‫الرئيسية‬ رأي وحدث ما حدث
رأي - مايو 13, 2020

وحدث ما حدث

الطيب بشير

في بيوتنا زمان كانت الجدران تزدان بصور العظماء والراحلين وبعض الصور العائلية وكلها بالطبع أبيض وأسود، كذلك كان حال شهادات الميلاد المجانية، فقد كان يتم بروزتها وتعليقها أيضاً!! والمشهد المحفوظ هو شكل الجالسين للصورة بعملية الذراع الطويل!! في وضعية أقرب ما تكون للجلوس بين السجدتين و(التشهـّـد) مع حنفة وش تعتبر شرط صحة أو ابتسامة تترقب الفلاش وتخشى بريقه فتأتي كأنها إبتسامة مستعملة…. وتحتفظ بعض الأستوديوهات ببدلة وكرافتة لمن أراد أن يتقندف أو أراد ظُهورا، وتكتشف بسهولة أنها مستعارة مثل شعر الجميلات تلك الأيام!!..بعدها ظهرت صور السادة الضباط تنافس ملافح المشائخ في جدران البيوت، بجامع العظمة في كلٍ، وما لبثت أن ظهرت روبات التخريج الجامعية ومعها الشهادة مطويّـة ومربوطة بالسولفان الأنيق والتي ظهر معها على استحياء وجود صور (بنات في الحيطة) … ويُعتبر ظهور الطفل وحيداً في جدران البيت حديثاً نوعاً ما، بعد الإغتراب وامتلاك العرسان لبيت منفصل يؤمن لهم جدران تخصهم ويستطيعون تحديد أولويات وضع الصور فيها، وهنا إنجعص حمودي في الحيطة منفرداً لأول مرة!!
كانت هناك منافسة معلنة وخفية بين أهل والدي وأهل والدتي على كسب انتمائنا وتسجيلنا، ولعلها في كل البيوتات، زاد عليها في تقسيم طابت أن ناس أمي كان إسمهم (حلة قدام) وناس ابوي (حلة ورا)..ونحن كنا أولاد الحصاحيصا والكاملين ومدني، نتنقل مع الوالد عليه الرحمة، فحين نأتي للعطلة الصيفية نلحظ أن الحفاوة لا تخلو من المنافسة، أو المقارنة، ولكن اللعب كان نظيفاً جداً، ولأن الشاهد هنا هو الصور الفوتوغرافية أذكر أن لنا صورة لأود بشير الطيب معلّقة في بيت حبوبتي حاجة آمنة بت اللمين ود يعقوب ست البنيان البي طوب والحوش المزروب، أم أبوي عليهما الرحمة ، وأخرى لأولاد بتول المبارك معلقة في بيت حبوبتي حفصة بت الشيخ السماني أب رسوة البيدي الكسرة والكسوة، عليها الرحمة، وكانت كلتا اللقطتين تشبهان بعضيهما…ولا نفرق بين أحد منهما إلا بالضيف الواقف معنا فهو الذي يحسم الإنتماء لأحد الفريقين….
ظهرت بعد ذلك (بدعة) صورة الجنسية وبطاقة امتحان الشهادة السودانية، وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، غير الفنان الراحل عوض أبرق، وقام بتصويرنا بدراهم معدودة، وبعدها لقينا في الخرطوم أستوديو فارتي (Varti) وفيه رجل فنان سبق الفوتوشوب بمهارته، فهو الذي يجعل منك وسيماً بلا زيادة مال، يقوم بإضفاء ظلال بالقلم الرصاص حتى أن كمال الجرزمبة ليبدو مثل عماد احمد الطيب!!
ومن أجمل هدايا المغتربين وأنا في الثانوي كانت كاميرا التصوير التي عرفتني على استوديو النيل ورحلة تحميض الفيلم، كما جلب المهاجرون الكاميرات أُحادية الإستعمال واستشرت كوداك … كذلك أضاف المغتربون والمسلسل اليومي (بدعة) الألبوم….. والذي تطور بحسب تطور الصور ذاتها… منذ أن كنا نتولى قص الورق بالموسى وإلزاق الصور بالسولوتيب حتى ظهر التغليف الحديث……. وتطورت الكاميرات فظهرت (Polaroid) التي تعطيك الكارت من جوفها بالتحميض اللحظي…وكان بالفعل مصدر دهشة وهو الشيء الذي أوصلنا لعالم الديجيتال مكتوفي الإبداع …. وزاد انتشار استخدام الكاميرا ارتباطها بالهواتف النقالة مؤخراً ثم ظهر الإسناب تشات و(حدس ما حدس) ….

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …