عبد العزيز بركة ساكن يكتب منددا بالتساهل تجاه تجمعات الفلول ومشيدا باثبوبيا
منوعات – الشاهد
كتب الروائي المبدع عبد العزيز بركة ساكن مقالا ضافيا أشاد فيه بانضباط الشعب الإثيوبي تجاه الاحتراز من انتشار جائحة الكورونا ومنددا في الوقت نفسه بما أسماه التساهل تجاه التجمعات الخطيرة لفلول النظام السابق والتي من شأنها أن تقود لكارثة صحية مدمرة وفيما يلي نص المقال
في زمن الكورونا
الأستاذ عبدالعزيز بركة ساكن
يبدو الأمر اللافت في إثيوبيا ، و التي يقارب عدد سكانها الـ 108 مليون نسمة ، عندما إنتشر وباء الكورونا في كل مكان ، أعلنت الدولة الترتيبات الصحيِّة فيما يخص جائحة الكرونا ، الذي قابله إلتزام الشعب بجديِّة تامة ، وسأضرب أمثلة بسيطة :
اليوم وبعد أن إنتهت فترة عملي المُحَدَّدَة في جامعة (دبروماركوس) ، طلبتُ الإنتقال إلى مدينة أديس أبابا ، وكنتُ أعلم تماماً أن السفر بين الولايات قد تم منعه تماما ، لذا قامت إدارة الجامعة بتخصيص عربة وسائق ، ولكن الأهم من العربة والسائق التصديق الذي صدر من أعلى سُلطة صحيِّة ثم إداريِّة في المدينة ، والتحقيق الذي حدث معي ، ثم الفحص الصحي ، بالرغم من أنني كنتُ قد قضيتُ في المدينة شهراً كاملاً بجانب إلتزامي بوجودي في حجر منزلي طوال تلك الفترة .
كان الطريق خالياً تماماً من الباصات والحافلات السفريِّة، ليس مسموحاً بحركة السفر والتنقل لغير الشاحنات الناقلة للبضائع .
بين كل مدينة وأخرى تجد رجال الشرطة ورجال الجيش واقفين في الطريق على أهبة العمل، ينتظرونك يفحصون التصديق. وعندما جلسنا في إستراحة للغداء أنا والسائق، جلس كل واحد منا على بعد مترين من الآخر مع الإلتزام التام بغسل الأيدي بالمطهر .
حين وصولي إلى المدينة ، كان في إنتظارنا مجموعة من الأصدقاء السودانين ، وذهبنا الى قهوة صغيرة للونس وتبادل الأخبار وترتيب إقامتي إلى أن يتم فتح المطارات.
فؤجئنا بصاحبة المكان، تلك المرأة البسيطة قائلة :
(وليتو وليتو) .
يعني إجلسوا في شكل زوجي، كل اثنين مع بعض .
فقلنا لها :
(اشي اشي) .
عندما ذهبنا لشراء ما نحتاجه من الخضروات، كان هنالك فاصلاً يبعد مترين من البائع، الذي قدم لنا أولاً مادة مطهرة لغسل أيدينا، فقلنا له: اشي اشي.
إثيوبيا دولة فقيرة، مُكتَظّة بالسكان، تعاني مثلها مثل كل دول العالم الفقير من ضعف وفقر المؤسسات الصحية، يعاني سُكانها من العطالة كما أن نسبة التعليم أيضا منخفضة، ونحن في السودان لسنا بأحسن حالاً منها، ولكن الفرق كبير فيما يخص وعي المسئولين وإلتزام المواطنين وفرض هيبة الدولة في السودان.
بقرار واحد مقتضب من السلطات الصحيِّة، مُنعت التجمعات، المقدسة منها والفاسقة، فإلتزم الشعب:
أغلقت البارات والملاهي، مُنعت الصلوات الجماعيِّة وزيارات الأماكن المقدسة.
مُنع السلام بالأيدي، أو بالأكتاف، مُنعت القُبل أيضاً وكل أنواع التجمعات الصغيرة والكبيرة.
أُغلقت المدارس والجامعات وأُرسل الطلاب في مليون حافلة إلى أسرهم البعيدة.
كما أصبح هنالك برامج يومية ثابتة لنشر التوعيِّة بكل لغات إثيوبيا في الراديو والتلفزيون، وفي كل اتصال عبر الموبايل يمكنك ان تسمع النصائح قبل الإتصال.
هذا بالإضافة إلى عربات المحليِّة التي تجوب الشوارع والأزقة والطرقات منبهة المواطنين عبر مكبر الصوت عن الجائحة وترشدهم على السلوك الصحي القويم، والأغاني ذات الألحان الشجيِّة. بالطبع هنالك الشرطيون في كل مكان يلزمون من لا يلتزم بالعمل وفق القانون.
في السودان مازالت المؤسسة الدينية تتماطل، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية، حيث مرقد النبي(ص) وبيت الله، والمسجد النبوي، تلك البلاد التي شهدت ميلاد الإسلام. قامت دون تردد بالإجراءات الوقائية اللازمة، وأغلقت الحرم الشريف، ومنعت العمرة، وربما تمنع الحج أيضاً الى بيت الله الحرام، وواجه قادة المملكة الأسئلة العقائديِّة بكل شجاعة ووعي وفهم دنيوي بحت:
فهم كغيرهم من المُتشَدِّدين دينياً – علمانيون عندما تكون هنالك ضرورة لذلك.
أما في السودان هنالك إستهتار رسمي بأزمة الكورنا، بالطبع كان بأمكان الحكومة ان تتخذ إجراءات صارمة منذ تفشي الكورنا في العالم.
وأن تستفيد من تجارب الدول الأخرى، أقصد التجارب الناجحة كما في المانيا والنمسا والصين ذاتها، والتجارب الفاشلة كما هو الحال في إيطاليا وفرنسا، حيث لم يلتزم المواطنون بالإجراءات الوقائيِّة و الصحيِّة.
واضحاً وللأسف أن ما يحدث الان في السودان، ينبئ عن كارثة_صحية، فمن المدهش أن تتساهل تتسامح الدولة في مسألة التجمعات وتتفرج على مظاهرة الزاحفات و الزواحف، وتعلم أن الهدف منها ليس غلاء المعيشة، فلقد كن كما شاهدناهنّ في الصور جميعهنّ بصحة جيدة بل أنهنّ يتميزنّ بأحجام ما فوق المتوسط، بل يمكن أن نقول إنهنّ أكلنّ حقهنّ وحق غيرهنّ من المواطنات خلال ثلاثين سنة عجاف من وجهة نظرنا كجياع، وثلاثين سنة سمينات كما يمكن ان يصفها الزواحف والذين استفادوا من سنوات حكومة_الانقاذ.
بالطبع من حق المواطنين أن يتساءلوا كيف يمكننا ان نعيش في الحجر المنزلي. ونحن لا نصيب لنا إلاّ رزق اليوم باليوم:
البناؤون عمال اليوميِّة، النقلتيِّة عمال المزارع، بائعات الشاي والزلابية، الشحاذون الميكانيكيِّة، والحدادون والسمكرجيِّة، والمشردون، و اللاجئون في المعسكرات، وأبناء وبنات السبيل، وكل من ليس له مرتب ثابت
الكثير من الدول قدمت إعانات شهريِّة لهذه الفئات، كما أن هنالك ما يُمكن ان يُسمى التضامن الإجتماعي ، وتعجبني مبادرة الصديقة “ملاذ خوجلي”، وهي مبادرة بسيطة جداً مفادها؛ أن تصبح الجوامع ودور العبادة مراكزاً لوضع كل ما فاض من أطعمة الميسورين، أو كل ما يستطيعون تقديمه، حيث يأتي أصحاب الحاجات والذين ليس بإمكانهم شراء أطعمتهم بأخذها من الجامع، أو دور العبادة، أو النادي، أو اية أمكنة يتفق عليها الناس.
الأوربيون يضعون ذلك على قارعة الطريق وعند عتبات البيوت، وفي مداخل المباني السكنية.
بعض القرى في الجزائر أرسلت منتوجاتها الغذائية الى سكان المدن.
خلاصة_القول
ما نتطلع إليه والأهم هو؛ دور الدولة، وحرصها على توفير أساسيات الحياة مجاناً لهذه الفئات، وبصورة منظمة جداً، ومرتبة. بحيث تحفظ كرامة المواطنين .
16 أبريل 2020 م
دبرو ماركوس – أثيوبيا
عبدالعزيز بركة ساكن
الإرادة
ريم عثمان : كتابات حرة الحياة رحلة طالت أو قصرت تحتاج أن نعيشها بسعادة وعطاء، أن نأخذ منها…