‫الرئيسية‬ رأي حل جهاز الأمن واجب مُلح .. وممكن
رأي - يناير 5, 2020

حل جهاز الأمن واجب مُلح .. وممكن

علي التلوبي

سأبين في هذه العجالة أسباب دهشتي من البيان الصادر من جهاز الأمن بخصوص الحكم القضائي على قتلة الشهيد الأستاذ أحمد الخير، كما وسأدفع بمسببات وجوب حل جهاز الأمن باعتبار ذلك واجب ملح وممكن. ولا أدعو إلى إعادة هيكلة، وإنما إلى حل بالكامل.
السبب الأول لاندهاشي من البيان هو أن الجريمة المعنية على أشد درجات الوحشية والتجرد من الآدمية. ومن ذلك فإن سعي جهاز الأمن للعفو عن مرتكبي الجرم ينم عن تبلد إحساسه بمدى بشاعة جرم منتسبيه. وليس ذلك بمستغرب من الجهاز الذي قد ذاع سوء صيته خلال الثلاثين سنة من عمر النظام الشمولي الآفل.
ثانياً، إن ضغط جهاز بمثل جبروت جهاز الأمن السوداني على أسرة سودانية لإثنائها عن قرارها بالقصاص لهو إرهاب لتلك الأسرة وترويع لها لإجبارها على اتخاذ قرار يجنبها ما يمكن أن يفعله الجهاز.
ثالثاً، كان الأحرى بالجهاز إصدار اعتذار عميق ووعد جاد بتقصي الحقائق لأجل المحاسبة الداخلية لكل قياداته التي سمحت بأن تصير ثقافة الجهاز بالبشاعة التي قد أدت إلى اعتقال وتعذيب وقتل المناضلين الوطنيين خلال الثلاثين عاماً المنصرمة.
لماذا الحل وليس إعادة الهيكلة؟
السبب الأول هو أن الجهاز يحقق أهدافاً مناقضة لمسماه الذي يعنى حرفياً توفير الأمان والطمأنينة. ولكن عكساً لذلك، فإن الجهاز قد ظل مؤسسة لترويع وقمع وتعذيب وقتل المواطنين. وبدلاً من صيانة حرية وأمن المواطنين، فقد ظل الجهاز أداة للكبت وجبهة عنيفة لحماية النظام الشمولي الآفل.
ثانياً، نحن لا نحتاج إلى جهاز أمن ذي سلطات تمكنه من توقيف أو اعتقال أي مواطن أو التعدي عليه. فالشرطة هي المؤسسة المنوط بها توقيف من يخالف القانون وتقديمه للمحاكمة وفق الضوابط العدلية والإنسانية القويمة.
ثالثا، نحتاج إلى تغيير محوري لغايات وسلطات الجهاز ليكون عمله مقصوراً فقط على جمع وتحليل المعلومات وتقديمها للمسؤولين. فيصير جهازاً رشيقاً غير مترهل بشرياً وغير متعدى على حريات المواطنين. ولا يمكن تحقيق التحول الجوهري بإعادة الهيكلة لصعوبة تغيير ثقافة مؤسسية سيئة تم التعود عليها، ولذلك يجب أن تحل المؤسسة تماماً وإعادة بنائها من الصفر.

رابعاً، الجهاز متغول على اقتصاد البلاد وخالق لدولة داخل دولة. وليمكن إعادة المؤسسات الاقتصادية التي يسيطر عليها الجهاز إلى الدولة فلا بد من حله.
إن حل جهاز الأمن ممكن لأن الشراكة المعقودة ما بين السلطة المدنية والشق العسكري تسمح بتوفير الهيبة اللازمة لفعل ذلك دون ردود فعل مخربة من جانب الجهاز.
وهذه الشراكة يجب تفعيلها بحيث نخطو خطوات سريعة نحو تفكيك وحل مؤسسات الدولة العميقة. فالتباطؤ في حل جهاز الأمن سيؤدي إلى سعيه لتواصل عمله كدولة داخل دوله وإلى ترسيخه لغايات وأهداف ووسائل لا تتماهى مع أهداف وممارسات الدولة المدنية.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …