في رثاء الصادق خالد… ذاكرة التلفزيون
شرف محمد الحسن
( سيدي أبّا – يُسلّم الامانة ) …
…….
حكى لنا المخرج التلفزيوني ( سيد محمود) ؛ انه عندما درس المرحلة الاولية ؛ كان زميلهم في الفصل هو الصادق خالد شيخ الدين ، و هو ابن احد كبار قادة المهدية و المسؤول عن سجن ام درمان ، بل أن السجن ذاته و ما جاوره من اشلاق تقوم على أرض ملك لوالد الصادق خالد شيخ الدين ،،
يواصل مخرج برنامج جنة الاطفال سيد محمود ، فيقول : كان الطالب / الصادق خالد يحضر للمدرسة برفقة أربعة من الحراس الشخصيين لخدمته و حمايته ، يحيطونه و يحملون عنه كتبه و مؤونته ، و يسيرون في مشية عسكرية منتظمة يرددون عبارة ( سيدي أبّا ، ، سيدي أبّا ) ،،
و لعل اسم أبّا جاء من طريقة نطقه لكلمة ما و هو صغير ،،
هكذا وُلد و ترعرع الصادق خالد في عز و سيادة و سلطة و نعيم واسع ،،
لكنه عندما كبر لم يختار طريق التجارة او امتلاك العقارات و المزارع او حتى طرق ابواب السياسه و غيرها ؛ شأنه و بقية قادة المهدية و ابنائهم ، بل اتجه الصادق خالد لمجال وظيفي ابداعي ، فكان من رواد العمل بقسم الفيديو بتلفزيون السودان ،، و لعله جاء إليه من وحدة الانتاج السينمائي ، عندما تم استجلاب ماكينة فيديو سينمائية تعمل على تحويل أشرطة السينما الى اشارة تلفزيونية ، و هي ما يعرف ب ( التليسينما) ،
عندما دخلتُ التلفزيون ؛ كان الاستاذ الصادق خالد يعمل في قسم التلسينما و معه سيف الدولة الطيب و عبد القيوم خضر و بابكر محمد علي و يعقوب ،، و كانوا يمثلون حلقة الوصل بين الانتاج السينمائي و ايضا المواد المحفوظة في الفيديوهات القديمه معيار واحد بوصه و اثنين بوصه ، و بين الانتاج التلفزيوني ، بيننا كان المرحوم مصطفى احمد المصطفى رئيسا لقسم الفيديو ،،
و للتوضيح ، فان ماكينة الفيديو واحد بوصة هذه كانت كبيره بحجم الثلاجة عشرة قدم ، و شريطها عرضه واحد بوصة ، و في حجم صينية الشاي التي تحمل خمسه كبابي ،،
كان هولاء الرواد في قسم التلسينما ، و من بعد ذلك قسم الفيديو و ادارة التشغيل ؛ كانوا من اكثر من تعاملت معهم بتقدير كبير واحترام ، فهم يتعاملون معي باعتباري اخيهم الاصغر ، و لم يحدث ان تعامل معي اي منهم بمحاسبة او اوامر ،،
ثم تغيرت الانظمة الفنية سريعا مع التطور التكنلوجي ، و ذهبت السنون اسرع ، فنزل هولاء المعاش ، غير ان جميع الادارات التي تعاقبت على التلفزيون رأت ان تتعاقد مع الاستاذ او مهندس التشغيل الصادق خالد ، نسبة لدوره كونه الفني الوحيد الحافظ التعامل مع اجيال المكتبة القديمه ،،
قبل عامين كان دور الصادق خالد أكبر عندما تم استجلاب ماكينه سينمائية تعمل على تحويل المكتبة السينمائية النفيثة لفيديو رقمي ، كان ذلك ضمن مشروع التحويل الرقمي لمكتبة التلفزيون ، و كان ان شاهد الناس افلاما عن تاريخ السودان لاول مرة يتم عرضها ،،
في شهر رمضان هذا ، تم عرض برنامج الذاكرة الذهبية ، و استمتع المشاهدون بتاريخهم و حضارتهم العظيمه ، و كان من وراء ذلك العمل العظيم يقف مهندس التشغيل الصادق خالد و رفيقه يعقوب و فريق العمل ..
اليوم صباحا ، و بهدوء – كعادته – اكمل الصادق خالد المعدودة ، و سلم الروح لبارئها في هذا الشهر الكريم ليكون بجوار الغفور الرحيم ،، و برنامج الذاكرة الذهبيه يتم بثه عقب الافطار ، و لكأنّ الصادق خالد شيخ الدين قد اراد القول ( أنه سلم الامانة لهذا الجيل )
كان ( سيدي أبّا) كالنسيم العليل ، اذا مر بك لن تشعر الا بلطف و روعة مرورة ،، رغم انه احد ابناء القادة الذين كان ابناؤهم يمتلكون الاراضي و يعيشون في رغد و عز ، بينما لم يكن الصادق خالد يملك الا حب الناس ، و زهده و نقاءه ، فلم يكن يقود عربية و لا تستوقفه حوجه ، بل شهدت له احذيته و هي تضع بصماتها يوميا على طريق التلفزيون روحة و مجيئا حتى تضعضت ،،
الا رحم الله الصادق خالد
الإرادة
ريم عثمان : كتابات حرة الحياة رحلة طالت أو قصرت تحتاج أن نعيشها بسعادة وعطاء، أن نأخذ منها…