دموع حميدتي وزهد عقار و شفقة مناوي وحنين جبريل
عمر عثمان :
لا يمكن أن نسمي ماحدث في جوبا اتفاق سلام ولا الذي حدث في ساحة الحرية “احتفال بالسلام المزعو” فالأمر لم يكن سوى مرآة حقيقية لفشلنا في قيادة الثورة العظيمة ورميها تحت أقدام السلاح ومن يحمل السلاح رغم سلميتها فلا فرق في الامر طالما اختفت جميع معالم الثورة بعد أن اغتيلت في ساحة القيادة أمام مسمع ومرأي العالم المتواطئ الذي لاتعرف دوله و محاورها سوى حماية المصالح وخير من يحرس تلك المصالح من تلطخت يداه بدماء الأبرياء من أبناء وطنه فالذي يقتل أبناء وطنه من أجل الانفراد بالسلطة لايعنيه في أي حضن يقع ولا عقيدة ذلك الحضن طالما وفر له الأمان وشكل له درعا يقيه شر المحاكم الانقلابات.
ولم يتعظ من يطلقون على أنفسهم “قادة السلام” دون أن يسميهم احد ويشرعون في احتفالات زائفة هم صانعوها بمثلما صنعوا أكذوبة السلام وصدقوها يريدون من الشعب الأبي أن يصدق ذلك السخف، لم يتعظوا من سلفهم وكبيرهم الذي علمهم السحر تباعا و”وباع واشتري فيهم” لكل المحاور التي لم تنفعه ولم تنجده بل تنكرت له بعد أن استوفي المطلوب منه ورمته ككلب اجرب في غياهب السجون، لم يتعظ هؤلاء في نهمهم تجاه السلطة وشراهتهم للكراسي والمناصب التي سرعان ما سيتقاتلون عليها في قلب الخرطوم طالما لكل حركته التي جندها ووجها تجاه السلطة فقط ورسم آلاف الأحلام الوردية في عقول جنوده الذين لايرون في الخرطوم سوى عاهرة كل شئ فيها مستباح ولا يحق لأحد أن يعكر صفوهم أو يوجه لهم انتقادا لأنهم لن يرضوا غير “الصدر دون العالمين أو القبر” كل يحاول إزاحة الآخر فلا قوات مني ستفهم أن الجنجويد صاروا أصدقاءا ولا قوات خليل سترضخ للأمر الواقع الآتي بخلاف ما رسمه معلمهم الأول قبل يغتاله نظام المخلوع.
فحميدتي الذي زرف الدعم سخينا في ساحة الحرية لم يدرك حتى الآن أنه ضيق الخناق عليه نفسه أكثر مما يتخيل العقل البشري وقواته التي تتحرك بحرية وتنال ماتريد كمليشيات متفلتة، ستجد من يشاركها الفوضى نفسها ولا لغة سوى السلاح يمكن أن تحل في سماء الخرطوم،فجميع هذه القوات دربت على شئ واحد هو استلام السلطة المطلقة دون شريك ومهما تحايلت الاتفاقية في استيعاب أكبر عدد من قادة هذه الحركات في السلطة فإنها بكل تأكيد لن تستطيع أن ترضي الجميع ولو أسست لوزارات وهمية جديدة تفقدها السيطرة على القوات قبل دمجها الذي لايعدو كونه خيالا خصبا، لن يصمد أمام الواقع طويلا.
فدموع حميدتي وتعاطفه مع ابراهيم الشيخ الذي يمثل الجانب “المدني الذي لايحمل السلاح، هي آخر محطات السلام الذي وئد في جوبا ونقل الحرب للخرطوم، لا أحد سيدفع ثمن تلك الخطوة سوى حميدتي نفسه الذي وجد قواته محاصرة بجميع أعدائه، الذين نساهم باستقراره في الخرطوم واضوائها الصاخبة ومويتها الباردة وتجواله مابين دبي والرياض والقاهرة وغمرة نشوته بالسلطة والثروة المتدفقة عليه من كل حدب وصوب.
وبالمثل نجد أن جبريل لن يجد سوى رفقاء الحركة الإسلامية ونظامها البائد شريكا يمكن أن يثق فيه ويحافظ له على التوازن أن جد الأمر وتغيرت معطيات اللعبة، ومناوي الذي لايملك من المؤهلات مايجعله اهلا لأي منصب سيجن جنونه حال توزيع الحقائب أو قل الغنائم وسيكون اول المبادرين بنفض يده عن الاتفاق المزعوم ولن هذه المرة الأمر مختلف والمكان مختلف ولا مجال للهروب خارجا والقفز من المركب.
الوحيد الكاسب في جميع الأحوال هو عقار الذي يبعد إقليمه كثيرا عن الصراعات وقواته نفسها ليست بالعدد الذي يؤهلها لقيادة اي تمرد وسط كماشة الحركات القادمة من أجل السلطة لذا أعلن زهده في المناصب بذكاء يحسد عليه فلا حول ولاقوة له يستطيع أن يهدد بها في سباق طلب المناصب، لذا سيكتفي بمنصبه السيادي أو وزارة فخيمة وعلى أسوأ الفروض واليا على ولايته وينتهي الأمر به هناك.
فكل الان يتحسس قواته ومدى قوتها وقدرتها على الصمود في الخرطوم دون تفلتات نتيجة الانتقال من الخلا للمدينة واختلاف اسلوب الحياة فيها و الذي يمر بعدة متغيرات على كافة المستويات،إذ لامجال لترك القوات في مناطقها بالخلا أو الجبال أو الغابات التي تسيطر عليها هذه الحركات طالما أصبحت “حاكمة”
فهذا هو المشهد القادم دون زيف مع غياب تام لأصحاب الثورة وقادتها من المدنيين الذي مهدوا لأطراف الصراع العودة للخرطوم على ظهر سابح دون أن يخسروا رصاصة واحدة بينما خسر الشعب السوداني خيرة شبابه شهداء برصاص عصابة البشير التي قاتلها هؤلاء كثيرا دون أن ينالوا ما ارادوه، ليجدوها على طبق من ذهب قدمها لهم من وثق فيهم الثوار وقدموهم فخانوا العهد ولم يبق إلا رماد الاحتراق.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …