شجون الانتقال… المضحك المبكي وبعض البشريات
فتحي البحيري
مشهدان مدهشان لخصا لي شجونا وأفكارا حول ما يحدث في بلادنا هذه الأيام. اسمحوا لي اشرككم في بعض ما يمكن التعبير عنه منها. وان ادع البكاء جانبا والضحك، وانفذ بشكل مباشر للجوهر المخفي خلف المشهدين كليهما. هو أننا لا نزال شعبا شامخا عملاقا تتحكم فيه نخبة قزمة ومعاقة.
المشهد الأول يرسم فيه شاب يحرس دقيق خبز المواطنين من ان تسرقه يد المتلاعبين، يغالب فيه النوم باليقظة، فجرا ظلت تؤخر ه مماحكات الذين لا يشعرون بهؤلاء الناس، لا بنبضهم ولا بمعاناتهم، يتصورونهم محض عاجزين عن الفهم والعمل، ويانسون في ذواتهم هم المريضة المتضخمة الجوفاء عبقرية غير موجودة، يظنون أن الحلول تأتي من وراء الأطلسي ويحسبون أنه لا يوجد داخل هذه البيوت الحرة الا العجز والمشكلة. خسئوا وخابوا وخسروا. متناسين أن الزلزال الذي جاء بهم من وراء ذاك الأطلسي وزراءا بعدما ذهبوا إلى هناك لاجئين. لم يخرج إلا من هذه البيوت الحرة التي لن تقبل بعد اليوم قيدا ناعما كان أو خشنا.
رسم ذلك المشهد ملامح الفجر السوداني الجديد الذي يصير فيه المواطن حاكما ومقررا وشعبا وجيشا ونخبة وعامة معا. هو الملك وهو نفسه الرعية. هو الرئيس والمرؤوس هو المحمي والحامي والآمر المأمور والناهي وما جوقة الحراس الرسميين والحكام الشكليين والوزراء والمسؤولين الا كومبارس لا بد منه ومظهريات يتطلبها الأمر وأنه ما على الذين يرتدون الكرافتات والبدل الأنيقة ويتصدرون القصر والمحافل الا الانصياع لذلك المواطن الملك.. ان قال يمينا يمين وان قال يسارا يسار.
فالسلطة الفعلية بعد السادس من ابريل المجيد من العام الماضي في هذه البلاد ليست في يد من بيده السلاح مهما تلون أو تشكل وليست في من بيده القلم مهما تفاصح أو تفنن وليست في يد فلان بن فلان ولا ولن تأتي من هنا أو هناك بعد الآن. السلطة وجوهر الحكم من الآن فصاعدا في يد هذا الشعب الحارس الساهر على حقوقه ومصالحه لو كانوا يفهمون أو يعقلون أو بالقضاء والقدر يسلمون.
المشهد الثاني والذي يصر على الإمساك بتلابيب الضحك والبكاء أكثر من سابقه… هو مشهد السيد رئيس حزب المؤتمر السوداني منخرطا بشكل مبكر جدا في دعاية انتخابية مكشوفة وهو يركب متن كارو أثناء رحلته في بعض الولايات قائلا بالكاميرا الأنيقة انهم قد نزلوا للشارع يتحسسون نبضه واحاسيسه ويتلمسون معاناته والامه وهي مقالة مصورة كان يمكن أن تنطلي على الناس لو لم تصدح في خلفيتها موسيقى التصريحات النشاز لرئيس الحزب السابق الذي أثري ثراءا فاحشا في زمن الإنقاذ يلمح فيها ويصرح بهذا المعنى أو ذاك مما يغضب عليه وعلينا الشهداء والأحرار والثوار.
علينا سيداتي انساتي سادتي أن نتذكر لسنوات طويلة قادمة أن هذه ثورة جذرية شاملة وليست تحولا سياسيا قشريا وانيقا ننفض بعده الغبار عن ملابسنا ونجلس في الصفوف الأمامية نتقبل العزاء والتهنئة. هذه الثورة الجذرية الشاملة لا بد أن تنجز قطعا حاسما لا رجعة فيه مع كامل القبح الذي قامت ضده فلا مجال خلالها لأي حديث عن التطبيع مع كيزان أو انقاذيين أو غيرهم من أدوات القتل والتنكيل والتخريب ليس لأن دماء الشهداء الاماجد لم تجف بعد وحسب ولكننا لأننا لا نزال نطلب في الحاف وقلة حياء وأدب من الجموع الصابرة التي أنجزت هذا البهاء أن تصبر مزيدا في شحوبها ومخمصتها وجوعها ودموعها ريثما ننتهي من المماحكات سالفة الذكر ونحن نبحر في ظننا الفخيم اننا أجدر بقيادتها وادري منها بما يضرها وينفعها ويجيعها ويشبعها ونحن فعليا “ولا اي حاجة” من كل ذلك… كل الود والعتبي لاحبابنا في المؤتمر السوداني لكن أي تنقيب مثالي وأنيق في كوشة الكيزان النتنة القذرة لن ينظر إليه الشعب الحاكم بأمره الان بعين غير ذات الشك والغضب.
وليست غير ذات الشك والغضب هي العين التي ينظر بها هذا الشعب شزرا إلى أي تلميح لانتقاص أو إجهاض فترته الانتقالية وتعزيز الدعاوى الباطلة لانتخابات مبكرة تتعارض كل التعارض مع محض الاحساس بنفس هذه الثورة العظيمة الطويل في إنجاز مهام الاجتثاث العادل والترتيب الضروري والتهيئة الملائمة في حدودها الدنيا على الأقل والتي تتطلب باوسط التقديرات الموضوعية سنوات أطول مما يظن الحالمون والمستعجلون وأفضل ما تفعله الأحزاب التي تحترم نفسها لنفسها في هذه السنوات هو ترتيب بيتها الداخلي لتجعله أكثر تواؤما وانسجاما مع طبيعة هذا الشعب الثائر المفتح الجديد الساهر على حقوقه ومصالحه و… راكب رأس
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …