رئيسة القضاء والولولة على ضرب أحد قضاتها من قبل العسكر
سمير شيخ ادريس
لم تحرك رئيسة القضاء ساكنا حينما ضرب ذات العسكر شباب آخر مواكب فى الخرطوم على مرأى حجر من مكتب سعادة رئيسة القضاء وربما شاهدت مقتطفا منه عبر نافذتها على شارع الجامعة موقع الحدث ، ولم تحتج ايضا على الاعتداء الذى تزامن مع اعتداء العسكر على القاضى والذى وقع ضد مواطنين من قبل عسكر الدعم السريع اول أيام تطبيق حظر التجول بالأمس .
إن الاعتداء على قاض أو أى مواطن مهما صغر شأنه يجب أن يكون شاغل رئيسة القضاء والسلطة القضائية برمتها وليس عندما يصل الاعتداء حوش القضائية . لان الاعتداء على المواطن يعد اانتهاكا أيضا للمبادئ القانونية والدستورية وليس الاعتداء على القضاة فقط كما جاء فى بيان رئيسة القضاء . فالقضاء هى السلطة المناط بها بسط مظلة القانون والعدالة على جميع المواطنين وليس منسوبيها وحسب .
آن الاعتداء من قبل العسكر على القضاة والقانونيين من وكلاء نيابة ومحامين وعلى الاطباء وغيرهم رغم تمتعهم بالحصانة ورفعة المنصب الذى يجب الا يصاب بالمهانة او التقليل . ليس الأول ولن يكون الأخير . فالمعلوم أنه أحد تركات النظام البائد الذى حط من قدر المهن جميعها واصابها بالضعف والهوان وقام بتعلية المهن العسكرية على الجميع هو الذى جعل منسوبيها يرون انفسهم فوق القانون وفوق البشر .
لم تأت ثورة ديسمبر بعظمتها الا لتعيد كل الامور الى نصابها والاحتكام لدولة القانون والعدالة . ولا يتحقق ذلك الا بتطبيق مبادئ الثورة فى التغيير وهو تغيير مفاهيمى وليس تغيير وجوه او كراسي مثلما ذهبت كثير من المؤسسات فى تطبيق مبدأ التغيير ومن بينها السلطة القضائية نفسها .
فالتغيير المطلوب على مستوى القضاء ليس مختصا بالسكن والعربات والمرتبات ورؤساء الاجهزة القضائية كما فعلت وتسير سعادة رئيسة القضاء . بل التغيير يختص بخلخلة بنية القضائية واعادة الاعتبار للسلطة القضائية ومنسوبيها وجعلهم قادرون على انتزاع هيبة المنصب وفرض احترامه دون بيان أو منشور عن طريق التركيبة النوعية لما ينبغى أن يكون عليه القاضى فى ظل نظام ثورى .
ان الذهنية التى ترسخت لدى القضاة طيلة ثلاثون عاما حيث كانت تطبخ الاحكام وتدار مظالم العباد بمدى الرفعة الاجتماعية ومحاباة السلطة والعقلية الاتهامية التى خلقتها مئات محاكم النظام العام التى وجهت سهام القضاة ضد الضعفاء من بائعات الشاى والاطعمة والباعة المتجولون والشباب بالجلد والتغريم والحبس هى ما افرغت القضاء من مفهومه القيمى كضابط لتحقيق العدالة وليس وسيلة للتجريم والتشفى . بالشكل الذى كان يدفع القاضى للتفكير فى الحوافز والمكافآت من ريع المحاكم وآخر تفكيره يكون تطبيق العدالة وروح القانون .
آن ما حدث من خراب فى القضاء جعل السلطة القضائية والمواطن فى حالة خصومة وفقدان ثقة . والمطلوب من سلطة القضاء الحالية هدم تلال الريبة والشك بينها وبين المواطن واعادة يقينه باستعادة حقه عبر سلطة القضاء . وكل ذلك لن يتأتى إلا باعادة بناء القضاء على نسق مفاهيمى وخلخلة الذهنية السائدة وحينها سيستعيد القضاء هيبته من تلقاء نفسه وبحماية الجماهير وليس عبر الشكوى والاضراب عن العمل والشكوى لسلطة تنفيذية يفترض به الاستقلال عنها وليس انتظارها لتاديب منسوبيها وزجرهم عن الاعتداء .
ولا تستقيم مطالب البيان من مخاطبة السلطة التنفيذية بتقديم المعتدين للقضاء العادى الذى تمثله سلطة البيان التى بيدها قيد الاجراءات الكفيلة بتقديمهم للقضاء العادل طالما ارتضت ذلك .
وربما يكون من المقبول استيعاب اضراب عمال او موظفين بادارة حكومية او خاصة بما يتوافق مع متطلبات اوضاعهم الوظيفية . او اضراب القضاة من اجل سن القوانين والتشريعات وانتهاكها او لتغيير سياسي مثل اكتوبر وابريل .. اما غير الممكن استيعابه فهو اعلان اضراب القضاة من اجل اعتداء على منسوب لهم فى دولة القانون .
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …