حين تتصارع الأفيال … يعاني العشب
اميرة أحمد – ديسمبر 2020 :
هكذا هي لغة الحرب، وإلي أن تضع الحرب أوزارها، سوف يستمر تدفق موجات النزوح الجماعي للاجئي التقراي الفارين إلي شرق السودان، أغلب الظن وكما هو الحال دائما، أنهم يفرون من حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل… بل أن نصيبهم منها لا يحمل إلا القتل والإصابات والدمار والنزوح عبر طرق وعرة .. تاركين خلفهم حاضر تمزقه الحرب ولكنه يحمل في طياته تاريخهم وحضارتهم وذكريات البلد والبيت وتفاصيل اليوم، إلى مستقبل مرير ولكنه طوق النجاة الوحيد المتاح أمامهم.
يعيش ستة في المائة من سكان إثيوبيا الذين يزيد عددهم عن 100 مليون نسمة في إقليم التقراي، المعزول حاليا عن العالم بسبب إنقطاع الإتصالات لظرف الحرب، والذي تستعر فيه الحرب بين الحكومة المركزية في أثيوبيا وجبهة تحرير التقراي TPLF. من هؤلاء الستة مليون من سكان الإقليم، هناك مليوني شخص كانوا بالفعل بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
حتى الآن وصل أكثر من 43.000 إثيوبي (حوالي 4000 / يوم – نصفهم من الأطفال) إلى السودان منذ بدء أعمال العنف في 4 نوفمبر، بينما تقدر الأمم المتحدة أن العدد قد يرتفع إلى 200000 خلال الأشهر الستة المقبلة.
تتصارع الأفيال ليعاني العشب مفرزا الموجة الثالثة من النزوح الجماعي للشعوب الأثيوبية-الأرتيرية داخل السودان، بعد الفترة الأولي الممتدة من العام 1994-1991 أثناء حكم الدرك (منقستو هيلاماريام) والفترة الثانية الممتدة من العام 1998-200 أثناء الحرب بين أثيوبيا وأريتريا. حيث يعد السودان، البلد ذو التاريخ الأطول من حيث حركات النزوح واللجوء في القارة الأفريقية، ويعد وجهة كلاسيكية وبلد عبور للمهاجرين واللاجئين، خاصة الإريتريين والإثيوبيين الذين يشكلون حوالي أكثر 70% من إجمالي عدد اللاجئين في السودان، يعيشون في المخيمات وأيضاً في المناطق الحضرية، وتمتد فترات إقامتهم كنازحين-أجانب في شكل لجوء مطول، حتي أن حوالي 60% من هؤلاء اللاجئون قد ولدوا وعاشوا جل حياتهم في السودان.
وبالرغم من الصعوبات الجمة التي يواجهها اللاجئ-اللاجئة في السودان من صعوبة في الحياة وإضطهاد الدولة والشارع وأحيانا التهريب والإتجار بالبشر والتعرض لكافة أنواع الإستغلال، إلا أنه وبالمقارنة مع دول العبور الأخرى في المنطقة ، فإن السودان يوفر بعض مساحات العيش، ونتيجة لذلك، يختار بعض المهاجرين البقاء في السودان، فنجد أن هناك مجتمعات شتات كبيرة في الخرطوم من الأثيوبيين والأرتيريين وتنخرط العمالة المهاجرة من البلدين في مهن مختلفة في القطاع غير الرسمي، وأحيانًا أيضا كمهاجرين غير نظاميين. ربما كان لتاريخ اللجوء وخصوصية العلاقة والضيافة الشعبية والرسمية والبنية التحتية المؤسسية والقانونية التي قام بوضع لبناتها السودان في مرحلة متقدمة جدا، دور مهم في وضع السودان آنذاك علي قائمة الدول التي قدمت نموذجاً رائعاً في إستضافة اللاجئين.
يعبر بعض اللاجئون “المحظوظون” إلي أن يصلوا الحدود الشرقية للسودان بعد رحلة شاقة جدا إلي مركز التسجيل في حمدايت، أحياناً بعد فترة إنتظار طويلة بسبب نقص الوقود، ثم يتم توزيعهم إلي قرية 8 أو إلي معسكر أم راكوبة، حيث وصل الموقعيين بسرعة شديدة إلى أقصي طاقتهما الإستيعابية، وتتدير الآن الحكومات المحلية ومنظمات الإغاثة إفتتاح معسكرات أخري لسد الحاجة.
أما الوضع في معسكرات اللجوء فهو يغني عن السؤال. كما ورد في تحقيقي الصديقين الأستاذة شمائل النور والأستاذ محمد أمين في، علي سبيل المثال، فإنه عند زيارة مناطق اللاجئين تأتيك أصوات اللاجئين صائحة “طعام” أما المتحدثون باللغة العربية ينادن أنهم “جعانون” – حيث أن الطعام المقدم لهم لا يكفي لسد الرمق ولا يتعدي القليل من العدس والعصيدة. أما النساء كالعادة منسيات ويمثل حصولهن علي الفوط الصحية هاجس كبير لا يعبأ به غيرهن رغم أهميته الكبيرة وحساسية الحديث عنه.
ويوجد مركز صحي واحد فقط حتى الآن تديره منظمة ميرسي كور، التي رصدت حالات متكررة وسط اللاجئين من سوء التغذية والحمى والتهاب الكبد الوبائي والإيدزوالكورونا، حيث تم رصد 6600 حالة إصابة بـ كوفيد-19 و 45 حالة وفاة قبل إستعار الحرب.
نظام حماية اللاجئين في السودان:
ينقسم أنواع أنظمة الدولة فيما يتعلق بحماية اللاجئين إلى ثلاث أنظمة، بحسب خبراء الهجرة:
1. النظام الليبرالي، وهو النظام الذي تستخدم فيه “الدولة المضيفة آليات مثل التعليم أو التوظيف أو الهياكل القانونية في محاولة لدمج” غير المواطنين في النظام الوطني “(نورمان 2018 ، 43).
2. النظام الإقصائي: الذي يتلاعب نظير الأنظمة الليبرالية ، بالسياسات القمعية لتنفير و “احتمال إبعاد غير المواطنين عن الدولة” ، مما يعيق اندماجهم في المجتمع.
3. نظام غير مبال: حيث تقوم الدولة المضيفة “بتفويض المنظمات الدولية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني لتقديم الخدمات الأساسية للمهاجرين واللاجئين” لأنها تختار بوعي “عدم إنفاق الموارد” عليهم (نورمان 2018: 43).
المتأمل لسياسات الدولة ذات الصلة باللاجئين في السودان على مدى التطور التاربخي، يدرك أن السودان قد إعتاد أن يمثل لأقصى جهوده “نظامًا ليبراليًا”. فقد قدم السودان في وقت ما، مثالاً ممتازًا لدولة نامية تقدم بشكل إستباقي الضيافة للاجئين بإستخدام مواردها الخاصة وحتى قبل وصول المجتمع الدولي. حتي قيل أنذاك أن السودان يمثل نموذج جيد حيث أنه لا يركن بالهمة للجهات الدولية.
من أمثلة ذلك: أن السودان يجسد أحد البلدان القليلة في المنطقة التي أصدرت “قانون لتنظيم اللاجئين” منذ عام 1974 (تم تعديله في عام 2014)، كما أنشأت مفوضية اللاجئين لتنسيق مساعدة اللاجئين وتسجيلهم و إجراء تحديد وضع اللاجئ Refugee Status Determination. كذلك فإن السودان هو أحد الدول القليلة التي تقدم تصاريح عمل محدودة لبعض للاجئين والمهاجرين.
مع ذلك ، أظهرت سياسات الدولة ، على مدى السنوات الأخيرة ، تحولًا من نظام ليبرالي إلى نظام غير مبال – وفي بعض الحالات نظام إقصائي ، حيث يبدو أن السياسات الإنسانية المتعلقة بحقوق اللاجئين وحمايتهم تواكب الموقف العالمي المتزايد العداء تجاه حقوق المهاجرين واللاجئين.
تجلي ذلك علي سبيل المثال خلال العام الماضي في ظل الحكومة الانتقالية ، عندما تم تطويق وجمع اللاجئين من منازلهم وأماكن عملهم ومن الشوارع واقتيادهم إلى الحبس بدعوي أنهم لا يحملوا تصاريح عمل. حيث أصدر السودان لوائح تنفيذية جديدة مؤخراً لتنظيم ومراقبة الأجانب في البلاد وحظرهم من من ممارسة الأنشطة التجارية. ولزيادة الطين بلة، طلب “القائمن علي إنفاذ القانون” من اللاجئين المحتجزين دفع ما بين 50 ألف و 100 ألف جنيه كغرامات من أجل إطلاق سراحهم.
إستجابة الحكومة السودانية
من المهم أن تفي حكومة السودان بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه إستقبال وحماية اللاجئين. فإن حكومة السودان من الدول الموقعة على الصكوك الدولية والإقليمية الرئيسية مثل: اتفاقية جنيف لعام 1951 ، واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969 التي تنظم الجوانب الخاصة لقضايا اللاجئين في إفريقيا. ما يتعارض علي سبيل المثال مع هذه الميادئ، هو تحفظ الحكومة السودانية على المادة 26 من اتفاقية 1951 المتعلقة بحرية تنقل اللاجئين ، وبالتالي فإن الدولة تخلق لنفسها أساس قانوني لإلزام اللاجئين بالبقاء في معسكرات اللاجئين المعيقة للإندماج. وجود اللاجئين في معسكرات لعقود ممتدة دون التوصل لحل دائم يخلق أزمة هويات وأشكال غير قانونية من المواطنة، وبالتالي يحرم اللاجئون من العديد من المزايا والحقوق.
حتي الآن لم تتضح معالم خطة الإستجابة الإنسانية التي سوف تنهجها الحكومة السودانية للتعاطي مع الأزمة حتي الآن التي من خلالها أيضاً تشرف وتنسق علي عمل المنظمات الإنسانية الوطنية والدولية الفاعلة. حيث يعتمد السودان إلى حد كبير على دعم المنظمات الدولية فيما يتعلق بتطوير وتنفيذ سياسات وبرامج الهجرة، بإعتباره بلد يفتقر إلى القدرات والموارد الكافية في هذا النطاق.
فتح السودان حدوده وتم الترحيب باللاجئين حتي من قبل المجتمعات المحلية والجالية الأثيوبية المقيمة بالسودان – وهذا عادة ما يحدث في بداية الأزمة قبل أن تنضب الموارد الشحيحة أصلا ويصيب البشر الرهق والتذمر، فمثلا تم تنظيم مبادرة أهلية هي عبارة عن قوافل تضامن نظمت سيرها صوب معسكرات اللاجئين في حمدايت والهشابة.
من الضروري التذكير بأن هذه الموجة من النزوح ليست مؤقتة، وأن اللاجئون لا يشكلون تهديداً أمنياً، بل أنهم هم من بحاجة إلى الأمن والحماية. هذا ما يجب أن نتعلمه من التاريخ.
نحن الآن أمام أزمة إنسانية في طور التخلق، فهل ننتظر حتي تتفاقم لنأتي ونتنصل منها كما هو دأبنا؟ هل نخفق مرة ومرات أخري في الإستجابة لنداء الواجب الإنساني؟ أدركوا أخواتنا وأخواننا الأثيوبيون، فإن ما يجمعنا بهم الجوار وطيب المعشر وقبل ذلك قيم التعاطف والتعاضد والإنسانية الرحبة.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …