تحديات التعليم: مهمة موزعة على كل المواطنين (1)
فتحي البحيري
بقدر ما إستأثر النظام التعليمي بنصيب الأسد من التدمير الممنهج الذي نجح فيه حكم الإنقاذ نجاحا باهرا، بقدر ما كان حظ النظام التعليمي موفقا بعد أن جاء على رأس وزارة التربية والتعليم في الحكومة الانتقالية الشخص الذي ربما كان هو الأشد مناسبة وأهلية لالتقاط قفاز تحديات إزالة ذلك التدمير، ألا وهو البروفيسور محمد الأمين التوم صاحب السيرة النظيفة والعقل المتوهج والعلم الغزير والتاريخ النضالي الطويل المشرف والرؤية العميقة والإرادة والعزيمة.
بيد أن المظنة المتفائلة بأن إصلاح التعليم سيكون مهمة سهلة على الرجل وعلى الذين من حوله إن وقف الشعب موقف المتفرج المنتظر للنتائج هي مظنة خاطئة بكل تأكيد، وتهدف هذه السلسلة من المقالات لوضع رجل الشارع العادي في صورة تفاصيل هذه المعركة الشائكة ليعلم حجم التحدي، وليجد كل منا مكانه ودوره في هذه المهمة التي يجب أن نتعاون جميعا على إنجازها باتقان وتفان ودقة من أجل أن ينتصر فيها السودان انتصارا مؤزرا يفتح الباب أمام التطور والتقدم والازدهار الذي ننشده والذي لن يحدث أبدا بغير نظام تعليمي جيد خلاق ومستقر.
فالمطلوب، أو أهم ما هو مطلوب، حسب النقاشات هو ما يلي:
– تعميم التعليم المدرسي ليشمل كل السودانيين في الريف والحضر.
– تحقيق الحد الأعلى الممكن من “الجودة” التعليمية.
– تطبيق مبدأ مجانية التعليم المدرسي وإلزاميته.
– تطوير وتحديث العملية التعليمية لتواكب العالم من حولنا.
ويمكن اختصار هذه المطلوبات الأربعة في الكلمات (تعليم جيد حديث ومجاني يشمل كل السودانيين) وإذا أجرينا مقارنة لهذا المطلوب بالواقع الحالي نجد البون شاسعا جدا، بينما هو مراد وما هو موجود الآن، وأننا نحتاج الركض بسرعة ليس في مسار واحد وإنما في أربعة مسارات بذات الوقت.
وأول ما يتبادر إلى الأذهان أن الأمر يتطلب – وحسب – موارد مالية تعجز عنها الدولة ويعجز عنها المجتمع وهذا ليس صحيحا تماما ، صحيح أن الانفاق المطلوب ضخم ولكن سنرى كيف يمكن أن يكون ممكنا ومتدرجا، ولكن الأمر لا يتطلب الموارد وحدها، فلابد أن يكون هناك نظام شفاف لقياس تحقيق هذه الأهداف بحيث يعرف المواطنون، كل المواطنين، في كل سنة إلى أي مدى بالضبط هم تقدموا في تحقيق هذه المطلوبات وإلى أي مدى سيتقدموا في السنة أو السنوات التالية.
ولكي نتصور حجم المشكلة : الطلاب والتلاميذ الموجودون الآن في المدارس الحكومية بشكلها وعددها الحالي يجب أن يتم استيعابهم بحسب مطلب الجودة في مدارس (أو فصول) عددها أكبر من ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا العدد الحالي، ناهيك عن أن هناك أعداد كبيرة من الطلاب والتلاميذ الذين هم خارج هذه المدارس الآن ويجب أن يتم توفير فرص لهم فيها بحسب مطلب المجانية ومطلب التعميم وبالتالي لنا أن نتصور مثلا أننا مطالبون بمضاعفة عدد المدارس (أو الفصول) الحالية سبع أو ثماني مرات زيادة على ترقية وتدريب وزيادة أعداد الكادر التعليمي وتحسين شروط معيشته وزيادة على ضرورات تحسين البيئة المدرسية والمقررات والوسائل وإلخ.
أضف إلى ذلك فإن جهدا سينصرف بطبيعة الحال إلى التعامل مع مقاومة المنتفعين والانتهازيين الذين كانوا يستفيدون من الأوضاع المخلة والمزرية السابقة، هذه المقاومة التي بدأت بالفعل كما رأينا، فهل ستترك كل هذه التحديات للوزير وللمسئولين الذين من حوله وخلاص؟ بالطبع لا ولا ينبغي ذلك أبدا، ولا بد من وجود أجسام شعبية تشارك وتتابع إنجاز هذه المهام وتحشد كل الطاقات الممكنة لضمان نجاح المهمة.
نواصل
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …