‫الرئيسية‬ حوارات الدكتور أسامة إدريس في حوار مع (الشاهد):
حوارات - ديسمبر 17, 2019

الدكتور أسامة إدريس في حوار مع (الشاهد):

 

المدرب الدولي في الذكاء الاصطناعي والانسان الآلي الدكتور اسامة ادريس؛ سكرتير اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في 1991م حوارنا مع الخبير والمدرب الدولي في مجالات الذكاء الاصطناعي والانسان الآلي حاليا ً والسكرتير العام لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم والقيادي بتجمع الروابط الأكاديمية والاقليمية بالجامعة في فجر التسعينات سابقا ً الدكتور اسامة محمد ادريس في ذكرى استشهاد الثلاثي (بشير وسليم والتاية) الثلاثين والذكرى الأولى لانطلاق ثورة ديسمبر المجيدة له أكثر من نكهة وأكثر من دلالة وأكثر من عمق ومغزى.

كان الدكتور أسامة ادريس رقما لا تخطئه أي ملاحظة أو متابعة أو محاولة لتوثيق نشاطات طلاب جامعة الخرطوم السياسية والنقابية والاجتماعية أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات حيث أنشأ مع آخرين ما عرف آنذاك بتجمع الروابط الأكاديمية والإقليمية الذي كان جسما معبرا عن طموحات وأشواق الطلاب قبل انقلاب 89 وبعده، وذلك في مواجهة الاتحاد المسيس والذي انحاز بخزي للسلطة الانقلابية ضاربا بمصالح الوطن والجامعة والطلاب عرض الحائط.

وتوجت نضالات التجمع بانتزاع الاتحاد عنوة واقتدارا في دورة (90-1991) بأعلى نسبة تصويت وأعلى نسبة فوز شهدتها الجامعة على الإطلاق على الرغم من انعقاد الانتخابات بالتزامن مع الامتحانات في أغلب كليات الجامعة، وكان اتحاد الحركة الطلابية برئاسة الدكتور حاتم المهدي ودكتور أسامة ادريس سكرتيرا عاما، كل ذلك بالتزامن مع أشرس مقاومة واجهها النظام في بداياته كان من شهدائها بشير وسليم والتاية (ديسمبر 1989) وطارق (يوليو 1991) وكان من أبرز قيادات هذه المقاومة محدثنا المدرب الدولي بمجالات الذكاء الاصطناعي والانسان الآلي دكتور اسامة ادريس فإلى مضابط الحوار الذي قلبنا معه فيه صفحات من الماضي والحاضر والمستقبل والخاص والعام وما بينهما.

 

حاوره – فتحي البحيري  

 

*هناك تحديات تواجه الفترة الانتقالية دون شك وهناك مخاطر تحيط بها .. هل هناك دور للمثقفين والمهنيين في حمايتها وإنجاحها في تقديرك، وماهو ذلك الدور؟

ستكون أمام الفترة الانتقالية بكل تأكيد تحديات جسام عليها أن تتعامل معها بالجدية والحسم والدقة، وعلى رأس هذه التحديات قضايا السلام والاقتصاد ووقف الحرب و التحوُّل الديمقراطي واجتثاث بقايا النظام الفاسد السابق داخل مؤسسات الدولة، وبناء نظام سياسي يضم كل فئات الشعب السوداني كما يعول عليها في بناء علاقات خارجية متميزة، وكذلك قضايا العدالة والقصاص من قتلة الشهداء، وإنصاف المظلومين ورعاية أسر الشهداء والاهتمام بقضايا الشباب والمرأة وتهيئة مناخٍ مُناسبٍ لانتخابات قادمةٍ، ومعاش المواطنين وهي أهم هذه التحديات نحن بحاجةٍ لحكومة تعمل على رفع المُعاناة عن المُواطنين وتحسين الأوضاع المعيشية.

الشعب السوداني يُعلِّق الكثير من الآمال على حكومة حمدوك وينتظر بصماتها في إحداث التغيير ونقله من الشعارات إلى أرض الواقع العملي، وهي قادرة على ذلك باذن الله بمساهمة كل المهنين والمثقفين والعامة في ذلك إذ يتعاظم دورهم في هذه الفترة المفصلية من تاريخ أمتنا بحماية هذه الثورة من خلال الادوار الرقابية والمهنية والاكاديمية سنعبر بالبلاد الى ما نصبو اليه ان شاء الله.

*الساحة مليئة باللافتات الحزبية ومع ذلك لا يجد كثير من الشباب الثائر أنفسهم داخل اي منها.. إلى ماذا تعزي ذلك؟

يعود ذلك الامر إلى عدم توافر بيئة سياسية مشجعة للعمل الحزبي نتيجة سيطرة الزعامات والقيادات التاريخية عليها، والتي تقف حجرة عثرة في كل ما هو جديد ومتطور بالاضافة إلى وجود أفكار قديمة تقليدية لا تناسب تطلعات الشباب ومتطلبات العصر، وعدم وجود خطاب فكري يخاطب عقول الشباب قبل قلوبهم وكثير من الاحزاب اليوم بها ضعف كبير في الممارسة الديمقراطية، ونقص في كوادرها الاكاديمية والعلمية والتربوية المتخصصة لوضع برامج جاذبة لهولاء الشباب .

*ماذا عن ذكريات النضال المرير منذ وقوع الانقلاب في ٨٩ وكنت حينها تقود تجمع الروابط الأكاديمية والإقليمية والصدام الذي قاد لاستشهاد بشير وسليم والتاية في ديسمبر ٨٩ ثم لاحقا معركة الاتحاد واستشهاد طارق في ٩١؟

في البداية دعني أزجي التحية لكل شهداء الوطن عامة وشهداء الحركة الطلابية خاصة الذين رووا بدمائهم الذكية أرض السودان، وكللت تضحياتهم بزوال حكم فاسد مستبد طاغ جثم على صدر البلاد والعباد ثلاثين عام، ابدأ حسب التسلسل الزمني … كانت أحداث ديسمبر 1989م أول مقاومة حقيقية لنا ضد النظام، حينما قام عضو الاتجاه الإسلامي فيصل حسن عمر بقتل الطالب بشير الطيب وتخاذلت إدارة الجامعة فقررنا في تجمع الجمعيات والروابط الأكاديمية والإقليمية والتنظيمات السياسية بالجامعة الخروج للشارع، وكان خروجنا يوم الأربعاء 6 ديسمبر بعد مخاطبة قيادات الروابط الأكاديمية والتنظيمات السياسية في النشاط ومن ثم الخروج امام بوابة الجامعة ونادي الأساتذة وهنا تعامل النظام معنا بكل غلظة وعنف حيث استباحت مجموعة منهم الجامعة من الخلف وقتلت التاية وسليم وأخرى بدأت باطلاق الأعيرة النارية امام الاسكول وكلية القانون، وكنا هناك واعتقدنا في البداية أنه مجرد تخويف لنا، ولكن عندما صوب العسكري رصاصة تجاوزتني واصابت حائط الاسكول صرخت للقيادات وقلت لهم رصاص حي وقفزت من الاسكول وفعل ذلك القياديون واثناء قفز الموظف بكلية الهندسة الأخ جمال من سور القانون تم ضربه بالرصاص في رجله فوقع في الأرض وشاهدت المنظر فقفزت من سور الاسكول الى سور القانون لإنقاذه، وكان الرصاص منهمرا في الشارع العام بين مبني الأسكول والقانون ومع وصولي وجدت معي الأخ عصام جبر الله من قيادات الجبهة الديمقراطية آنذاك وحملنا جمال إلى دار الاساتذة حيث وجدنا طالب فتح لنا باب سيارته واتجهنا به الى مستشفى الخرطوم ولم نكن نعلم ان الامن والشرطة اغتالت التاية وسليم داخل الجامعة اثناء خروجنا للشارع واتذكر انني قمت بمخاطبة كل الحضور من طلاب ومرضى في مستشفى الخرطوم عندما علمت من صديقي المغفور له باذن الله ابوبكر الصديق السكرتير العام للجمعية الهندسية والقيادي في تجمع الروابط باستشهاد سليم والتاية وقال لي “ادخل شوفهم” .

ظل هذا اليوم لا يبارح خيالي الى الان وبعد ذلك قام الأطباء بالاتفاق مع الطلاب بتهريبي من المستشفى. حيث فقدنا في يومين أول شهداء الحركة الطلابية وهم : الشهيد / بشير الطيب الطالب بكلية الأداب الدفعة الخامسة آنذاك طعن بالسكين بيد المجرم القاتل فيصل حسن عمر يوم الأثنين 4 ديسمبر 1989 واستشهد فجر الثلاثاء 5 ديسمبر 1989م و الشهيد / سليم محمد ابوبكر الطالب بكلية الأداب والسكرتير المالي لرابطة اداب الدفعة الثانية استشهد برصاص الأمن والشرطة يوم الأربعاء 6 ديسمبر 1989 قرب كلية القانون، والشهيدة / التاية ابوعاقلة الطريفي الطالبة بكلية التربية الدفعة الثانية استشهدت برصاص الأمن والشرطة يوم الأربعاء 6 ديسمبر 1989م، في شارع النشاط في قلب السنتر بالقرب من معهد البناء والطرق، وبذلك تكون الجامعة قد قدمت ثلاثة شهداء في أول خمسة شهور لحكم الانقاذ.

*إلى جانب ذلك صاحب تلك الأيام صراع حول إلغاء مجانية السكن والإعاشة لطلاب الجامعات؛ هل من تفاصيل حول ذلك الصراع ؟

عودة للعام 1988م، أذكر أن حكومة السيد الصادق المهدي أيام الديمقراطية أرادت ان تقلل نفقات الصرف على وجبات الطلاب وليس الغاءها، فتصدى لهذا القرار اتحاد الطلاب (اتجاه إسلامي) آنذاك بكل ما أوتي من قوة، وقالوا هذا خط أحمر لايمكن تجاوزه ومجانية التعليم واجب الدولة تجاه كل طالب ومرور هذا القرار دونه المهج ، وفعلا لم تقلل الدولة النفقات، ولكن بعد عام من هذا القرار وعندما جاءت الانقاذ وكان الاتحاد يسيطر عليه الاتجاه الإسلامي وسعت الدولة لالغاء مجانية التعليم وليس تقليل النفقات، فإذا باتحادنا الهمام يغير رأيه وموقفه ويخذل قاعدته وينحاز إلى جانب الإنقاذ ضد مصلحة الطلاب والشعب السوداني ويساند الغاء مجانية التعليم، فكان الدور الوطني الكبير الذي لعبه تجمع الروابط والجمعيات الأكاديمية والاقليمية للتصدي لهذا القرار ووقوف اكثر من 95% من الطلاب مع هذا التجمع الذي أصبح يمثل ارادة الطلاب ويكون بديلا فعليا عن الاتحاد.

وكانت هذه أول سابقة في تاريخ الجامعات أن يقف اكثر من 95% ضد اتحادهم الذي اختاروه ولكنها خيانة الأمانة والتكليف التي عرف بها الاتجاه اللاإسلامي، وقاد التجمع الطلاب بكل حنكة وشجاعة وقيادة حكيمة اذهلت قادة النظام آنذاك وحورب قادة التجمع محاربة شعواء وتم اعتقال معظم قادته وكذلك اسرهم ولكن لم يزدهم ذلك إلا قوة وبسالة واستمرار في هذا الطريق الذي اختاروه وكان قرار التجمع الحكيم بجلوس الطلاب للامتحانات لتخريج الدفعات النهائية واستقبال دفعات جديدة وتهئية الاجواء والاستعداد للانتخابات والفوز بها كاستراحة مناضل بعد صولات وجولات ناجحة.

وفي فترة الاجازة ذهبنا إلى الجامعات الأخرى في مخاطبات طلابية لوقف قرارات التعليم وكنت من ضمن الوفد الذي ذهب لجامعة الجزيرة وبعد المخاطبة طاردنا الامن وذهبت الى القضارف حيث زارني احد طلاب الجامعة وقال لي بالحرف الواحد ان رجال الأعمال جاهزين لاي مبلغ من جنيه وحتى مليون جنيه لحملتكم الانتخابية حتى تفوزوا على الاتجاه الاسلامي لان اتحاد الخرطوم هو ملك للشعب السوداني وعايزين يقابلوك شكرته جدا نيابة عن زملائي وقلت له قولتي المشهورة (نحن اذا اصر الطلاب على مشاركتنا فما حنعمل حملة انتخابية ونحن حنقدم ارواحنا ومستقبلنا وحياتنا من اجل هذا الشعب) وكانت الحكومة انذاك في شدة جبروتها مع الثوار وقلت له ما محتاجين مال فقط (4) بوسترات به قائمة اسماء المحايدين ال (40) توضع في مجمعات الوسط والطب وشمبات والتربية، وكنت اول القائمة و د. حاتم المهدي آخر القائمة وقد كان واكتسحنا الكيزان بنتيجة فاقت كل التوقعات وبدأنا جولة أخرى مع النظام، وسبحان الله عند مخاطبة الطلاب انا وحاتم عند احتلال مكاتب الاتحاد (اشاهد الطالب الذي جاءني في القضارف يحمل السيخ مع الكيزان فعلمت أنها كانت محاولة فاشلة منهم لخداعنا).

*النضال ضد ديكتاتورية الإنقاذ وبطشها دفع بكم مثل كثيرين لقضاء زهرة العمر خارج الوطن.. لكن تراكم الخبرات حتما هو لفائدة التنمية والتطوير.. هل ثمة أفكار أو مشروعات لضخ هذه الخبرات لتحقيق أهداف تنموية محددة… وكيف ترى إمكانية خلق قنوات وأجسام تفي بهذا الغرض؟

الحمد لله وله المنة والشكر من قبل ومن بعد، ورغم تعرضنا للفصل والاعتقال والتعذيب والتشريد والهجرة الإجبارية الى الخارج، إلا أن هناك شعور بالرضا والارتياح، أننا لم نخذل القاعدة الطلابية التي قدمتنا ودعمتنا وكنا بحمد الله عند حسن ظنها، واتخذنا الموقف الصحيح في الوقت الصحيح؛ وقفنا قيادة وطلاب ضد كل سياسات وممارسات الانقاذ الجائرة من إزهاق الأرواح وتدمير التعليم وتصفية السكن والاعاشة وغيرها، وبالنسبة لي تم فصلي نهائي خفف الى عامين قضيتهم في ورشة نجارة قمت بتأسيسها مع خالي عمر عوض الكريم رحمه الله واحسن اليه واستطعت ان استوعب معي طلاب كلية الفنون الذين تم فصلهم من كلية الفنون واستطعنا ان نصمم تصميمات مميزة للاثاثات المنزلية عرضت في قاعة الصداقة وتم بيعها في اول يوم للمعرض.

لكن الأجهزة الأمنية كانت دائما لنا بالمرصاد فكان يتم استدعائي لمكاتب الأمن يوميا وبشكل متكرر من الصباح الى المساء لفترات طويلة حتى اضطررنا لاغلاق الورشة، ورجعت الجامعة وتخرجت وبدأت مباشرة التسجيل للماجستير في علم الاحصاء، وكنت أعمل مساعد تدريس في جامعة ام درمان الاهلية حيث كنت ممنوعا من العمل في اي جهة حكومية، اكملت امتحانات الماجستير وقبل نهاية تسليم البحث التكميلي رفع عني الحظر وسافرت الى دولة الامارات في العام 1997 وحتى الان. والتي اعتبرها وطني الثاني حقيقة وشعبها من أرقى الشعوب العربية واستفدت جدا من خلال وجودي في وزارة التربية والتعليم التي كان لنا حضور ومشاركة قوية في تطورها، وهي تتجه بطلابها الى دراسة البرمجة والروبوت والذكاء الاصطناعي من مرحلة الأساس وحتى الجامعة، وكذلك الاشتراك في جميع المسابقات العالمية في البرمجة والروبوت والذكاء الاصطناعي، وقدمت الكثير من المحاضرات عبر الجامعات والمدارس والاندية والاذاعة والتلفاز في دولة الامارات العربية المتحدة.

*في ختام هذا الحوار يا دكتور، إذا طلب منك توجيه (٧) رسايل إلى (٧) جهات أو أشخاص ماذا ستقول ولمن؟

– إلى والدي ووالدتي : رحمك الله أبي الرجل الورع التقي الذي تعلمت منه الكثير الكثير وحفظك الله لنا امي الغالية التي كانت وما زالت مدرسة في كل القيم النبيلة وثورية حتى النخاع.

– زوجتي : شكرا لك ام محمد ووضاح وآية وأحمد كنت ومازلت نعم الزوجة وشريكة الكفاح ونصفي الاخر، متعك بالصحة والعافية.

– إلى الرئيس حمدوك : أحبك كل الشعب السوداني لشخصك وما تتمتع به من كاريزما، سير وعين الله ترعاك، كلنا خلفك بالرأي والمشورة والتضحية في سبيل ما نصبو اليه في سودان العزة والكرامة.

– وزراء الفترة الانتقالية : ضعوا الوطن في حدقات العيون ولا تخافوا في الحق لومة لائم، واستشيروا اهل الاختصاص والخبرة في كل ما من شأنه تقدم وطننا الشامخ.

-الشباب : أنتم وقود هذه الثورة وأنتم من اشعلتموها وقدمتم ارواحكم الذكية فداء لهذا الوطن العظيم، أحرسوا ثورتكم الفتية من كل المتربصين والخائنين وكونوا عينها التي لا تنام.

– التنظيمات السياسية: لا بد من تغيير أفكارها وأفكار قادتها وممارسة الديمقراطية الحقة وسط عضويتها، يجد فيها الرأي والرأي الآخر حظوظا متساوية داخل أجهزتها ومؤسساتها وإلا ستجد نفسها إلى زوال فقد انتهى زمن الانقياد مع ” الجيل الراكب رأس”.

– المحايدون: رفقاء الدرب والأخوّة الصادقة والنضال الشرس، وأول من قدموا الشهداء ووقفوا ببسالة ضد حكم الإنقاذ مضحين بمستقبلهم من أجل هذا الوطن، معا الى كلمة سواء.

‫شاهد أيضًا‬

د. محمد صديق العربي : طريقة استشهاد النادر الوسيلة ينبغي أن يقف عندها كل شخص في قلبه ذرة انسانية

حوار فتحي البحيري : غير متفائل بالتشكيل الوزاري الجديد لهذا السبب! تمهيد الدكتور محمد صديق…