‫الرئيسية‬ رأي الرشيد احمد عيسى ينعي الهادي صديق
رأي - مايو 31, 2020

الرشيد احمد عيسى ينعي الهادي صديق

فى اتصال هاتفى حزين من استاذى المخرج والناقد السينمائي عبدالرحمن نجدى وهويعزينى فى الهادى الصديق صديقه الذى كان يوميا لابد ان يلتقيه ..حكى لى بصوت متهدج حزين ان الهادى كان عاشقا ابديا للتمثيل ولد ممثلا ومات ممثلا..رغم ان والده كان كارها لما يقوم به ابنه..
بدات حكايتى مع الهادى عندما جاءت فرقة مدير ليوم واحد لتقديم عروضها فى مدينة عطبرة فى العام 1979 وكنت انذاك فى طالبا فى مدرسة عطبرة الثانويه وممثلا ناشطا وعضو اتحاد المسرحيين فى مدينتى الفاضلة..كلفت ان اكون مرافقا لهذه الفرقة ..قدمت الفرقة اولى عروضها فى مسرح النيل واستمرت ثلاثة ايام ولكن لم تغطى العروض تكلفة الفرقة فكان ان اشترى سلاح المدفعية عرضا ليعوض للفرقة خسارتها..هكذا كان الجيش عندما كان يلتحم مع شعبه ولنا فى ذلك سيرة عطرة مع قوات الشعب المسلحه فى الكثير من التجارب..
شاهدت لاول مرة عبقرية الاداء ابراهيم حجازى وهو يجسد شخصية المدير كنت اتابع هذا التحليق وتلك الكتابة والصلاة الروحيه العميقة وهو يطير على خشبة المسرح حالات من خروج الروح من الجسد..كانت تلك المسرحية ذروة من ذروات الموسم المسرحى التى تجلت فيه عبقرية التخطيط السودانى لصناعة ثقافة مسرحية تعنى اولا بتطوير المبدع لقدراته من خلال تراكم العروض واستمرارها لتكسب الممثل والمخرج والمؤلف المزيد من اكتشاف قدراته..وترتقى بذوق المتفرج الذى كان ينتظر الموسم المسرحى كواحدة من اهم وسائل ترفيهه ومعرفته ..فالمسرح مدرسة الشعوب الذى سيبقى مابقيت الحياة..
الهادى الصديق العبقرية التى اعتبر التمثيل امتداد للحياة فعشقه منذ صغره وصار يؤدى فى حياته الشخصيات التى احبها فكان يكتب لذاته فى الاذاعة تلك التمثيليات التى يعيشها فى حياته فهو يؤمن بان الممثل حين يكون قادرا ان يؤدى فى الحياة فسوف يكون قادرا على ان يؤدى فى المسرح والشاشه..هكذا هم الممثلون لكل منهم طريقته فى تعرية ومعرفة ذاته..على الممثل ان يسال نفسه لماذا انا ممثل؟؟ انه سؤال بحثك مع ذاتك عن هويتك فالتمثيل فن شاق وروح الممثل معذبه ومريضه تبحث دائما عن ذات اخرى ينهمك فيها وهو فى كل خطوة يقتل نفسه وهكذا يستمر فى تعريه ذاته وبحثه الدائم عن حقيقته..فكثير من الممثلين يعتبروا ان التمثيل علاجا لهم ..فالعمل مع كل تلك الشخوص ومعاناتها وانفعالاتها ومشاعرها المعقدة يمارس من خلالها الممثل معاناته الخاصه ويحقق وجوده من خلال تجسيد تلك الشخوص..ان تمنح روحك وجسدك لشخصية اخرى ليس ذلك بالفعل السهل العابر..
كنت من المحظوظين لاننى مثلت بجانب الهادى الصديق فى الاذاعه وفى مسلسل تلفزيونى الشاهد والضحية عام 1994 تاليف الصديق الكاتب عادل ابراهيم واخراج المبدع فاروق سليمان..كان هو فى دور الرائد محمد وكنت مساعده النقيب جلال..الهادى مدرسة متفرده فى الاداء التلقائي عاشق للكاميرا تحبه ويحبها..كذلك مع الاذاعة فله ايضا ذلك العشق الازلى للمايكرفون..فكنا نستمتع بمشاهدته وهو يقف امامه كانه عشيقته..كنا نداعبه ونقول له .شنبك من المايك ياهادى..كان يلتفت الينا بابتسامته التى لم تفارقه..ويقول لنا حاضر..
سالت نفسى وانا اكتب عن الهادى المبدع .صرت اكتب عن زملائي المبدعين ناعيا لهم فى ظل غياب الدولة التى لم نعد من رعاياها ..الم يفكر اى مسؤول فى وطننا العظيم بحال المبدعين المسرحيين كيف يمارسون فنهم .؟ كيف يعيشون؟؟ لماذا هذا الفقر المدقع الذى ظلوا فيه سنينا عددا..؟؟ الم يسالوا انفسهم عن تلك الاجور المنحطه التى لايمكن ان تركب بها مواصلات ناهيك عن ان تطعم بها اسرتك؟؟كل شئ يتغير فى وطنى الا حال المبدع ..وبعد ذلك ياتى من يوجه نقدا سهلا لاذعا للدراما وصانعيها..الى متى هذا الصمت المريب من قبل الدولة..خاصة فى امر هيكلة اجهزة الفنون.؟؟الى متى ننتظر حتى تمن علينا الدولة بتشريعات تحمى وتصون حقوق المبدع؟؟؟
وهكذا نمضى نحن المبدعون يشهد لنا شعبنا اننا ..كتبنا بارواحناو اجسادنا الهزيله اجمل العروض المسرحيه والاذاعيه والتلفزيونيه . وسنظل على وعدنا بان اجمل العروض لم تقدم بعد.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …