعد الضبط العسكري يستلزم محاسبته عليه بأقصى ما يسمح به القانون ولوائح الشرطة” والإشارة إلى الفيديو الذي انتشر انتشار النار في الهشيم لتلك الزفة ضمن السجال الذي لا يزال دائرا بين لجان مقاومة الجريف شرق ومطالبتها بالإجراءات القانونية ضد اغتيال اثنين من المواطنين برصاص الشرطة و”خارج” القانون وبين والي الخرطوم ومكتب رئيس الوزراء ووزارة الداخلية ورئاسة الشرطة، وهو سجال يعج بالمخالفات الحكومية التي لا تنتهي للقانون.
3
خبير قانوني آخر يدافع عن اعتراف محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي على ملأ من الناس بمخالفته هو وآخرين من المسؤولين الحكوميين للقانون (وقيامهم بشراء كميات كبيرة من الدولارات من السوق الأسود في الوقت الذي حاكمت الحكومة فيه وعاقبت آخرين ارتكبوا نفس الشيء) بما أسماه الأفعال السيادية مبررا أن شراء المسؤول الحكومي للدولار من السوق الأسود لا يجب أن يعامل قانونا بنفس معاملة شراء المواطن العادي له، لا سيما إذا كانت هناك ضرورة وطنية اقتضت ذلك.
وعمليا- والحديث لا يزال للخبير القانوني الآخر الذي فضل حجب هويته – لا يمكن أن يكون حديث دقلو عن شراء الدولار من السوق الأسود اعترافا بالمعنى القضائي أو القانوني، لأن ضميرجمع المتكلمين هنا فضفاض للغاية ويمكن الدفع أن ما اعتبره البعض اقرارا بارتكاب جريمة قد تم تحت مؤثرات عديدة تقدح في موضوعيته وصدقيته.
4
على أن علاقة حميدتي بالسوق الأسود للعملة ليست جديدة : تقول صحيفة اندبندنت عن حميدتي اواخر العام الماضي أنه تحول من شخص مقرب من البشير إلى زعيم في النظام العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق. وأصبح نائب رئيس المجلس السيادي. ولكن الميلياردير الذي لديه قوات خاصة به ينظر إليه عادة بأنه القوة الحقيقية. ويريد تقديم نفسه كحام للثورة مع أن قوات الدعم السريع لديها تاريخ دموي في دارفور ومتهمة بهجمات ضد المتظاهرين. ولا يعرف أحد عدد الذين سقطوا في مذابح دارفور في عام 2003 ولكن التقديرات تتراوح من 300.000 إلى مليون. وشردت المعارك أكثر من مليوني شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة. ورغم الثورة إلا أن الهجمات لا تزال متواصلة على سكان جبال مرة كما نقلت الصحيفة عن مشائخ قبائل في دارفور.
ويقول سليمان بارلو من مشروع كفاية الذي يعمل على دراسة الإبادة: “أكبر هجمات على المدنيين ارتكبتها قوات الدعم السريع في أعوام 2014 و2016 و2017، وقالت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة بالمنطقة إن هذه الهجمات نفذت ضد السكان الذين بقوا في منطقة مرة” و”لا تزال تحدث إلى اليوم”.
وأصدرت منظمة أمنستي تقريرا شاجبا قدمت فيه أدلة على استمرار القتل وتدمير القرى والانتهاكات الجنسية. وقامت الصحافة المحلية بإعداد قائمة من البيانات عن القتل والهجمات. وعندما سألت صحيفة اندبندت حميدتي عن هذه الجرائم رفض هذه المزاعم وقال بأنها “استهداف منظم من النظام السابق”، ووصف قوات الدعم السريع بأنهم “حماة دارفور وحماة الثورة”، وتساءل: “من يحمي دارفور؟ من يحمي النازحين؟ ومن يعوضهم؟ ومن يعيد الحقوق إليهم؟ نحن”، مضيفا: “أولويتنا الآن هي إنجاح الحكومة المدنية”. ورفض الاتهامات لميليشياته بارتكاب جرائم في الخرطوم رغم أن منظمة هيومان رايتس ووتش أصدرت تحقيقا أدانت فيه قوات الدعم السريع وحملتها مسؤولية قتل المتظاهرين في 3 يونيو.
واعترف حميدتي أن قواته “ليسوا ملائكة” و”ربما ارتكبت جرائم”، ولكنه أكد إجراء تحقيق داخلي بما في ذلك الهجوم على المعتصمين. وانحرف حميدتي في أحاديثه عن أسباب الهجوم السابق التي قال إن المعتصمين هم الذين استفزوا قوات الدعم ودفعوها للتحرك، ويقول اليوم إن الذين نفذوا الهجوم جماعات خارجة تزيت بزي قوات الدعم السريع. وقال: “كان فك الاعتصام في الحقيقة انقلابا” قامت به جماعة خارجة وتم اعتقال 200 مهاجم انتحلوا هوية قواته. وقال: “لقد وجدنا أن بعض الضباط المرتبطين بنا بمن فيهم ألوية وجنرالات كبار من زمن النظام القديم هم المسؤولون”.
ويعتقد أنه تربح شخصيا من الحرب في اليمن، حيث أرسل في السنوات الماضية آلافا من المقاتلين للقتال في الحرب التي شنتها السعودية والإمارات ضد المتمردين الحوثيين. وأخبر ضباط في قوات الدعم السريع وصحافيون استقصائيون سودانيون أن حميدتي حصل على مليارات الدولارات من السعودية والإمارات لنشره قوات في اليمن تقود أحيانا هجمات ضد الحوثيين ولكنها تقوم في معظم الأحيان بتأمين المدن التي يتم استعادتها من الحوثيين. كما عملوا كحراس للقوات الإماراتية في الميدان. وقال ضابط: “إنها مربحة” حيث يتم تحويل الدولار إلى الجنيه السوداني وبأسعار جيدة من خلال صرفه في السوق السوداء (!) وهنا – سيداتي آنساتي سادتي – مربط فرس القصة الرابعة في هذا التحقيق عن المخالفات الحكومية للقانون !
5
تقول الدكتورة صحرة خميلي ، استاذة باحثة في مجال القانون الدولي للنزاعات المسلحة و القانون الدولي الانساني ، أن المرتزق هو أي شخص يجرى تجنيده خصيصا ليقاتل في نزاع مسلح أو يشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية، هكذا ورد تعريف المرتزقة في الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة، ويشمل التعريف أيضا كل شخص يحفزه أساسا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية أو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، أو كل شخص ليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطنا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع أو ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، أو وليس موفدا فـتي مهمة رسمية مـن قبــل دولة ليســت طــرفا في النـــزاع بوصفه عضواً في قــــواتها المـــــــــسلحة
انتهى كلام الدكتورة صحرة، وتنص المادة الثانية من (الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم) على أن كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة من هذه الاتفاقية، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية. ونصت المادة الخامسة (3) من ذات الاتفاقية على وجوب أن تعاقب الدول الأطراف على الجرائم في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لها. أما المادة السادسة فتلزم الدول الأطراف بالتعاون على منع الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، ولا سيما بالقيام باتخاذ جميع التدابير الممكنة عمليا، كل في اقليمها، لمنع التحضير لارتكاب تلك الجرائم داخل اقاليمها او خارجها، بما في ذلك حظر الأنشطة غير المشروعة التي يمارسها الأشخاص والجماعات والمنظمات للتشجيع على ارتكاب هذه الجرائم أو التحريض على ارتكابها أو تنظيمها او الاشتراك في ارتكابها.
والأهم من كل ذلك أن المادة العاشرة من هذه الاتفاقية نصت على أن تقوم أي دولة طرف يوجد في اقليمها الشخص المنسوب اليه ارتكاب الجريمة، لدى اقتناعها بأن الظروف تبرر ذلك، بحبسه وفقاً لقوانينها أو باتخاذ تدابير أخرى لضمان وجوده الفترة اللازمة لإتاحة اتخاذ أية اجراءات جنائية أو إجراءات تسليم وتُجري هذه الدولة الطرف فوراً تحقيقاً أوليا في الوقائع. ونصت أيضا على أنه عندما تقوم أي دولة طرف، عملاً بهذه المادة، بحبس أحد الاشخاص عليها أن تخطر بذلك دون تأخير، سواء مباشرة أو بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة، كل من الدولة الطرف التي ارتُكبت فيها الجريمة. والدولة الطرف التي ارتُكبت الجريمة ضدها أو شرع فيها ضدها. والدولة الطرف التي يكون الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي ارتكبت الجريمة ضده أو شرع فيها ضده من مواطنيها.والدولة الطرف التي يكون الشخص المنسوب اليه إرتكاب الجريمة من مواطنيها، أو يكون محل اقامته المعتاد في اقليمها إن كان عديم الجنسية. وأي دولة طرف معنية اخرى ترى من المناسب اخطارها.
ونافلة القول أن كل المخالفات السلطوية والحكومية للقانون، سواء أن كان قانونا محليا أو عالميا، ليست بعيدة عن العقاب في عالم اليوم مهما تراءى لأي سلطة زمنية ذلك، ومن أغرب الأشياء أن يكون دعاة الثورة والتغيير هم الأحرص على القانون وعلى احترامه والالتزام به من السلطة الزمنية التي تحاول وأد هذه الثورة وهذا التغيير وتأطيره بأطر لا تتفق مع المعايير البديهية للدولة الوطنية المدنية الحديثة.
الجريدة
مقاطعة امتحانات جهاز الأمن بجامعة الخرطوم 1992 … الطريق إلى رد اعتبار الجامعة !
عبد الفتاح الحبيب : أرغم طلاب جامعة الخرطوم في 1992 على أداء الامتحانات تحت تهديد السلاح ا…