تحقيقات :
فتحي البحيري
الفقر ومحاربته في السودان : بين المهمة الانتقالية والحالة الأزلية
دكتور جمال سعد : النساء والفتيات.. والمزارعون المطريون .. هم الأشد فقرا
المهندس فهد يوسف : السودانيون يخلقون فرصهم ووظائفهم بمفردهم والحكومات تأخذ منهم ولا تعطيهم
تحقيق : فتحي البحيري
1
اعترف دولة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك اواخر سبتمبر الماضي وضمن خطابه أمام ما سمي بالمؤتمر الاقتصادي أن نسبة الفقر في السودان 65% وعند محاولة التقصي عن علاقة الجهات الحكومية في بلادنا بحل مشكلة الفقر المتأصلة لدى مواطن هذه البلاد المغلوب على أمره وقبل النظر في النسب والأرقام الحكومية وغير الحكومية التي تصف حالة الفقر في السودان نتذكر أنه في زمن الانقاذ الدكتاتوري أحدثت التصريحات الكاريكتورية لأحد الدستوريين الانقاذيين موجة من الضحك والاستهجان في آن معا ، تلك التصريحات التي قال فيها أنه لا يجوز محاربة الفقر لأن ذلك بمثابة الحرب على الله !! وفي زمن حكومة الثورة ينفتح الجرح على أعماقه القصوى عندما يقول المهندس فهد يوسف لصحيفة الجريدة أن سؤال الفقر لم يرد أساسا بذهن أي حكومة مرت على الشعب السوداني لا من قريب ولا من بعيد مضيفا أنه بسبب فشل بناء الدولة منذ الاستقلال و حتى الان لازال الشعب السودانى يجنى ثمار المعاناة والفقر وظل كل فرد فيه يخلق لنفسه الوظيفة والفرصة التي يجابه بها هذا الفقر بنفسه وظلت الدولة بحكوماتها المتعاقبة “تأخذ” منه مما يصنعه ويخلقه لنفسه من فرص ووظائف بدلا من أن تخلق له هي تلك الفرص والوظائف لأن السياسي المشغول بالايدلوجيا وبالشعارات عن بناء الدولة ظل هو وحده الموجود في الحكم والمعارضة على حد تعبير المهندس يوسف.
2
في 2014 قالت تقارير أن نسبة الفقر في السودان وصلت إلى 69% وقدم الخبير الاقتصادي المرحوم كبج وقتها تحليلا علميا رصينا مبنيا على التدهور في قيمة الجنيه السوداني خلال الفترة من 2009- 2014 ووصل إلى نتيجة مفادها أن نسبة الفقر قاربت في 2014 الـ 70% حيث قال في تصريح صحفي آنذاك ” الوضع الآن اختلفت فيه الموازين تبعاً للتدهور المريع للجنيه السوداني، فالمعالجة التي نفذها بنك السودان مسبقاً رفعت نسبة الإنفاق إلى الضعف، إضافة إلى أن رفع سعر الدولار في السوق الموازي أدى إلى انخفاض القوة الشرائية، وبجانب ذلك قام البنك بشراء الذهب من التجار بالدولار، بسعر السوق الأسود”. واستدرك شارحاً وموضحاً للأمر بإجراء مقارنة لسعر الجنيه مقابل الدولار في العام 2009 ” إذ كان يبلغ ثلاثة جنيهات، أما الآن – 2014 – فالسعر الرسمي له يعادل (5.7)، فيما تجاوز سعر السوق الأسود الآن ثمانية جنيهات!! وكان من تداعيات ذلك هبوط عدد كبير من الأسر إلى أدنى خط الفقر. وإذا كانت معدلات الفقر في العام 2009 م تشير إلى أن ما يقارب نصف سكان السودان يقعون تحت خط الفقر، وبعملية حسابية بسيطة يُقارن فيها سعر الجنيه في السابق والآن، نجد أن ما يربو على ثلثي سكان السودان فعلياً تحت خط الفقر!! وأنا – والحديث لـ “كبج” – من هذه الزاوية أتفق تماماً مع ما توصل إليه عدد من الخبراء بأن معدل الفقر الآن وصل إلى (69%)، ومن بين كل عشرة أفراد سبعة منهم تحت هذا الخط!!”
3
يمضي المهندس فهد يوسف بقوله : لذلك فان هذا السؤال سابق لأوانه وأن على الشعب أن يواصل فى مجابهة الفقروصنع وظيفته بنفسه ولايأمل فى أن يجد آذان صاغية , ليس للمشكلات المتعلقة بالفقر وحسب بل لكل الموضوعات التى يطرحها أى مواطن آخر فى أي مكان توجد في دولة .واقترح ان لا ننظر لمدعى السياسة على انهم سياسيون و رجال دولة، بل يجب ان يسآلوا الان بشكل قانونى – والحديث لا زال لفهد يوسف – عما سببوه من ضياع للثروة و اهدار لموارد الشعب كما يسآل الان افراد النظام السابق بلا استثناء
يوافق فهد في رأيه امجد عثمان الطالب باحدى الجامعات الحكومية والذي يحكي لصحيفة الجريدة معاناته مع المصاريف الجامعية وتكاليف المعيشة بعيدا عن أهله في انتظار استئناف الدراسة التي لا تتواصل إلا لتنقطع ولاتنقطع إلا لتتواصل ولم يعد في مقدوره معرفة متى يسافر إلى أهله ومتى يعود إلى العاصمة فالمعيشة هنا غالية جدا والسكن كذلك وتكلفة السفرصعبة أيضا ولم تعد المهن والوظائف والفرص التي يمكن خلقها وصناعتها متوفرة ناهيك عن أنها غير قابلة هي الأخرى للتواؤم مع ظروف دراسته المتقلبة
وبحسب أمجد فإن خيار ترك الدراسة بشكل نهائي بدون عودة وقبل إكمالها صار واردا عنده بشدة وأن العديد من زملائه فعلوا ذلك ولديه “خال” يشجعه عليه باستمرار وأنه في أشد الحسرة على سنوات عمره التي ضاعت بهدف الحصول على شهادة جامعية وهو الهدف الذي يبدو أنه سوف لن يتحقق أبدا بعد أن صار قاب قوسين أو أدنى وكل ذلك بسبب الفقر الذي لا يد له فيه والذي يتفاقم كل يوم ولا يتقلص
4
صنف تقرير التنمية البشرية الذي أنجزه صندوق الأمم المتحدة الإنمائي السودان في المرتبة 154 عالميا ضمن مؤشر التنمية البشرية ضمن أدنى دول العالم التي تتميز بتنمية متدنية. ويشير التقرير الأممي الذي صدر قبل سنوات إلى أن دخل الفرد بالسودان لا يتجاوز 1353 دولارا سنويا، أي أقل من 4 دولارات في اليوم ، فيما يبلغ عدد المحرومين في السودان من خدمات شبكة الكهرباء 65%، ومن شبكة الماء الصالح للشرب 43%، ومن شبكة التطهير 46% وفق بيانات التقرير الأممي
وكان كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة أكسفورد قد أعلنا عن إطلاق مؤشر جديد لقياس مستويات الفقر، مؤكدين أن هذا المؤشر سيمنح صورة متعددة الجوانب عن الأشخاص الذين يعيشون في معاناة ويمكن أن يساعد في وضع برامج إنمائية محددة تستهدف تلك الفئة.وقد تم تطوير وتطبيق مؤشر الفقر المتعدد الجوانب، من قبل جامعة أكسفورد ومعهد التنمية الإنسانية بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويحدد مؤشر الفقر المتعدد الجوانب عددا من العوامل الهامة على مستوى الأسر من التعليم إلى الصحة إلى الممتلكات والخدمات، وبالنظر إلى جميع هذه العوامل يمكن أن نحدد صورة كاملة عن الفقر بدلا عن قياس حجم الدخل فقط.يكشف المؤشر عن طبيعة ومدى استفحال الفقر على مختلف المستويات بدءا من المستويات الأسرية إلى المستويات الإقليمية والوطنية والدولية. وقام الباحثون من معهد التنمية الإنسانية بتحليل بيانات واردة من 104 دول يبلغ عدد سكانها مجتمعة 5.2 مليار شخص أو 78% من عدد سكان العالم لإعداد هذا المؤشر.وبحسب المؤشر فإن 1.7 مليار شخص في تلك الدول، أو ثلث سكانها، يعيشون في فقر متعدد الجوانب، وهذا يفوق عدد الأشخاص الذين تم إحصاؤهم بحسب مؤشر الفقر الإنساني والبالغ عددهم 1.3 مليار شخص. كما يجسد مؤشر الفقر المتعدد الجوانب الأبعاد الواسعة للفقر، فمثلا في إثيوبيا تبلغ معدلات الفقر 90% بحسب مؤشر الفقر المتعدد الجوانب مقارنة بنحو 39% بحسب مؤشر الفقر الإنساني والذي يعتمد على حساب الدخل فقط. فمؤشر الفقر المتعدد الجوانب يأخذ في الحسبان الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي، ففي بعض الدول تتوفر هذه الخدمات مجانا أو بأسعار زهيدة بينما في دول أخرى لا تتوفر حتى بالنسبة للأشخاص من ذوي الدخل.
5
يقول الباحث ومحلل البيانات الدكتور جمال سعد أن الفقر في السودان يؤثر علي المزارعين الذين يمارسون الزراعة المطرية. ومن أكثر المناطق انتشارا وعمقا للفقر هي المناطق الريفية في (جبال النوبة و الإنقسنا) والمناطق المتضررة من الصراع والجفاف والمجاعة مثل غرب و شرق السودان. وأن معدل انتشار الفقر يختلف بشكل كبير حسب المنطقة، وذلك جزئيا بسبب النمو الاقتصادي الذي تم توزيعه بشكل غير متساو، ولكن أيضا بسبب الدمار الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن النزاع في مناطق معينة من البلاد. وأن هناك تفاوتات شديدة من حيث فرص الحصول على التعليم والصرف الصحي والمياه النظيفة والبنية التحتية والموارد الطبيعية، وفرص الدخل والعدالة والحماية السياسية. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي المستدام كان وراء انخفاض الفقر المدقع من 85 في المائة في 1990 إلى ما يقدر ب 60 في المائة ، والتفاوتات الإقليمية الهامة لا تزال موجودة. يبقى السودان دولة ذات دخل منخفض كما أن السودان يحتل المرتبة 165 على مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2012/2013)، من بين 178 دولة.
ويضع الفقر ضغطا كبيرا في المناطق الأكثر فقرا في البلاد والاكثر نموا سكانيا ، والحديث لا يزال للدكتور جمال سعد ، بما في ذلك النازحين والعائدين مما أظهر ضغطا علي النظم الإيكولوجية الهشة أصلا. تآكل التربة، وفقدان خصوبتها والأضرار التي لحقت بمستجمعات المياه تؤثر على الموارد في وقت تنخفض فيه الإنتاجية الزراعية مسبقا. ويواجه المزارعون أثر من آثار تغير المناخ، مثل ندرة المياه، على مصادر رزقهم و تقلبات اسعار المواد الغذائية كل ذلك يؤثر علي الامن الغذائي الاسري.
وبحسب سعد فإنه وبشكل عام، فإن المزارعين والرعاة في قطاعات الزراعة المطرية وتربية المواشي التقليدية على نطاق صغير هم الأكثر فقرا من العاملين في القطاع الزراعي المروي. والناس الذين ليس لديهم أراض زراعية يطلبون الرزق عن طريق العمالة المؤقتة مثل جمع الحطب وصناعة الفحم. والذين يعيشون في المناطق التي كانت أو لا تزال تتأثر بالجفاف والصراع – وخاصة في الجنوب ودارفور – هي الأكثر عرضة للفقر.
ويخلص إلى أن البعد الهامشي هو واحد من العوامل الرئيسية التي تؤثر في زيادة الفقر، مثل المستوطنات الواقعة بعيدا عن الطرق الرئيسية لديها فرص محدودة او معدومة على الخدمات الاجتماعية والأسواق. ففي المجتمعات الريفية والأسر التي لا تملك أصول أو قوة عمل هي الأسر الأكثر فقرا، وهي تشمل المسنين والمعاقين والأسر التي ترأسها نساء وبها الشباب قاصر. والنساء والفتيات هم الأعضاء الأكثر حرمانا في المجتمع – أقل من ثلثهم لا يستطيع الوصول إلى التعليم.
ويرى الدكتور جمال أن من أهم أسباب الفقر الجذرية في السودان تطبيق استراتيجيات التنمية الخاطئة، والتكيف البطيء للتقلبات المناخية، وتآكل الموارد الطبيعية هي الأسباب الجذرية للفقر. وأيضا الصراعات الأهلية الطويلة التي كان لها تأثير مدمر على سكان الريف. إذ تستند معيشة فقراء الريف علي ممارسة زراعة الكفاف، الرعي وصيد الأسماك، حيثما كان ذلك متاحا. تعوقهم صغر حجم الحيازات الزراعية، وانخفاض معدلات الإنتاجية وعدم القدرة على تحسين دخولهم. بسبب قلة الأمطار وإمدادات المياه المحلية وبرغم قصر فترة النمو بالنسبة لمعظم المزارعين يظل تلف المحاصيل متكررا عاما بعد عام. فالقيود الرئيسية لمعيشتهم هي: عدم القدرة على التنبؤ بهطول الأمطار. ونقص المياه خلال موسم الجفاف. والحواجز على طرق الترحال الموسمي التي تؤدي إلى الخلافات بين المجتمعات الرعوية، والمجتمعات المستقرة، أو بين المجتمعات المحلية والمصالح التجارية.
وهم فقراء أيضا بحسب الدكتورلأن الوصول إلى قنوات الائتمان والتوزيع والتسويق محدودة، ولأن لديهم عدم المعرفة الكافية والمهارات الفنية فقيرة في الإنتاج والتسويق، و كما ان المزارعين يجدون صعوبة في الخروج من دائرة الإنتاجية والدخل المنخفضين. مما جعل الهجرة الموسمية للعمال الريفيين سعيا وراء فرص العمل المأجور في المزارع الآلية والمروية والمناطق الحضرية على نطاق واسع.
الجريدة
مقاطعة امتحانات جهاز الأمن بجامعة الخرطوم 1992 … الطريق إلى رد اعتبار الجامعة !
عبد الفتاح الحبيب : أرغم طلاب جامعة الخرطوم في 1992 على أداء الامتحانات تحت تهديد السلاح ا…