الإجراءات البديهية التي تباطأت الحكومة في اتخاذها لإنقاذ الجنيه السوداني
تقرير – الشاهد
تنتظم السودان الان رغبات وحملات محمومة لدعم الاقتصاد وإصلاحه سواء من الجانب الحكومي ممثلا في دولة رئيس الوزراء الذي لم يتم التوافق عليه اصلا الا لأجل هذه المهمة بالذات.. أو من جانب الجماهير العريضة داخل وخارج السودان والتي تداعت بقوة بمبادرات واقتراحات وأفكار عملية للنهوض بالاقتصاد ومحاربة جشع السوق السوداء للعملات والذي يفتك به بوتيرة تصاعدية غير مبررة الا بنوايا جهات داخلية وخارجية في الإصرار على بقاء الاقتصاد السوداني داخل جب الانهيار الكارثي وقدرة هذه الجهات على إنفاذ هذه النوايا مستغلة ثقوب الوثيقة الدستورية التي جعلت مفاتيح الموارد المالية بيد ثلة من العسكريين المرتبطين بالنظام البائد وموظف مالي دوغموي بدرجة وزير جاء لتحقيق مصالح طائفية ضيقة ضمن تحالف مشبوه معلوم التفاصيل للكافة وكان أن سارت الإجراءات الحكومية طيلة ما سبق في عكس الاتجاه الوطني والثوري المفترض بشكل عرقل هذه الجهود الطموحة وواصل الجنيه السوداني انخفاضه ليصل إلى 130 مقابل الدولار بدعم من الوزير الدوغموي نفسه.
الإجراءات المالية الأولية التي كان من المتوقع اتخاذها فورا بعد سقوط النظام أو بعد تشكيل الحكومة الانتقالية لم تتخذ حتى الآن وقد شارف هذا السقوط على إكمال سنته الأولى. هذه الإجراءات كانت تتمثل على أقل تقدير في تبديل فوري للعملة والاقتصار على طباعة أوراق نقدية من الفئات الصغيرة لوقف النزيف التصاعدي في قيمة الجنيه السوداني الناتج عن الضخ المتنامي للأوراق المزيفة والذي ثبت تورط نافذين في النظام السابق ودول مجاورة فيه بأدلة قاطعة. وللسيطرة على الكتلة النقدية. ثم توجيه الاقتصاد والنظام المالي برمته لطرق الدفع والسداد والتحصيل الإلكتروني المتبعة في مختلف دول العالم. حينها فقط يمكن للجهود الحكومية والشعبية الأخرى أن تؤتي أكلها في الدفع بالاقتصاد في طريق التعافي وبالعملة الوطنية في طريق استرداد قيمتها بعيدا عن جشع السوق السوداء للعملات.
لا يوجد أي مبرر منطقي لعدم تغيير العملة الان… والاعتذار بالتكلفة العالية لعملية التبديل ينم عن قصور مريع في تصور حجم الكارثة التي يتسبب فيها الابقاء على العملة القديمة قيد التداول.. والاعتذار بأن الجهات الأمنية والشرطية لن تقوم بضبط عمليات التداول في الذهب والعقارات في فترة التبديل أقبح من الذنب بكثير.. لان كل البدائل والخيارات الأخرى يحتاج تنفيذها إلى تعاون وانضباط تلك الجهات. واقتصار العملة الجديدة على فئات صغيرة القيمة سيعقد عمليات التزوير ويقلل من جدواها.
إن اعتماد وفرض الدفع الإلكتروني في كل عمليات البيع والشراء والسداد والتحصيل وتحفيز الافراد والجهات على اختياره بديلا للدفع النقدي يعظم من قدرة الدولة علي الابقاء على الكتلة النقدية الجديدة داخل النظام المصرفي وبالتالي تجفيف كل موارد المضاربة في العملات مستقبلا. ويجب أن تلتزم الدولة والمجتمع بالدفع الإلكتروني إلى أقصى الحدود الممكنة.. ليس لفائدته المصرفية والمالية سالفة الذكر وحسب وإنما لمنافعه الكثيرة الأخرى المتعلقة بالصحة العامة والشفافية ومحاربة الفساد وغيرها. ولقد رأينا كيف يسهم التداول النقدي في تسريع انتشار عدوى الكورونا مثلا حول العالم وقد أثبتت تجارب دول من حولنا أن الدفع الإلكتروني لرواتب القطاع العام بقلل بدرجة هائلة من التلاعب في هذا البند من الصرف الحكومي.
لقد وفرت التقنيات الحديثة للهواتف النقالة الذكية وتفضيل عامة الجماهير لاستخدامها في قضاء مختلف أغراضهم فرصا ثمينة للحكومات لتقليص الحاجة إلى تداول الأوراق النقدية بين الناس الي أقصى الحدود الممكنة ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا الصدد لا سيما التجربة الكينية في الدفع غير النقدي والتي اذهلت الرئيس الألماني وجعلته يشيد بها بشكل خاص في زيارته الأخيرة.
دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر
د. أسامة تاج السر : تمثل دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، واجهة كبرى من واجهات جامعة الخر…