‫الرئيسية‬ رأي ما الذي يحدث على الحدود الأثيوبية السودانية؟
رأي - يناير 8, 2021

ما الذي يحدث على الحدود الأثيوبية السودانية؟

الكاتب الاثيوبي غزالي ابافيرا اباملاك :

من القضايا الساخنة الخلاف والتوتر بين أثيوبيا والسودان على الحدود!
في هذا التوقيت تزامنا مع انشغال أثيوبيا بفرض سيادة القانون في شمال البلاد، لماذا حاول الجيش السوداني الدخول إلى الأراضي الأثيوبية؟
من الذي يقوم وراء هذه الخروقات والبلبلة الخطيرة؟
الحياة الإنسانية بدون أمن وسلام ستكون صعبة للغاية! الحياة الفردية والإجتماعية, وحسن الجوار والعلاقات الدولية والمشاركة في المصالح العام كلها لا تنجح إلا باستتباب الأمن والإستقرار. ولأجل ذلك الأذكياء يفهمون معنى السلام ويقدمونها على جميع الخيارات وينادون لها؛ والأمن والسلام لا تتحقق بإرادة الطرف الواحد فحسب ما دام الطرف الآخر ياخادع ويهدد ويطرح السلام عرض الحائط.
والتطبيل للحرب والغطرسة الحالية والتعبيرات النارية والغير المسؤولة من بعض القوى السودانية في الأسبوع الأخير ليست في صالح الشعبين؛ والأحسن لكلا الشعبين هو تقديم خيار الأمن والسلم والإبتعاد عن مغبة الحرب والدمار؛ وطريق الهدم والدمار لم يكن صعبا قط والأصعب هو خيار البناء والإشادة والنهوض.
وللإبتعاد بالشعبين الأثيوبي والسوداني عن مثل هذه التهديدات والتهورات الغير مسؤولة, ولئلا يتضرر بها الناس الأبرياء, ولا ينزلق الوضع إلى الخطورة والأسوأ نود أن ننبه إلى النقاط التالية مع الإخطار والمناشدة. تابعونا:-
1. العلاقات الثنائية التاريخية بين الشعبين الأثيوبي والسوداني:-
كان للشعبين تاريخ قديم من العلاقات الثنائية؛ وقبل تأسيس الدولتين, وقبل ترسيم الحدود الإصطناعي بين الشعبين يرجع تاريخ الترابط الأخوي والعلاقات الإجتماعية والإقتصادية للوراء لقرون عدة وربما منذ البداية. وتساند الشعبان معا في حل وتخفيف مشاكلهم العديدة وتذليل العقبات التي واجهتهم في ممر التاريخ؛ وشاركوا معا في كثير من مناسباتهم الشعبوية والأخوية, وشاركوا العديد معا من الأفراح والتفاعلات الثنائية؛ وعاش البعض جنب الآخر بحسن الجوار في علاقات جيدة وتركوا إرثا دائما لأبنائهم جيلا بعد جيل وسيستمر كذلك ذخرا وذكرا للأجيال القادمة.
والشعبان في منطقة الشرق الأفريقي قاما معا بلعب دور مهم في تغيير المنطقة مع أشقائهم الآخرين حيث ساهما في بناء علاقات إجتماعية واقتصادية وسياسية مع باقي دول المنطقة مما يجعلهم بمثابة قدوة ونموذج لباقي شعوب القارة الأفريقية.
وفي أيام الأزمات السياسية والإضطرابات الداخلية في كلا الدولتين قام الشعبان بالتعاون فيما بينهما في حل المشاكل وتأسيس الحكومات بعض سقوط الأخرى واستعادة الأنظمة المتدهورة, وتبادل الخبرات في الحل وشاركا معا في عديد من المنتديات المشتركة.
وفي واقع الأمر القريب لعبت أثيوبيا دورا رئيسيا في حل الأزمة السياسية في السودان العام الماضي حيث وقفت إلى جانب السودانيين في حل تلك الأزمة وإنقاذ السودان من الإنزلاق الخطير، وسالت دموع الفرح من السودانيين والجمهور المشاركين في منتدى السودان للسلام والمصالحة التي ألقى فيها الدكتور أبي أحمد علي رئيس الوزراء الأثيوبي خطابه التاريخي حيث أعاد الأمل للشعب السوداني وبكى الجميع وساد جو السلام والحب ونجحت أثيوبيا في تلك الوساطة التاريخية بين الأشقاء السودانيين.
وبشكل عام، يعرف الشعب السوداني أكثر من غيره بأنه ليس هناك شعب أقرب للشعب السوداني مثل شعب إثيوبيا؛ ومن المهم أيضا أن بعض الإخوة من الأفراد والقوى السودانيين الذين يحاولون الوقيعة وإثارة البلبلة بين الشعبين لا يمثلون الشعب السوداني ولا يستطيعون أن يحققوا شيئا من أهدافهم الخاطئة، ولكنهم فقط لإنجاز الأجندات الخفية والخديعة التي تلقوها من طرف ثالث لإشعال الفتنة وإزهاق أرواح الأبرياء وإشغال المنطقة بقضايا الكل في غنى عنها.
2. مستقبل الحكومتين وأجندات الشعبين:-
الحكومة السودانية: وفي الوقت الراهن تعيش الحكومة السودانية وشعبها في حالة من الخوف بسبب الأوضاع الداخلية والخارجية المختلفة، ولا زالوا قلقين من توقع الإنفلات الأمني وعدم الإستقرار نتيجة الخلافات الداخلية والتدخل الخارجي من الجارة القريبة مصر حيث تتدخل في الشؤون الداخلي السوداني وتتكرر الزيارات من المخابرات كأن السودان أحد محافظاتها.
ومن جانب آخر فإن أكبر مشكلة يواجهها السودانيون هي البطالة والنقص في المواد الغذائية والتغلب على الفقر؛ وتعرض الرئيس السوداني السابق حسن البشير لانتقادات واسعة بسبب النقص في الخبز؛ وبعد الإطاحة به من قبل الجيش السوداني في أعقاب الانتفاضة الجماهيرية، أثرت الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية وعقوبات القوى العظمى على السودان بشدة.
بعيدا عن الدخول في الحرب والمواجهة على الحدود مع إثيوبيا السودان الأشقاء في حاجة إلى القيام بالتخلص من المشاكل الداخلية وإحلال السلام والتعاون مع الجيران والدول والعمل في رفع العقوبات وتوسيع البنية التحتية والتنمية الإقتصادية وعملية تنظيم هيكل سياسي وانتقال سياسي سلس والخروج من مشاركة الحكم العسكري إلى الحكم المدني وما إلى ذلك.
الحكومة الإثيوبية: أثيوبيا دولة لها تاريخ عريض وأراضي واسعة وآثار تارخية ومتحف للقوميات والعرقيات المختلفة؛ ولها ثروات من الموارد البشرية والطبيعية، لكنها لم تستخدمها جيدا بسبب القيود السياسي وضعف الإمكانات على الرغم من أنها خطت خطوات كبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، وقدرت على مواكبة التغييرات وتغلبت عليها بسرعة فائقة على الأنظمة القمعية وبدأت طريقها إلى الأمام.
تقوم إثيوبيا حاليًا بمهمتها المتمثلة في إحلال السلام الداخلية والمنطقة والحفاظ على القانون والنظام كما أن الخطوات التي تتخذها لخفض البطالة وتسهيل حياة الناس وتحسين الاقتصاد مشجعة.
وأثيوبيا تعمل على تسريع بناء سد النهضة الذي لا يزال أجندة وجدول أعمال إقليمي ودولي وقاربت من الإنتهاء منه كما تعمل دائما وجاهدة بسلام مع جميع جيرانها من أجل استقرار المنطقة والتغيير السياسي والإقتصادي الملموس في الشرق الأفريقي، وتختار فقط طريق السلام لها ولجيرانها كما أنها تمكنت من حل الصراع الحدودي الإثيو-إريتري سلميا الذي تفاقم أزماته لأكثر من 20 عاما، ولعبت دورًا رئيسيًا في تهدئة الوضع السياسي والأزمة الداخلية في سودان.
لقد أحبطت أثيوبيا في تاريخها محاولات متكررة عليها من الداخل والخارج تهدف سلامها وأمنها القومي ونجحت في ذلك وواصلت طريقها إلى الأمام.
وتتفاوض إثيوبيا حاليا مع السودان ومصر حول موضوع سد النهضة انطلاقا من موقفها الوطني والسيادي الثابت والواضح. وقد صرحت مرارًا وتكرارًا أن الغرض من السد هو توليد الطاقة الكهربائية وليس للإضرار بشعوب المنطقة وخاصة دول المصب السودان ومصر؛ ويدرك ذلك السودانيون جيدًا كما يعرف المصريون أنهم لن يتعرضوا للأذى ولن يتضرروا منه أبدا، والكل يدرك أن الفوائد من السد ستكون لصالح الجميع؛ لكن المشكلة أن السياسة المصريين من القديم والحديث في سياسة خاطئة حيث يعتقدون: “مصر هبة النيل”، “قطرة من النيل يعوضونها بقطرة من دمائهم”، وتربى أجيالهم على هذا الفهم الخاطئ وسيجدون صعوبة في تغيير لمثل هذه السياسة؛ ومن ناحية أخرى فإن ادعاءها بأنها ستستخدم نهر النيل وحدها كما تشاء الذي ينبع أكثر من 86% من أرض أثيوبيا يكون في المستقبل صداعا لها لأنه غير عادل وغير مقبول، وأثيوبيا ودول الحوض لا يتراجعون عن مواقفهم العادلة وشعوب المنطقة تركوا الغابر للتاريخ وبدأوا يشقون طريقهم إلى الأمام واصطفوا صفا للأهداف المشتركة؛ ويجب على مصر تغيير سياستها المعتادة تجاه نهر النيل والعمل مع الجيران والمنطقة واحترام مصالح الدول، وإلا ستستمر في الفشل كما فشلت مرارا مقترنة بأزمات سياساتها الداخلية التي ربما ستنفجر في أي لحظة.
فمصر مولت ووظفت كثيرا من قدراتها واستنفرت طاقاتها ونشرت بعثاتها في محاولة لتشويه سمعة إثيوبيا وخلق ضغوطات سياسية عليها والحيلولة دون الحصول على الدعم الخارجي والقروض من المؤسسات المالية العالمية لتمويل السد وغير ذلك من المحاولات والعراقيل، ولكنها فشلت وتكبدت في جميع ذلك خسائر فادحة سياسيا أمام المنظمات الدولية والقوى العظمى والجامعة العربية، وحاولت تدويل القضية والنأي بها عن المفاوضات الثلاثية والقارية واستدبرت الاتحاد الأفريقي ولم تحترم شعوب القارة السمراء مع أن القضية تخص القمة الأفريقية ودول حوض النيل؛ وبعد فشلها عالميا عادت إلى المفاوضات الثلاثية برعاية القمة الأفريقية التي رفضتها قبل ذلك.
وبشكل عام، لا بسد النهضة ولا بأي أجندة أخرى مبتكرة لا يمكن لمصر أن تربك بين الشعب السوداني والإثيوبي؛ وكل من يضرب طبول الحرب على الحدود بين أثيوبيا والسودان من القوى السودانية لإثارة البلبلة وإشعال المنطقة ونشر الفوضى تنفيذا لأجنداته الخارجية نطالبه بإعادة النظر في الروابط التاريخية بين الشعبين؛ ولا تنجح مثل هذه الوقيعة الخادعة التي تهدف لتدمير المنطقة. وإننا نطالب شعبي البلدين على العمل معًا لحماية أنفسهم من مثل هذه الأعمال والخداعات.
3 – الحدود الإثيوبية السودانية Ethio-Sudan Border
ما الذي يحدث على الحدود؟ ما هو العمل المخزي الذي يقوم به الجيش السوداني وبعض القوى السودانية على الحدود؟ الخبرة العسكرية واستراتيجية المعركة وأسلوب إعلان النصر على العدو لها طرقها وانضباطاتها الخاصة بها ونترك ذلك لخبرائها؛ وهذا الجيش قد قتل المزارعين المساكين والسالمين العاملين للتغلب على صعوبة العيش والحصول على لقمة أولادهم، ونهب هذا الجيش ممتلكاتهم من الحبوب وأخذ مزارعهم التي كان على حصادها، واشتبكوا مع مليشيات المنطقة ولم يجابهوا الجيش الأثيوبي وأعلنوا بذلك النصر والإسترداد للأراضي بشكل سخيف لا ينتظر من جيش يحمي الشعب السوداني الشقيق، وهذه خيانة لحسن الجوار وخداع مدبر بأيادي خفية من مصر لإشعال المنطقة، والأسف أن هذه الخيانة والخروقات الخطيرة جرت بالتوقيت تزامنا مع انشغال الجيش الأثيوبي بمهمة أخرى في شمال البلاد لفرض سيادة القانون، فإن هذه الغزوة المخزية للأراضي الإثيوبية لا يمكن أن تكون نصرًا عسكريًا إلا الخيانة ولا تمر بسهولة ولا يستفيد منه السودانيون، وتستطيع أن تحول المنطقة إلى منطقة حرب ودمار لا داعي لها؛ ونحن على ثقة من أن الجيش الإثيوبي الباسل لن يواجه ولن يشارك في مثل هذه الخيانة المخزية وهو يرى آثار الحرب والدمار في أنحاء العالم؛ ولا تشعل في الحرب إلا الحياة البشرية وتزهق الأرواح الأبرياء والممتلكات العامة؛ ونحن نعرف بعضنا البعض جيدا، وعشنا معا جنبا إلى جنب زمنا طويلا، نختار طريق الحوار والسلام وندعوا إليه، وسوف نتحمل بالصبر وضبط النفس لحل هذه المشكلة بالحوار السياسي؛ لكن إذا كانت طرق جميع الخيارات مسدودة ونفد الصبر فيومئذ فإن الإثيوبيين يعرفون بالضبط كيفية الدخول في الحرب والخروج منها؛ وأننا لا نعتقد أن السودانيين والإثيوبيين في حالة حرب حاليًا، لكن لا شك أن هناك بعض القوى السودانية تنفذ أجندات خارجية لاشتباك الشعبين الشقيقين، ولا تكون عواقب هذه الخروقات سهلة إذا لم يكن الشعب السوداني يقظًا، ولا ينبغي أن تشن حرب على المدنيين والمزارعين لتنفيذ أجندات من يريد خلق الفوضى في المنطقة؛ وإذا لم يكن الجيش السوداني منفذا للأجندة الخارجية فعليه الانسحاب من الأراضي الإثيوبية فورا.
4. نصائح لكلا الشعبين
والحقيقة التي يجب أن يعرفها أهل السودان الشرفاء هي أن تحركات الجيش السوداني قرب الحدود الأثيوبية تسير في الاتجاه الخاطئ والخطير؛ إذا استمر الحال كذلك فإننا نخشى أن تتحول الروابط التاريخية والعائلية بين الشعبين إلى مشاكل إنسانية واجتماعية وسياسية خطيرة.
وللتغلب على هذه المشكلة، من الأفضل لشعبي وحكومتي البلدين تعزيز علاقاتهما الطيبة وحل المشاكل الحدودية بالحوار والمضي قدمًا سلميًا وتعاونيًا، وتجاوز الأجندات الخلافية، وتعزيز العلاقات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والإتصالات وإنشاء أسواق مشتركة وتبادل الخبرات في مجال التعليم والتدريبات وأن يكونوا قادرين على الوقوف ضد من يعمل في تنفيذ أجندتهم الهدامة بمراهنة حياة مواطنيهم والعبث بأمنهم القومي.
5. رسالة للكتاب والصحفيين ووسائل الإعلام:
وهذا القطاع مهم للغاية في تغيير المجتمع كما له سلبياته عند سوء الإستخدام؛ إذا تمت التغطية بشكل صحيح فإنها ستلعب دورا كبيرًا في معاكسة الحقائق وستساهم في بناء مجتمع سلمي متماسك ومزدهر؛ وعلى العكس فإن التقارير والتغطيات والنشرات الغير المسؤولة وعديمة الضمير في الأكاذيب والكراهية يمكن أن تكلف الشعبين ثمنا باهظا ولن تفلت من المساءلة.
وأخيراً، ندعو الحكومة السودانية والشعب الشقيق إلى المتابعة ومنع العابثين بأمن المنطقة كما نكرر ونطالب الجيش السوداني على الانسحاب الفوري من الأراضي الإثيوبية وبدون شروط مسبقة، وننقل رسالة أخوية للشعب السوداني الشقيق ليكونوا على علم بالخيانة المخزية التي قام بها الجيش السوداني على الحدود الإثيوبية.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …