‫الرئيسية‬ رأي حرب اقليم التقراي
رأي - نوفمبر 10, 2020

حرب اقليم التقراي

د. محمد صديق العربي

فى عام 1997م كنا نؤدى الخدمة الوطنية او مايعرف بالتجنيد الاجباري بسلاح الاشارة في مدينة الخرطوم بحري وكان هناك ضابط برتبة الرائد يكنى بالتقراي ويسمى عبدالله وان لم تخني الذاكرة كان قائد وحدة الاستخبارات وكنا اكثر ما نخشى الوقوع فى يد هذا الضابط اذا كان خشنا فى تعامله مع الطلبة المجندين وذو ادب عسكري صارم وحاسم لا يميز من هو طالب يؤدى الخدمة الوطنية او عسكري يتبع لوحدته وكان لا يتوانى فى ايداع اى منا السجن ( الكركون ), فمنذ اليوم الاول قال لنا الرفاق الذين سبوقنا إياكم والوقوع فى يده (الشربكة بلغة الجيش )، كنيته تقراي تعنى الشخص الشجاع قوى البنية وهكذا تم تعريف كلمة تقراي لنا.
يقع اقليم التقراي المتاخم لحدود السودان في شمال  إثيوبيا ويحده من الشمال إريتريا ومن الغرب  السودان ومن الشرق اقليم عفر (يسمى هذا الإقليم باوقادين وبه نزاع مع الصومال إذ تسكنه القومية الصومالية وقام البريطانيون بتسليمه لاثيوبيا في السابق بعد توسع الاستعمار الايطالي في اريرتريا ونسبة المسلمين به تتجاوز ال ٩٤% ويسكنه اثنية العفر وهى  من القبائل العربية القديمة التي نزحت من جنوب الجزيرة العربية إلى أفريقيا الشرقية ويعرفوا أيضا باسم  الدناكل، والعفر اسم قبيلة مشهورة في اليمن ويتواجدون في كل من اثيوبيا وجيبوتي واريتريا ) ومن الجنوب يحده إقليم أمهرة.

يشتعل الإقليم حاليا بعمليات عسكرية من قبل الجيش الفيدرالي الأثيوبي ضد حاكم الاقليم الذي أعلن تمرده على الحكومة المركزية ودعا الى عزل الرئيس آبي احمد بعد أن إعلانه تأجيل الانتخابات بسبب جائحة الكورونا الى عام 2021م ، علما بأن نظام الحكم في اثيوبيا فيدرالي كل اقليم له الحكم الذاتي في كل أقاليم اثيوبيا التسعة؛ وواحدة من معيبات حكم اثيوبيا الفيدرالي قسمت الأقاليم تقسماً اثنياً؛ نتمنى للجارة الاثيوبية وقف نزيف الحروب التى لايجنى منها غير الدمار وتوقف عجلة التنمية بعد ان رأينا بارقة امل فى نهضة وتطور البلد الذى نحب اثيوبيا.
اقليم التقراي تنتشر فيه عصابات الشفتة وتعنى العصابات المتمردة الخارجة عن القانون ومع ذلك تعتبر مصدر فخر للمنتمين اليها لما لها من تاريخ بطولى فى نظرهم ويتغنون ويمجدون الفرسان المنتمين لها وهي بمثابة الفروسية والبطولة.

هذه العصابات ظلت مصدر قلق لمزراعي ولاية القضارف وكما انهم يسيطرون على جزء من الاراضى السودانية بقوة السلاح وهى من اخصب اراضى الولاية, وتنشط هذه العصابات اكثر فى موسم الحصاد باخذ محاصيل المزارعين السودانين والاليات الزراعية واحيانا المزارعين انفسهم وبعد التواصل مع ذويهم والمطالبة بفدية مالية كبيرة او عليهم ان يجدوا جثة الرهينة فى مكان محدد بعد انقضاء ايام معدودة فى حالة عدم دفع الفدية التي قد تصل احيانا الى ملايين عديدة.
هذه الحرب لن تكون فى غاية السهولة على الجيش الفيدرالي الاثيوبي اذ ان هذه العصابات متمرسة على حرب العصابات منذ امد بعيد وكما ان التدخلات الخارجية سوف تكون حاضرة فى المشهد وبقوة وبالاخص نظام الديكتاتور الاريترى افورقى وكحاله مثل كل الانظمة الديكتاتورية التي تعمل على اشعال فتيل الحروب وكما انه لا يخفى على احد الاطماع الاريترية فى التوسع فى الاراضى السودانية والاثيوبية وخاصة هذه الحرب اخذت الطابع الاثني ومعلوم امتداد قبيلة التقرنجا فى كل من واثيوبيا واريتريا؛ مما يزيد الموقف تعقيدا قد تمتد ايادى المخابرات الإقليمية في المشهد وللجارة جيبوتي أيضا دور في المشهد بالرغم من أن اثيوبيا تعتمد على 90% للموانى الجيبوتية وكذلك تداخل اثنية العفر ممتدة في جيبوتي وكما ان الامر معقد مع العلاقات الصومالية وقد يؤدى ذلك إلى تدفق مزيد من السلاح واطالة امد حرب لعينة تمتد لعشرات السنوات.

على قوات الشعب المسلحة السودانية ان تعمل على اغتنام الفرص فى استعادة الاراضى المستباحة وحماية المواطنين بدلا من اضاعة الوقت فى اطماع الحكم وكرسي السلطلة اذ لم يعد اليوم الوصول اليها ممكنا عبر دبابة او بندقية بل بالسيطرة على قلوب المواطنين وقائد ملهم وصادق وصناديق اقتراع فالاجدر لقوات الشعب المسلحة العمل على مثل هذه المواقف والتدريب والتاهيل بالتخطيط الاستراتيجى والعمل الاستخباراتي المحكم والمنظم وتحليل المعلومة المتحصل عليها ودراسة الفرضيات؛ ومنع المتسللين المسلحين وفتح أبواب الولايات المتاخمة للهاربين واللاجئين وتوفير الأمان لهم.
على الحكومة المدنية مخاطبة منظمات العون الإنساني المحلية والدولية لارسال المعينات والغذاء والدواء اذ يتوقع أن يكون أعداد النازحين كبير جدا يفوق إمكانية الدولة التى لا تستطيع إطعام مواطنيها خاصة إذا علمنا أن إقليم التقراي يسكنه حوالى 6 مليون شخص وهذه الحرب اذا اخذت طابع حرب العصابات سيطول امدها ولن ينطفئ لهيبها بين عشية وضحاها.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …